كوردستريت || الصحافة
بقراره شن هجوم نهائي لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب، يتحرك الرئيس النظام السوري بشار الأسد فوق خيط رفيع، بين مخاطر رد الفعل الانتقامي من جانب جارته تركيا، من ناحية، ومكاسب استكمال السيطرة على كامل التراب الوطني لبلاده، والاستفادة من الموارد الكبيرة للمحافظة في دعم اقتصاد سورية من ناحية أخرى.
وذكرت وكالة بلومبرج للأنباء في تحليل نشرته اليوم الأربعاء أن الحملة العسكرية على إدلب التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة موالية لتركيا وتنظيم القاعدة الإرهابي، تعكس الرغبة الراسخة لدى الأسد في إعادة بناء إدلب كجسر يعيد ربط مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، بالعاصمة السياسية للبلاد دمشق، والمناطق الساحلية الأخرى. وأصبح تحقيق هذا الهدف أمرا حيويا بصفة خاصة بالنسبة لحكومة الأسد، في ظل معاناة الاقتصاد السوري من تداعيات عشر سنوات من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية والأزمة المالية في لبنان المجاورة.
وأضافت بلومبرج أن استعادة السيطرة على إدلب، يمكن أن تمثل بداية أولية لإعادة بناء الاقتصاد السوري الذي تقدر الأمم المتحدة إنه يحتاج إلى مساعدات تزيد قيمتها عن 250 مليار دولار، وهو مبلغ لا يمكن لحليفي الأسد في الحرب وهما إيران وروسيا تقديمه. كما فقدت الليرة السورية نصف قيمتها خلال العام الماضي لتسجل 1000 ليرة لكل دولار.
ويقول أيهم كامل رئيس إدارة أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة “يورواسيا جروب” للدراسات إن “الأسد يريد توسيع نطاق سيطرته على الأرض في إدلب وحلب من أجل إنهاء الصراع بشكل أساسي واستعادة الاتصالات التجارية بين حلب وباقي مناطق البلاد… وتتزايد أهمية تحقيق هذا الهدف بمرور الوقت وبخاصة في ظل المشكلات التي يمر بها لبنان” المجاور.
ويعتبر عنصر التوقيت أساسيا في العملية التي يشنها الجيش السوري للسيطرة على إدلب. فالتزام روسيا بتوفير الغطاء الجوي للهجوم البري السوري، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء الوجود العسكري الأمريكي من مسرح العمليات السوري، أعطي الأسد الضوء الأخضر لإنهاء ما يعتبرها خطوة أساسية لإعادة توحيد الدولة السورية بالفعل.
وخطورة هذه الاستراتيجية التي يتناها بشار الأسد واضحة في القتال الدائر حاليا في محافظة إدلب. فالقوات التركية تتدفق للحيلولة دون سقوط أخر معقل للمعارضة المسلحة في يد القوات السورية. واستهدفت القوات التركية حوالي 170 هدفا في سورية ردا على الهجمات التي قامت بها القوات السورية والتي أسفرت عن مقتل 12 عسكريا تركيا على الأقل خلال الشهر الحالي.
و مهما كان مدى تسبب هجوم الأسد في تعقيد العلاقات بين تركيا وروسيا، لم يقلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دعمه لجهود حكومة دمشق من أجل القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة في إدلب. وتنشر تركيا قواتها في محافظة إدلب وفقا لاتفاق مع روسيا وإيران في عام 2017 من أجل الحد من القتال بين القوات السورية والمليشيات المسلحة هناك ، ومنع انطلاق موجة جديدة من النازحين السوريين نحو الحدود.
وبحسب بيان صادر عن الكرملين فقد أجرى أردوغان وبوتين محادثات هاتفية لبحث “خطورة الموقف” في إدلب، وأشارا إلى أهمية التطبيق الكامل للاتفاقيات الموقعة بين روسيا وتركيا.
كان الزعيمان الروسي والتركي قد توصلا في أيلول/سبتمبر 2018 إلى اتفاق لإقامة منطقة منزوعة السلاح بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية في محافظة إدلب. ويقضي هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة في منتجع سوتشي الروسي، بسحب الأسلحة الثقيلة الخاصة بالمجموعات المسلحة من المنطقة وقيام القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة لمراقبة المنطقة، مع السماح بإعادة تشغيل طرق العبور الرئيسية إلى مدينة حلب.
ومع ارتفاع التكلفة البشرية للهجوم على إدلب، فإن الأسد لن تكون لديه خيارات أخرى سوى المضي قدما في الهجوم حتى يستعيد السيطرة على المحافظة بالكامل، بحسب دبلوماسي أوروبي في الشرق الأوسط؟ تحدث إلى وكالة بلومبرج للأنباء.
ولم تسفر مفاوضات الوفد الروسي في أنقرة خلال الأيام الماضية إلى نتائج ملموسة، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يلتقي بنظيره الروسي لمناقشة الموقف في وقت لاحق، بحسب السلطات التركية. في المقابل قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية إنه لا توجد في الوقت الراهن أي خطط لعقد مثل هذا اللقاء، لكن الموقف في إدلب “يثير قلق الكرملين”.
وفي حين ترغب موسكو في التوسط بين تركيا والنظام السوري لتجنب “صدامات لا ضرورة لها” بينهما، تقول إيلينا سوبونينا خبيرة شؤون الشرق الأوسط في العاصمة الروسية موسكو، إنه على انقرة القبول بحقيقة أن القوات السورية استعادت عددا من المواقع المهمة في محافظة إدلب، وأن هذه القوات لن تنسحب من هذه المواقع.
وعندما طلبت تركيا من سورية الانسحاب في الأيام الأولى للهجوم، كان الرد السوري: الكثير من الجنود ضحوا بأرواحهم لذلك من المستحيل التراجع” بحسب الدبلوماسي الأوروبي.
وتقول دارين خليفة كبيرة خبراء في الشأن السوري بمؤسسة “مجموعة الأزمات الدولية” ومقرها في بروكسل إن “دمشق لم تخف أبدا رغبتها في استعادة السيطرة على كل بوصة من سورية… إدلب ليست استثناء من ذلك”.
كما أن المواجهة مع القوات الموالية لتركيا، لها فائدة أخرى بالنسبة للأسد، وهي إمكانية إعادة الدفء لعلاقاته مع دول الخليج العربية التي ترى أن تركيا تمثل تهديدا لها بسبب دعمها للجماعات الإسلامية.
ويقول ايهم كامل إن الأسد “أصبح مفيدا جدا لاحتواء الأتراك… إن سورية تحت حكم الأسد دولة عازلة” بين الدول العربية وتركيا.