كوردستريت|| #آراء وقضايا
بقلم: دلدار بدرخان
– من لا يقرأ التاريخ ولا يستخلص الدروس والعِبر منه لا يمكنه قراءة المستقبل أو مجاراة التغيّرات المستقبلية والقدرة على التكيّف معها وبناء تصوراته حولها. فالتاريخ يعزز الأفكار والتصورات ويُنمي التجربة، والتجربة هي مفتاح العلم والمعرفة. وكما علمنا التاريخ فإن الأحزاب السياسية التي تتجاهل أهمية التطور والتكيف مع متطلبات العصر والتماشي مع إرادة الشعب غالباً ما تجد نفسها في طريق الزوال.
– فالتاريخ يخبرنا عن كبريات الأحزاب السياسية التي كانت تمتلك شأناً عظيماً فيما مضى و انتهى بها المطاف إلى عالم النسيان وأصبح دورها هامشياً في سياق التطورات التاريخية. هناك العديد من الأمثلة على ذلك، ومن أهمها الحزب الشيوعي السوفيتي الذي كان في يوم ما من الأحزاب الحاكمة في الاتحاد السوفيتي، لكن دوره السياسي انتهى إلى أن تم حظره في البلاد نهائياً. وكذلك الحال مع الحزب القومي الصيني الذي كان يمثل التشدد القومي واستلم دفة الحكم في الصين، لكنه فقد قوته كحزب حاكم وأصبح من الأحزاب المنبوذة في تلك الجغرافيا.
هذه أمثلة حيّة لبعض الأحزاب التي كان لها تأثير عظيم في بلدانها ومناطقها لكنها أصبحت الآن جزءاً من التاريخ والماضي ،ولا يخفى علينا بعض أحزابنا الكوردية التي انتهى دورها في الحياة السياسية كالحزب الشيوعي وحزب اتحاد الشعب وحزب العمل ، وغيرها من الأحزاب التي اندثرت وغاب أسمها عن الشعب .
– و التاريخ يخبرنا أيضاً عن أحزاب لمع نجمها خلال فترة وجيزة ولامست أفكارها وبرامجها السياسية طموحات شعوبها فأصبحت اليوم من كبريات الأحزاب. ولعل الحركة السياسية التي ينتمي إليها “إيمانويل ماكرون” تمثل مثالاً حياً فيما ذهبنا إليه ، فقد نجح في جعل حزبه من الأحزاب الرائدة والكبيرة في فرنسا خلال مدة لم تتجاوز السنة، ليدفع حزبه الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه إلى مزبلة التاريخ. ولا ننسى السياسي الهولندي المعروف والمشهور بجرأته ومواقفه الشجاعة “بيتر أومتزيخت” الذي كان عضواً في حزب المسيحيين الديمقراطيين وترك حزبه مؤخراً ليشكل فيما بعد حزباً جديداً باسم “العقد الاجتماعي الجديد”. هذا الحزب صعد خلال فترة وجيزة إلى مستويات رائدة ومتقدمة، واستطاع كسب قاعدة شعبية لا يستهان بها في هولندا ليصبح الآن من كبريات الأحزاب في هولندا ومشاركاً فاعلاً في التشكيلة الحكومية الحالية .
– إن أفول الأحزاب السياسية، وخاصة في السياق الكوردي، غالباً ما يعود إلى عدة عوامل رئيسية أهمها الجمود الأيديولوجي والإنقسامات الداخلية، والفساد والمحسوبيات والتكتلات البعيدة عن العمل الحزبي المؤسساتي و فشلها في الاستجابة لمتطلبات العصر وعدم قدرتها على جذب الأجيال الجديدة .
فالكثير من الأحزاب الكوردية مثلها مثل الأحزاب الكبرى الأخرى التي سبقتها إلى الزوال، تميل إلى التمسك بأيديولوجيات وأفكار سياسية لم تعد تتماشى مع التحولات الاجتماعية والسياسية الحالية ، والأحزاب التي ترفض تحديث أفكارها ومقارباتها وفقاً لاحتياجات المجتمع والواقع المتغير، وتعيش في أبراجها العاجية بعيدة عن هموم الشعب ومعاناتهم تجد نفسها في مواجهة صعوبات في الحفاظ على قاعدتها الشعبية.
– فالانقسامات التي تشهدها أحزاب المجلس الوطني الكوردي والفساد المستشري في جسده ووجود تكتلات ومحسوبيات داخل هيئاته ، وهروب هذا المجلس من مسؤولياته تجاه قضايا الشعب قد أضعفت من قوته و أدّت إلى تفتيت الدعم الشعبي له وتراجع حاضنته الشعبية مما جعله عرضة للتهميش وفقدان التأثير السياسي ، فالأحزاب التي لا تستطيع إدارة خلافاتها بفعالية وتفعيل مبدأ المحاسبة وإعادة الهيكلة ومواكبة العصر وتلبية ارادة الشعب و تطلعاتهم غالباً ما تكون عرضة للزوال ،وأحزاب المجلس الوطني ليسوا استثناءً عن السياقات التاريخية ومجريات الأحداث فيها .
– في هذا السياق من الضروري أن يقوم المجلس الوطني الكوردي بمراجعة سياساته غير المسؤولة وتحديد أولوياته بناءً على الاحتياجات الحالية والضرورات الملحة، خاصةً في ظل الأزمات الداخلية التي نشهدها مثل التغيير الديمغرافي والجرائم والإبادة التي تتعرض لها مناطقنا وشعبنا . يجب على المجلس تفعيل مبدأ المحاسبة، وإنهاء التشرذم والتكتلات والمحسوبيات والفساد ، كما ينبغي عليه ضخ دماء جديدة من خلال جذب الشباب وإعادة هيكلة المجلس عبر ضم المستقلين وفقاً لنسبتهم المئوية ، وإلا فإن المجلس سيكون معرضاً لخطر الأفول والزوال، وسيجد نفسه أمام أحزاب جديدة تنبثق من رحم المعاناة الكوردية وتحظى بإقبال جماهيري ، وربما تصبح فيما بعد من الأحزاب الرائدة التي تقود الشعب ، ولعل في “حركة البناء الديمقراطي الكردستاني” مثالاً جيداً في وجود رغبة جادة نحو التجديد والتغيير عبر المطالبة بتغيير شامل للمنظومة الفكرية الكلاسيكية و تبني أفكار جديدة مثل استعادة القرار الكوردي المسلوب ، والتركيز على الشباب والدماء الجديدة ، ودعوة المستقلين للتشارك والعمل معاً .