
كوردستريت|| بيروت – (أ ف ب)
لأول مرة منذ سنوات، يعود الحديث عن نزع سلاح حزب الله إلى واجهة النقاشات السياسية في لبنان، لا بوصفه طرحًا نظريًا كما في السابق، بل كخيار مطروح وقابل للتنفيذ، في ضوء تطورات متسارعة محليًا وإقليميًا، من بينها الحرب الأخيرة مع إسرائيل، والضغوط الأميركية المتصاعدة، ومحادثات إيران النووية مع واشنطن.
فقد ألحقت الحرب التي استمرت أكثر من عام وتحوّلت إلى مواجهة مفتوحة استمرت شهرين، خسائر فادحة بالحزب سواء على مستوى العتاد أو القيادة، ما أثار تساؤلات عن قدرة الحزب على استعادة زمام المبادرة، أو الاستمرار بذات المعادلة السابقة.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، انسحب مقاتلو حزب الله من جنوب الليطاني، وسُلّمت معظم مواقعه للجيش اللبناني، فيما تستمر الغارات الإسرائيلية شبه اليومية على الجنوب، مما يضعف استقرار الاتفاق ويمنح الحزب ذريعة للتمسك بسلاحه، وفق خبراء.
في هذا السياق، قالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، خلال زيارتها إلى بيروت هذا الشهر، إن واشنطن تضغط لتطبيق كامل لقرار وقف الأعمال العدائية، بما يشمل نزع سلاح حزب الله وكافة الميليشيات “في أسرع وقت ممكن”.
الرئيس اللبناني جوزاف عون، من جهته، شدد على أن “السلاح يجب أن يكون حصريًا بيد الدولة”، لكنه أبدى تمسكًا بالحوار وسيلةً لتحقيق هذا الهدف، في موقف يوازن بين التحديات الأمنية والاعتبارات السياسية المعقدة.
تغير في الحسابات؟
يرى ديفيد وود، المحلل في “مجموعة الأزمات الدولية”، أن التحولات الأخيرة “أعادت رسم ملامح الواقع الميداني في لبنان”، معتبرًا أن “نزع سلاح حزب الله لم يعد من المحرمات، بل قد يشارك فيه الحزب طواعية، بدلًا من مقاومته”.
لكن الباحثة في “معهد واشنطن”، حنين غدّار، ترى أن الحزب لا يزال بعيدًا عن تسليم سلاحه فعليًا، مرجحة سيناريو المواجهة، سواء بشكل مباشر أو عبر “تدخل إسرائيلي بديل”، مشيرة إلى أن بعض أجنحة الحزب – مثل تلك التي يمثلها الأمين العام الجديد نعيم قاسم ومحمد رعد – تسعى إلى “شراء الوقت” عبر فتح حوار محدود حول الاستراتيجية الدفاعية، دون التطرق فعليًا لمسألة نزع السلاح.
في المقابل، يرى العميد المتقاعد علي شحرور أن الحزب يمر بـ”نكسة فعلية”، وأنه “ليس من مصلحته خوض مواجهة مع الدولة”، خصوصًا في ظل تزامن هذه التطورات مع بدء محادثات نووية بين طهران وواشنطن، قد تُفضي إلى تفاهمات أوسع تشمل أذرع إيران الإقليمية.
معضلة معقّدة
المشهد يزداد تعقيدًا حين يتعلق بالسلاح غير الرسمي، إذ يقول الأستاذ الجامعي كريم بيطار إن “المعادلة أشبه بسؤال الدجاجة والبيضة”، مرجّحًا أن يسلم الحزب جزءًا من سلاحه الثقيل للجيش، مع التنصل من أي مسؤولية عن السلاح الموجود بيد مدنيين موالين له.
وبالرغم من الطروحات المتداولة – من تفكيك البنية العسكرية، إلى دمج السلاح والمقاتلين بالجيش – فإن الجميع، بمن فيهم وود، يتفقون أن “الطريق الأسلم” هو التدرج والوقت، مع الإشارة إلى أن القرار النهائي مرهون إلى حد بعيد بـ”الضوء الأخضر الإيراني”، الذي لم يصدر بعد.
وبينما يستمر حزب الله في التأكيد على أن سلاحه مخصص لمواجهة “العدوان الإسرائيلي”، يرى مراقبون أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لبعض المناطق اللبنانية هو أحد الأسباب التي تسمح للحزب بتبرير احتفاظه بترسانته، خصوصًا في ظل ضعف القدرات الدفاعية للجيش اللبناني.