
التحركات الدولية باتت سريعة ، و على غير عادتها في هذه الفترة التي تمر بها سوريا بشكل عام ، و الحركة الكوردية بشكل خاص ، و هذا عائد الى مجموعة ظروف وعوامل محلية و اقليمية و دولية . بات معالم بعضها واضحاً للملأ ، و معالم البعض الاخر لازال هلامياً ، و كأنها مخاض السنوات الخمس من الصراعات الدامية بين النظام و المعارضة من جهة ، و من جهة ثانية الحوارية البيزنطية بين فصائل المعارضة في الداخل و الخارج و عدم اتفاقها على مشروعٍ او رأيٍ موحد ٍ مما ادى الى تحويل تلك الحوارات الى صراعٍ فيما بينها ، و كل طرفٍ يدلوا بما يتفق مع دلوا الجهة التي حضنته و دعمته على جميع الاصعدة و المستويات ، و من جهة ثالثة و هي الاهم . الصراعات الدولية و الاقليمية على المشروع المقترح لتغيير وجه منطقة الشرق بشكل عام ، و سوريا بشكل خاص ، و تأمين حصة اصحاب الصراع من التغيير الذي سيطرأ . ضمن هذه المعادلة المعقدة دخلت الحركة الكوردية السورية تلك اللعبة دون وجود اي مشروع سياسي لها ، او حتى وجود رؤية سياسية تتكل عليها ،أيضاً دون وجود الارضية الصلبة التي ستسير عليها ، و دون وجود داعم دولي لها ، و أصبحت وجهاً لوجه امام حيتان السياسة ، و بذلك وضعت على المحك ، و ُطلب منها ان تستوفي استحقاقات المرحلة كونها الممثل الشرعي للشعب الكوردي في سوريا ، و الاستفادة من الظروف الراهنة ، و تأمين الحقوق المشروعة للشعب الكوردي في سوريا ، و للأسف أثبتت الوقائع ان الحركة الكوردية اخفقت في مهمتها التاريخية ، و يعود ذلك الى عاملين اساسيين . اولهما ذاتي ، و الثاني موضوعي . .
.
1-ابتعاد الفئة المثقفة و البرجوازية تاريخياً عن صفوفها ، وارتباطهما الغير مباشر مع النظام بحكم المصالح التي تربطهما سوية ، مما جعل بنية الحركة هشاً و تطورها بطيءً ، و نمط تفكيرها قاصراً ، كما جعل تعاملها خاطئاً مع الاحداث لوجود فئة انتهازية بين صفوفها ، هذا بالإضافة الى عدم وجود مستلزمات المواجه و افتقادها للخبرة السياسية الدولية .
.
2-دخولها في محورين . الاول كان المحور الوطني ( المعارضة السورية ) ، والمحور الثاني كان العمق الكوردستاني لأطراف الحركة الكوردية ، و قد تعاملت الحركة مع المحورين حسب النوايا ، و حسب العاطفة ، و على هذا الاساس خمنت الحركة في المحور الوطني انهم سيكونون الوجه الحضاري لسوريا الغد و ستكون النوايا حسب مواقفهم من النظام القائم ، و من حسب كلامهم المعسول اثناء حوارات الحركة معهم منذ اعلان دمشق و ما تفرع منه آنذاك من منتديات مدنية و ثقافية ، ومن مؤتمرات كانت تقام هنا و هناك على اساس حوار الحضارات و الاديان و الاخوة المشتركة ، و على مستوى المحور الكوردستاني طغت العاطفة على لغة الحوار ، و تعاملت الحركة مع عمقها الكوردستاني حسب نظرتها للأحزاب الكوردستانية ايام السبعينات و التسعينات من القرن المنصرم ، و تناسوا ان تلك المرحلة قد عفى عليها الزمان ، وباتت الاحزاب الكوردستانية جزء من المعادلة الاقليمية و الدولية في منطقة الشرق الاوسط ، و تبحث عن وجودها السياسي ضمن المعادلة المطروحة .
.
من خلال الاسباب التي جعلت الحركة تُخفق في مهمتها ، جعلتها ايضاً تتسم بالمياعة ، و اصبح دورها ثانوياً و في مدٍ و جزر و بالتناوب فيما بينها ضمن المناطق الكوردية ، و يعود ذلك الى سيرها على خطى المعارضة السورية بشكل عام ، و التي استهلكت في فترة وجيزة بسبب غرقها في دهاليز الفساد المالي ، و تثبيت التباين في مواقفها على الصعيدين السياسي و العسكري ، و اتجاه النظام بشكل خاص ، و القضية الكوردية بشكل عام ، و الحركة من جانبها خاضت التجربة ذاتها ، و من اولى اخفاقاتها ترك المناطق الكوردية منذ بدايات الثورة السورية ، و الاتكال على حجج واهية تُشّرع غيابها عن الشارع الكوردي ، مع العلم ان تلك الحجج هي وليدة الحركة ذاتها ، و وليدة صراعها الدونكي شوتي فيما بينها على مبدأ من سيكون صاحب القرار الاول و الاخير في المناطق الكوردية ، و هذا ما انعكس مع مرور الوقت على المحاور التي تشكلت فيما بعد لرأب الصدع بين اطرافها ، خاصة بعد اتفاقية هولير 1+2 و اتفاقية دهوك و ملحقها ، و تشكيل المجلسين الكورديين ، و مع توالد الاحزاب في ظرفٍ تحتاج الحركة الى رص الصفوف ، كانت المحاور ايضاً تتوالد ، و بين مؤامرة و دسيسة ، و بين تنفيذ اجندة وطنية و كوردستانية ، و بين تأمين امتيازٍ من هنا و هناك ، و كل ذلك على حساب القضية و الشارع الكوردي ،و أصبحت المحاور تتضح يوماً بعد يوم ، كما تم تفريغ المنطقة الكوردية من سكانها ، كما افرغت سوريا من السوريين ، وبات هجرة الموت الى اوربا هي الملاذ الآمن للسوريين بعربه و كورده ، و تسارعت اللقاءات ، و عقدت المؤتمرات ، و وقعت الاتفاقات وفق توافق يضمن حقوق كل المتصارعين على منطقة الشرق بشكل عام و سوريا بشكل خاص ، إلا حقوق السوريين العرب و الكورد السوريين هي التي لم يتم التوافق عليها و لم تصان أو تؤمن ، كما لم تستبعد الاحزاب الكوردستانية من تلك الاتفاقات و التوافقات ، و على ذلك الاساس وجه كل طرفٍ كوردستاني مناصريه على رص صفوفهم كمحور للتحرك في منطقة روج افا ، و تزامناً مع كل ما يحدث ، و من خلال بروبوغندا مفتعلة ، تشكلت الضغوط بحق الكورد السورين في الداخل و في دول اللجوء ، و ادت كما كان محسوباً لها الى هجرة غير متوقعة الى اوربا و الغرب ، ليعلن العالم تعاطفه مع المهاجريين ، و كأنهم لم يسمعوا عن مأساة السوريين طيلة فترة الخمس سنوات المنصرمة ، و من خلال الاجتماعات و المؤتمرات التي خصت وضع الهجرة السورية . بات المجتمع الدولي يبحث عن مفاتيح لإجاد الحل الاسلم و الجذري للازمة السورية ، و باتت قضية السوريين تعالج على اساس انساني و لم تعد سياسية كما نادت بها الثورة السورية ، والتي اجهضت نفسها بنفسها ، كما أن الحركة الكوردية بعد عمليات حسابية في الضرب و الطرح و الجمع . اصبح لها ثلاث كتل اساسية و سياسية ، و كل كتلة تمثل محوراً كوردستانياً ، و على ذلك الأساس فالصراع القائم بين القوى الكوردستانية سوف تسير باتجاه المصالحة ، و الحجج التي كانت اطراف الحركة الكوردية توجدها لنفسها سوف تصبح قاب قوسينٍ او ادنى من نهايتها ، و بهذه الطريقة توضحت ملامح الحركة الكوردية في روج افا ، وبات لكل كتلةٍ صفتها الايديولوجية .
.
فالمجلس الوطني الكوردي سيمثل التيار المعتدل ، و مجلس غربي كوردستان سيمثل التيار اليساري ، و كتلة المرجعية إن بقيت صامدة و لم تتنازل عن تفعيل المرجعية السياسية الكوردية و بنود اتفاقية دهوك و ملحقها ، و لم تنجر كباقي الكتل إلى محورٍ كوردستاني .
.
قد تمثل طموحات الشعب الكوردي في سوريا حينها من خلال استقلالية القرار السياسي الكوردي في روج افا، و مع مرور الوقت قد تصبح الممثل الشرعي للشعب الكوردي ، و إلا فالمحور التقدمي في السليمانية سوف يكون بانتظارها ، و كل ذلك سيتم على حساب استقلالية القرار الكوردي في روج افا ، و على حساب طموحات و أهداف الشعب الكوردي المشروعة في سوريا .
.
لكن من جانبٍ آخر سيكون هذا الفرز بادرة خيرٍ لرص الصف الكوردي بشكل عام ، حتى لو كان على شكل ثلاث كتلٍ و بتوجيه ٍ كوردستاني .
.
نور شوقي – هولير
6-9-2015