امينة بريمو/
تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري ، بعد التشاور مع حلفائها، والرجوع إلى كبار مستشاريها ولاعبيها السياسين في الأمن القومي . وذلك لقناعتها الراسخة بأن السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية هو التوصل إلى تسوية سياسية ، ولإيمانها الثابت بأنه في ظل غياب أي إنفراج دبلوماسي ستستمر الحرب الأهلية في حرق سوريا لسنوات طويلة وسيلتهم لهيبها الدول المجاورة .
بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في تحليل الواقع المأساوي للمعارضة السورية . حيث أنها مجزأة، مشتتة، ضبابية الرؤيا، غير واضحة الاستراتيجية، مترددة في المواقف. إضافةً إلى أن قواتها العسكرية الأكثر فاعلية على الأرض هي الأكثر تشدداً وظلامية ً، أمثال جبهة النصرة وداعش وغيرها. وهذا مفاده بأن انتصار الثورة السورية سيؤدي على الأرجح إما إلى دولة ضعيفة البنية، مهزوزة الأركان. أو إلى دولة قروأوسطية تحت سيطرة الإسلاميين المتشددين .
ولتتجنب النتيجة السابقة ، فإن أوباما يحتاج إلى عقد صفقة مع الشريانين الحيويين اللذين يغذيان النظام السوري وهما موسكو وطهران ، والعمل على بذل الجهود لإقناعهما بالتخلي عن الأسد والضغط عليه للتنحي عن السلطة وبأفضل الشرووط . ولعل الخطوط العريضة لهذه التسوية السياسية واضحة، حيث أن الأسد والدائرة المحيطة به سوف يذهبون في نهاية العملية، ولكن وزارات ومؤسسات الدولة سوف تبقى على حالها إلى حد ما . كما أن السلطة السياسية في دمشق وحكامها من الطائفة العلوية سوف يفسحون المجال أكثر للامركزية الحكم ، وربما لترتيبات سياسية شاملة يتم فيها تخصيص السلطة على أسس طائفية وقومية .
وتبدو موسكو مستعدة للضغط على الاسد ، واتضح ذلك جليا في تعاونها مع الأسرة الدولية للعمل على تخلي الأسد عن ترسانته الكيميائية ، كما أنها أشارت في وقت سابق على لا مبالاتها بمن يحكم سوريا ، أي أنها تخطط للحفاظ على مصالحها في مرحلة ما بعد الأسد .
أما بالنسبة للمعارضة السورية فقد ضعف موقفها وأصبح لا حول لها ولاقوة بعد أن تراجع المجتمع الدولي عن توجيه الضربة العسكرية للنظام ، وامتنع عن دعم الجيش الحر بالأسلحة المتطورة . مما سيدفع بالمعارضة أو ربما بالجزء الأكبر منها إلى الجلوس على طاولة الحوار، وقبول شروط التفاوض للوصول إلى جل سلمي يوقف نزيف الدم .
فالحلقة المفقودة في هذه العملية هي إيران ، حيث أن واشنطن مصرة على بذل الجهود الدبلوماسية لضم طهران إلى المفاوضات ، طالما أنها تدعم علنا الدعوة إلى تشكيل حكومة سورية انتقالية . ولكن النظام الإيراني منقسم على نفسه، قالعناصر المتشددة منه لن تتخلى بسهولة عن وكلائها في المنطقة لممارسة نفوذها في القوس الشيعي . ولكن روحاني يتبع مسارا أكثر اعتدالا في السياسة الخارجية ، حيث أنه أبدى استعدادا للتفاوض مع مجموع الخمسة زائد واحد بشأن تقديم تنازلات بشأن برنامجه النووي .
ولعل طهران لديها أسباب وجيهة لتذهب باتجاه هذه النهاية التفاوضية للحرب في سوريا ، وذلك لأنه مهما كانت نتيجة الحرب الأهلية فإنه من الصعب أن نتصور بأن الاسد سوف يكون قادرا على البقاء في السلطة لأمد طويل ، وأن سوريا سوف تعود إلى حالة ما قبل الحرب . وكنتيجة لذلك فإن لإيران مصلحة كبرى في إغلاق ملفها النووي ورفع العقوبات الإقتصادية عن كاهلها , وإن هذه العملية سوف ترجح كفة الميزان لصالح الصفقة المنعقدة للتفاوض على إنهاء اللعبة ، والحد من سفك دماء السوريين وحل أزمتهم المستعصية دوليا.