قضية للنقاش: نحو مؤتمر طائف سوري بدلاً عن جنيف دولي
بقلم : م.رشيد 25.05.2014
تعد سوريا قلب الشرق الأوسط الحبلى بالصرعات والأزمات بحكم موقعها الهام جغرافياًوديمغرافياً،فهي من دول الطوق المقاوم لإسرائيل، والجارة الجنوبية للحلف الأطلسي،وبوابة العبور إلى إيران والشرق الأقصى عبر العراق،ونافذة الشرق المطل على الغرب عبر المتوسط، إضافة إلى غنائها بالثروات الطبيعية،البترولية منها بشكل خاص.
استقرار سوريا سياسياً واقتصادياً لعقود من الزمن كانت تراعي إلى حدٍ ما أجندات كافة الأقطابالدوليةنسبياً وتوافقياًإلى أن جاءت ثورات الربيع العربي، وعكست حقيقة اختلافالإرادات وتناقض المصالح واختلال التوازنات، وذلكلحدوث تغيرات ملموسة وسريعة على الخارطة السياسية إقليمياً ودولياً،والتي استدعت إعادة الحسابات وترتيب الأوضاع من قبل صناع القرار الدوليين،الذينكانوا وراء تعبئة شعوب المنطقة بوسائلها الدعائية والتحريضية لتنتفض ضد أنظمتها تحت عناوين الإصلاح والتغيير والانتقالإلى حياة تسودها الديمقراطية والكرامة والحرية..
تحولت تلك الثورات إلى أزمات إنسانية كارثية تنتج القتل والدمار وتخلف المأساة والمعاناة ..والحالة السورية أكثرها قساوةً وبشاعةً وفداحةً ..ومازالت تلك القوى مستمرة في إدارتها وإدامتها.
لقد جعلت تلك القوى من سوريا مسرحاً لتصارع المصالح والمحاور، وساحةً للمساومات وتصفية الحسابات، فالروس لن يتخلوا عن آخر موضع قدم لهم على المتوسط في ظل استنهاضهم لقواهم واستعادتهم لمكانتهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي،وإعلانهم إنتهاء حقبة القطب الواحد وابتداء مرحلة جديدة من الحرب الباردة لمواجهة الغرب عسكرياً واقتصادياً بكل الوسائل والطرق،فقد أنذروا من سوريا، ونفذوا في أوكرانيا.
كما أن إيران آيات الله لن تقبل بسقوط النظام،التي تعتبره جزءاً أساسياً من مشروعها الاستراتيجي(الهلال الشيعي)، وتركيا العثمانية لن تدعإيران بالسيطرة على حدودها الجنوبية والتي ستحد من امتدادها الحيوينحو الحاضنة السنية العريضةبلاد الشام ومصر والخليج جنوباً، أما إسرائيل فهي لن تسمح لإيران أن تصل إلى حدودها عبر حلفائها كحزب الله اللبناني،ولا لتمتلك أسلحة الدمار الشامل كالنووي أو الكيماوي،فتهدد أمنها ووجودها، وكذلكدول الخليج العربي الرافضةوالمانعةللتمدد الإيراني إلى داخلها وجوارها، والغرب وإسرائيل معاً متفقان تماماً على إنهاك سوريا وإخراجها من جبهة المقاومة، ومنمعادلة الصراع الاقليمي.
مع استمرار الأزمة,تتناحرمكونات الشعب السوري فيما بينهابالنيابة عن القوى الدولية المتصارعة،فكل قوة منها تدعم مكوناً بدافع عرقي أو طائفي أوديني بشكل أو بآخر، وتحت عناوين شتى و شعاراتعدة، وتفتح الأبواب أمام جميع الخيارات لتعقد الأوضاع وتخلط الأوراق،لتخلق ظروفاً خاصة تحصّن مواقعهاعلى الأرض كي تفرض شروطهاوأجنداتهاعلى باقي الأطرافلتحقق المكاسب في مواقع أخرى، هذه من جهة، ومن جهة أخرى إن تعاظم قوة المجاميع الراديكالية المتطرفة وبخاصة المرتبطة بمنظمات القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها، وتوسع نطاق سيطرتها،من شأنهاتهديد الأمن والاستقرار في كل المنطقة، وبالتالي ضرب مصالح جميع الأطراف المعنية والداخلة بالأزمة السورية.
كما أن إطالة أمد الأزمة, تؤكد استحالة الحسم العسكري لصالح أي طرف,بالتالي لابد من حل سياسي بين الأطراف المتصارعة على أساس تبادل المصالح وتوزيع المواقع ..،وتطبيقه على الأرض يتم على الطريقة اللبنانية (بعد التعديل الموافق للحالة السورية) بتقاسم السلطات والثروات وفق نسبة وتركيبة المكوناتالعرقيةوالدينيةوالطائفية وحضورها على الخارطة السورية..،ووضع دستورعصري توافقي يضمن حقوقها ويلبي طموحاتها وتطلعاتها،والدلائل تشير أنهلابد من مؤتمر طائف سوري الهوية كبديل عملي وواقعيلمؤتمر جنيف الدولي، الذي فشل بالرغم من الرعاية الأممية له.
وفي اطار البحث عن مخارج للازمة، يبدو أنعقد مؤتمر وطني تمثيلي لجميع المكونات ضروري للخروج من الأزمة الخانقة والمتفاقمة,يحقق لكل الأطرف المعنية والمنخرطة فيها غاياتها و أهدافها ضمن حدود التراضي و التوافق, والشراكة ضمدولة اتحادية ديمقراطية تعددية علمانية, تتوفر فيها مساحة كافية من الحرية والإدارة الذاتية ضمن المحافظات والمناطق مراعية خصوصياتها القومية والدينية والثقافية والاجتماعية..،والانطلاقة تبدأ بالاعتراف بالأمر الواقع وفشل كافة أشكال الحكم الشمولية والمركزية ذات الطابع القومي أو الديني،والتي كانت محتكرة من قبل طائفة أو قومية معينة..دون باقي المكونات الأساسية والأصيلة للوطن السوري.
إن تفرد أي مكون بالسلطة وتحت أي مبرر سياسي أوغطاء قانوني أو شعار وطني سيلحق الغبن والظلم بباقي المكونات، ستخلق القلاقل والاضطرابات،وستنعدم الأمن والاستقرار،وستستمر الصراعات وستعرقل التنمية والتطور في البلاد, وماالاوضاع الكارثية والوخيمة التي نعيشها الآن إلا نتيجة مباشرة لتلك النماذج التي فرضتها الدول الاستعمارية حفاظاّ على استمرار سياستها وضمان مصالحها.
—————————- انتهت —————————–