كوردستريت || الصحافة
نشرت صحيفة “الراي” الكويتية” مقالا للكاتب ايليا ج. مغناير قال فيه: على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزْمه على ترْك الأكراد السوريين لمصيرهم والإتفاق مع تركيا على دخولها إلى شمال – شرق سورية المحتلّ لإنشاء منطقة عازلة، إلا أن من المستبعد جداً أن تنسحب أميركا من قواعدها العسكرية التي أنشأتْها في سورية والتي تشكّل قاعدةَ إنطلاقٍ مهمّةً لها. بالإضافة إلى ذلك فإن الدعم الدولي الذي يتمتّع به الكرد عموماً (في سورية والعراق) يمنع ترْك هؤلاء في أيدي الجماعات الإسلامية والمعارَضة السورية المسلّحة التابعة لتركيا.
ومما لا شك فيه أن أميركا تفضّل حليفها التركي – الذي يُعتبر جزءاً من حلف الناتو – على ميليشياتٍ سلّحتْها ودرّبتْها ودفعتْ لها المال لتُقاتِل، كما قال ترامب بنفسه. ومما لا شكّ فيه أيضاً أن أميركا كانت وستبقى صريحةً بمواقفها حول أن مصلحتها فوق أي شيء وأنها تملك شركاء يخدمون مصالحها وليس حلفاءها – وهي لم تصرّح يوماً عكس ذلك – إلا أن البنتاغون يرى مصلحةً إستراتيجية ببقاء قواعد أميركية في سورية في الوقت الراهن.
.
وقد تعالت أصوات أكراد سورية الذين عملوا لسنوات كدروعٍ بشرية للقوات الأميركية مهدّدين بالإنسحاب من المواقع التي يحتفظون فيها بنحو 11 عشر ألف “داعشي”. وهذا لن يحصل بالطبع لأن هؤلاء ينتظرون الفرصة للإنقضاض أولاً على الأكراد وثانياً على مصادر الطاقة والمياه الموجودة في الجزء المحتل من سورية (الشمالي – الشرقي). وبالتالي فإن أكراد سورية لن يُطْلقوا رصاصة الرحمة على أنفسهم بل هم يستخدمون مادة إعلامية لتجييش الرأي العام وإعطائه مادة يستخدمونها لثني ترامب عن قراره.
أما المُتَوَقَّع حصوله فهو إنسحاب جزئي أميركي تكتيكي لإرضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإعطائه مناطق تبلغ مساحتها 300 إلى 400 كلم ليحاول إحتلالها.
ولن يتبع أكراد سورية الحلّ المثالي لهم وهو التفاوض مع حكومة دمشق وخفْض سقف مطالبهم بإقامة فيديرالية متكاملة تستغل النفط والغاز وتتحكم بالإدارة الذاتية وتشكّل شبه دولة مستقلّة لهم. فتركيا والعراق وإيران وسورية يرفضون للأكراد دولة إنقسامية لهم لأن هؤلاء لا مانع لديهم من تسخير المناطق التي يسيطرون عليها لأميركا وإسرائيل. وهذا ما فعلوه في كردستان العراق وفي شمال – شرق سورية.
.
وترفض موسكو وطهران إستبدال الإحتلال الأميركي بإحتلال تركي. ومع العلم أن سورية وإيران وروسيا يعتقدون أن الوجود التركي أقلّ خطورة من الوجود الأميركي، إلا أن الحلفاء يرفضون أي إحتلال لأن ذلك من شأنه أخْذ مصادر الطاقة الأساسية لسورية وتقسيمها وسلْخ ثلث الأراضي السورية عنها، حتى ولو قبِل أردوغان بالتخلي عن إدلب وإرجاعها للدولة السورية بإعطاء الضوء الأخضر للقضاء على المجموعات الجهادية هناك.
وقد تَناوَل المُفاوِضون الأتراك مع نظرائهم الروس والإيرانيين إمكان إعطاء تركيا إدلب لإرضاء دمشق، إلا أن الرئيس السوري ومعه حلفاؤه لا يريدون لسورية التقسيم وسيقفون ضد الوجود الأميركي والتركي عندما تهدأ المنطقة قليلاً.
فالملف النووي الإيراني على الطاولة وهو ملف ساخن وله الأولوية. والملف العراقي ساخن جداً وقد برزت قدرات أميركا وحلفائها على إعادة خلط الأوراق وضرب إستقرار الحكومة العراقية تحت عنوان مَطالب مُحِقّة للشعب على خلفية الوضع الإقتصادي المتردي.
ولهذا فإن تركيا تعلم أن روسيا وإيران بإمكانهما تسليح الأكراد إذا إحتلّت أنقرة وحلفاؤها شمال – شرق سورية. وهذا كلام سابِق لأوانه لأن المرحلة المقبلة ستأتي بالتركي وحلفائه إلى جزء بسيط من شمال – شرق سورية مع بقاء الأميركي في المناطق المُتاخِمة لها.
.
ويبقى الأكراد الخاسِر الأكبر. فما حصل في عفرين دلّ على عدم قدرة الأكراد السوريين على الدفاع وحدهم لأن صراع البقاء أكبر من الدفاع عن مناطقهم مثلما دافَعَ الجيش السوري الذي إنسحب إلى مناطق آمنة ليعاود الدفاع وإسترداد الأرض في فرص أفضل. والمشكلة تكمن في عدم وجود أي مكان ينسحب إليه الكرد السوريون إذا لم يتفقوا مع دمشق أولاً. ومن الواضح أن أي إتفاقٍ هو غير قريب لأن أكراد سورية لهم أمل ببقاء أميركا إلى أجَل بعيد. إلا أن إشارات ترامب تعني أن على الأكراد الإلتفات إلى بناء علاقة طيبة مع سورية التي يقبل رئيسُها بعودة الأكراد إلى كنف الدولة فقط إذا تخلى هؤلاء عن حماية القوات الأميركية المحتلة.
لقد قال بريت ماكجورك الممثل الشخصي السابق للرئيس باراك اوباما والرئيس ترامب إلى سورية والعراق إن “الرئيسين (خلال فترة عمله للإدارتين) طوّرا ودرسا بجدية إحتمالات العمل مع القوات المدعومة من تركيا في سورية على الرغم من تواجد قوات القاعدة وعلاقة هؤلاء بالتنظيم الإرهابي”. على الرغم من ذلك فإن عناد الأكراد مشهور ومن الصعب ان يتعلّموا دروس التاريخ، بل يفضّل هؤلاء أن تبقى قضية مطالبهم بإنشاء دولة – حتى ولو كانت مبنية على رمال – قائمة إلى ما لا نهاية.
.
لقد خسر أكراد العراق إمتيازاتهم عندما حاولوا إعلان إستقلالهم عن الحكومة المركزية. وها هم الأكراد السوريون الذين إعتبرهم ترامب مرتزقة “يدفع لهم المال للقتال” يسيرون على خطى إخوانهم العراقيين. ويبدو أن مرض معاداة التاريخ وعدم أخذ العِبر منه هو فيروس لا علاج منه يصيب كل مَن دخل الشرق الأوسط وعلى رأس هؤلاء أميركا.