كوردستريت|| آراء وقضايا
بقلم محمد تشليك/ صحيفة ديلي صباح التركية
إن مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية ليست مهمة سهلة وبسيطة، فهو يتطلب نهجاً متعدد الأبعاد يجب أن يشمل العديد من الأجهزة المختلفة داخل الدولة، بل إن الأمر يتطلب في بعض الأحيان تعاوناً دولياً للتصدي للجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية، ويزداد التعقيد عندما تتحول هذه المجموعات إلى وكلاء لدول ذات سيادة، تعمل ضد بعضها البعض.
لقد عانت تركيا منذ فترة طويلة من الجماعات الإرهابية بالوكالة مثل تنظيم “بي كي كي”، وفرعها السوري ” واي بي جي “، وجماعة غولن الإرهابية (فيتو) و”داعش”، مما جعلها أيضاً دولة ذات خبرة عندما يتعلق الأمر بالقدرة والقدرة على العديد من المستويات، من الاستخبارات إلى المواجهة المباشرة لمعالجة الأنشطة المرتبطة بالإرهاب، بما في ذلك المخدرات والعمليات المالية.
وكانت هذه هي الحال بالفعل في الجهود المستمرة التي تبذلها تركيا لمحاربة “بي كي كي”، الذي كان يستهدف السيادة التركية ومواطنيها على مدى العقد الماضي، علاوة على ذلك، قامت تركيا أيضاً بتعزيز قوتها الدبلوماسية من خلال التعامل مع “بي كي كي” ليس فقط باعتباره تهديداً محلياً، بل أيضاً باعتباره جماعة إرهابية عابرة للحدود الوطنية.
لقد تم تقليص وجود تنظيم “بي كي كي” داخل الحدود التركية، ومع ذلك، فإن تهديد التنيظم ومحاربته لهذا التهديد لا يزال مستمراً، حيث تنشط المجموعة في شمال سوريا وشمال العراق لإنشاء ممر إرهابي على طول الحدود الجنوبية لتركيا، علاوة على ذلك، فإن حلفاء أنقرة الغربيين، وبالتحديد الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، يقدمون الدعم لتنظيم “بي كي كي / واي بي جي” على الرغم من أن معظمهم يصنفون الجماعة كمنظمة إرهابية، هذا ليس نشاطاً سرياً. علاوة على ذلك، تمكن أعضاء التنظيم من إيجاد دعم سياسي للشرعية، وتجنيد أعضاء جدد والقيام بأنشطة للحصول على الدعم المالي داخل حدود حلفاء أنقرة.
ورداً على ذلك، طورت الدولة التركية استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب ليست متعددة الأبعاد فحسب، بل تتضمن أيضاً معالجة الإرهاب من جذوره، سواء داخل الحدود أو خارجها. إن العمليات عبر الحدود في شمال سوريا والعراق منذ عام 2016، إلى جانب العمليات الاستخباراتية الناجحة للغاية ضد الشخصيات القيادية في تنظيم “بي كي كي”، تمثل نتائج ملموسة لهذه الاستراتيجية.
وبطبيعة الحال، يدرك صناع القرار في الدولة التركية جيداً أن المعركة ضد هذا التنظيم ليست مجرد صراع ضد الجماعة وأعضائها. ولو كان الأمر كذلك، لكان القتال ضد “بي كي كي” قد انتهى منذ فترة طويلة، نظراً لقدرات الأجهزة الأمنية والقوة العسكرية للبلاد.
بمعنى آخر، عندما تزود الولايات المتحدة “واي بي جي” بالدعم العسكري تحت ستار القتال ضد “داعش”، بينما تسمح الدول الأوروبية بأنشطة “بي كي كي” داخل حدودها، تصبح الاستراتيجية معقدة.
توتر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة
وفي الواقع، فإن الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس رجب طيب أردوغان، والذي تضمن رسائل إلى أنصار “بي كي كي / واي بي جي” وأشار إلى عمليات جديدة عبر الحدود في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء، الثلاثاء، يرتبط بشكل مباشر بهذه الاستراتيجية المعقدة، وجاءت هذه الرسالة بعد سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن استشهاد جنود أتراك في شهري ديسمبر ويناير .
“بما أن الوعود التي قطعناها لنا لم يتم الوفاء بها، فلا يمكن لأحد أن يعترض على اتخاذ تركيا التدابير اللازمة لأمنها. ولا يمكن لأحد أن يتوقع منا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتم تعزيز الخونة الانفصاليين تحت ذرائع مختلفة. في الأشهر المقبلة سنتخذ بالتأكيد خطوات جديدة في هذا الاتجاه، بغض النظر عمن يقول ماذا”.
كانت هذه الرسالة مباشرة إلى نظرائهم الأمريكيين، حيث أن واشنطن لا توفر فقط المعدات العسكرية واللوجستية لإرهابيي “واي بي جي” في شمال سوريا، بل توفر أيضاً تدريباً تكتيكياً لأعضاء التنظيم، الذين يعملون بعد ذلك، بطريقة أو بأخرى، ضد تركيا بشكل مباشر، إما من خلال هجمات من شمال سوريا أو عبر شمال العراق.
وقال أردوغان: “بينما قضت تركيا على زعماء العصابات الإرهابية في الأماكن التي يشعرون فيها بالأمان، تكثفت المحاولات الرامية إلى عرقلة بلدنا. وقد اكتسبت محاولات دعم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي من خلال تزويدها بالأسلحة والذخيرة والتدريب والحماية زخماً، ونحن نعرف ذلك جيدا”، مضيفاً: “إن هذه المحاولات، التي باءت بالفشل نتيجة للعمليات التركية عبر الحدود في سوريا والعراق، لا تزال مستمرة”.
ووجه أردوغان هذه الرسالة بشكل مباشر إلى واشنطن أيضاً، وفي الوقت الذي تمر فيه المنطقة ببعض التوترات التاريخية وخطر نشوب صراع على مستوى المنطقة على الأبواب، تخبر أنقرة واشنطن أن محاولات استغلال فراغ السلطة في العراق وسوريا واستفزاز تركيا لن تترك دون رد.
علاوة على ذلك، يشير الرئيس التركي إلى أنه في حين أن العمليات الجارية ستستمر في شمال العراق، فإن العمليات الجديدة ستشمل أيضاً المناطق التي يحتلها تنظيم “بي كي كي / واي بي جي” في شمال سوريا.
وأضاف أردوغان: “ستستمر عملياتنا في هذه المنطقة حتى نؤمن كل شبر من جبال شمال العراق، التي تعتبر مصدراً للأعمال الإرهابية التي ألحقت الأذى بمواطنينا منذ ما يقرب من 40 عاماً. وبالمثل، لن نتوقف حتى ندمر كل هذه الجبال.. أوكار الإرهابيين أقيمت بنوايا خبيثة في سوريا، من تل رفعت إلى عين العرب، ومن الحسكة إلى منبج”.
في جوهر الأمر، يخبر أردوغان واشنطن أن أنقرة عازمة على إزالة جميع التهديدات ضد سيادتها، أينما كانت، وأن هذا الموقف الحازم لن يتغير بغض النظر عمن يدعمها، وبالنسبة لأنقرة هذه مسألة وجودية تتعلق بسيادتها ولا يحركها التوسع الإقليمي أو السعي إلى النفوذ السياسي.
وفي الفترة التي ربما يكون فيها الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة متورطة في كل صراع أو توتر يسبب عدم الاستقرار في المنطقة في ذروته، فمن الأهمية بمكان بالنسبة لواشنطن أن تقرأ بعناية الرسائل الواردة من أنقرة، ويجب على صناع القرار تحليل موقف أنقرة بعناية، مع التركيز على استراتيجية طويلة المدى من شأنها أن تخدم العلاقات الثنائية بين الحليفين في الناتو والاستقرار الإقليمي.
علاوة على ذلك، فإن تفسير العلاقات بين واشنطن وأنقرة من خلال الديناميكيات الدولية أمر ضروري، خاصة عندما يكون صراع القوى العظمى هشاً للغاية ويمر بتحولات كبيرة.
وقال أردوغان: “بما أن الوعود التي قطعناها لنا لم يتم الوفاء بها، فلا يمكن لأحد أن يعترض على اتخاذ تركيا الإجراءات اللازمة لأمنها، ولا يمكن لأحد أن يتوقع منا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتم دعم الخونة الانفصاليين تحت ذرائع مختلفة، الوعود الأمريكية التي قطعتها ولم تنفذها فيما يتعلق بشمال سوريا”.
إن الدعم الأمريكي لتنظيم “بي كي كي / واي بي جي” أضر بشدة بالعلاقات بين أنقرة وواشنطن، بالإضافة إلى بعض الملفات الأخرى، بما في ذلك الدعم الأمريكي الثابت للفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وإن القرار المرتقب بشأن مسألة طائرات “F-16″ وتأثيراته على تصويت البرلمان التركي على انضمام السويد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي يشكل اختبارات حاسمة للمسار المستقبلي لهذه العلاقات.