كوردستريت|| آراء وقضايا
بقلم زانا إبراهيم
خطاب الكراهية الذي يوجهه بعض أطراف المعارضة السورية ضد الكُرد، خاصة في سياق الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط النظام، يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل البلاد ووحدتها الوطنية. منذ اندلاع الثورة السورية، كان من المفترض أن يكون هدف المعارضة بناء دولة ديمقراطية قائمة على المساواة والعدالة، لكن بدلاً من ذلك، شهدت العديد من مكونات المعارضة انزلاقًا نحو تبني خطابات قومية متشددة تحمل طابعًا عدائيًا تجاه الكُرد. هذه الخطابات لا تقتصر على الماضي فحسب، بل تعكس مخاوف حقيقية لما قد يحدث إذا تمكنت المعارضة من الاستحواذ على السلطة دون معالجة القضايا العالقة المتعلقة بحقوق الكُرد ومطالبهم المشروعة
منذ السنوات الأولى للثورة، تعرض الكورد لسلسلة من الاتهامات الممنهجة من بعض أطراف المعارضة، التي صورتهم كـ”انفصاليين” أو أدوات لقوى خارجية تسعى لتقسيم سوريا. استُخدمت هذه الرواية لتبرير التمييز ضد الكورد وشيطنتهم في الخطاب الإعلامي والسياسي، حتى أصبح من المألوف سماع تصريحات ودعوات تحريضية مباشرة إلى استهداف الكورد سياسياً واجتماعياً ووصل الحال بالبعض بالدعوة لقتل الكورد بعيداً عن الكاميرات. ومع اشتداد الصراع المسلح، تحولت هذه الاتهامات إلى ممارسات على الأرض، شملت انتهاكات جسيمة بحق السكان الكورد في بعض المناطق التي سيطرت عليها فصائل المعارضة المسلحة، مثل التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لا سيما في مناطق مثل عفرين وتل رفعت وسري كانية.
هذا الخطاب لم يتوقف عند حدود الحرب، بل أصبح أكثر وضوحًا عند الحديث عن سيناريوهات ما بعد سقوط النظام السوري. بعض أطراف المعارضة يروجون لفكرة أن الكورد ليس لهم مكانة في سوريا المستقبل وانهم لاجئين من تركيا أو ايران، وأن مطالبهم بالاعتراف الثقافي والسياسي تعتبر “تهديدًا للوحدة الوطنية”. هذه الرؤية لا تعكس فقط قصورًا في فهم حقيقة التنوع السوري، بل تؤكد أن هناك أزمة عميقة في التعامل مع مكونات البلاد على أساس المواطنة المتساوية.
تركيز بعض المعارضة على استهداف الكورد في خطابهم يعكس ازدواجية واضحة، حيث يطالبون بالديمقراطية وحقوق الإنسان لأنفسهم، بينما ينكرون هذه الحقوق على الكورد. هذا الخطاب لا يضر الكورد وحدهم، بل يهدد كل جهود بناء سوريا ديمقراطية، لأن إقصاء أي مكون رئيسي من المعادلة الوطنية يعني بالضرورة إعادة إنتاج نفس الديناميكيات التي قادت إلى انهيار الدولة السورية تحت حكم النظام الحالي.
خطاب الكراهية هذا له مخاطر متعددة. أولاً، يعمق الانقسامات بين العرب والكورد، ويدفع الكورد إلى الشعور بأنهم غير مرحب بهم في سوريا المستقبل. ثانيًا، يمنع بناء الثقة بين المكونات السورية المختلفة، مما يعقد أي محاولات مستقبلية لتحقيق المصالحة الوطنية. ثالثًا، يغذي الخطاب القومي المتشدد الذي يجعل من المستحيل تحقيق دولة مدنية ديمقراطية تقوم على أساس التنوع واحترام الحقوق.
إن استمرار هذا النوع من الخطاب التحريضي يعني أن سوريا قد تنتقل من نظام مركزي استبدادي إلى آخر لا يختلف عنه كثيرًا في بنيته الإقصائية. لذلك، من الضروري أن تدرك قوى المعارضة السورية أن خطاب الكراهية والتحريض لن يخدم إلا أعداء سوريا الموحدة. يجب أن تتبنى المعارضة خطابًا وطنيًا جامعًا يعترف بحقوق الكورد كمكون أصيل وشريك في بناء مستقبل البلاد. هذه الشراكة ليست مجرد خيار سياسي، بل ضرورة أخلاقية ووطنية لضمان أن تكون سوريا المستقبل دولة لجميع مواطنيها دون تمييز أو تهميش.
في النهاية، إن محاربة خطاب الكراهية الذي يستهدف الكورد ليست مسؤولية الكورد وحدهم، بل هي مسؤولية تقع على عاتق كل من يؤمن بسوريا ديمقراطية ومتماسكة. مستقبل البلاد يتطلب من المعارضة أن تتخلى عن روايات الإقصاء، وأن تعمل على بناء جسور الثقة بين كل مكونات المجتمع السوري، لأن أي محاولة لتجاهل حقوق الكورد أو استهدافهم لن تؤدي إلا إلى تعميق الجراح وإعادة إنتاج الصراعات التي عانت منها البلاد لعقود طويلة.