
الدكتور كاميران حاج عبدو
.
انتهت “مفاوضات” جنيف ٨ أيضاً من دون أن تأتي بأي جديدٍ سوى ما شاهدناه من تغيير لممثلي المعارضة في “هيئة المفاوضات” دونما تغييرٍ في المواقف لتنسجم مع الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بالأزمة السورية.
فالنظام الذي عمل منذ البداية جاهداً على عرقلة تنفيذ جميع المقررات الدولية المتعلقة بالأزمة السورية التي دَمَّرَت سوريا وطناً وشعباً ومجتمعاً يجد نفسه الآن أقوى من أن يذعن لتلك القرارات، أو لأية شروط أخرى تعودت بعض أطياف المعارضة السورية على اجترارها منذ سنوات، متناسية خسارتها ليس للأراضي المحررة فحسب بل لمجموعة “أصدقاء الشعب السوري” التي تحولت العديد منها إلى أصدقاء لـ “بقاء الأسد حتى إشعار آخر”. وذلك نتيجة لأخطاء قاتلة ارتكبتها بعض فصائل المعارضة بارتهانها للمصالح الإقليمية وإفساحها المجال للجماعات السلفية وأذرع تنظيم القاعدة للاستيلاء على ثورة السوريين وتحويرها عن مسارها التحرري السوري العام وغير الطائفي. بل وساندتها ولاتزال في إدلب وغيرها من المدن السورية، ورفعت الشعارات الطائفية، وأنكرت تعددية سوريا القومية والدينية…
وبالرغم من أن مؤتمر رياض٢ (نوڤمبر ٢٠١٧) قد عُقِدَ من أجل “إعادة التوليف” لرؤية المعارضة وتوحيدها على برنامج سياسي ينسجم والمتغيرات هذه، إلا أن البيان الختامي للمؤتمر بقي متمسكاً ولو “على خجل” وعلى تناقض مع فقرات أخرى من نفس البيان بمسألة رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية. حيث شدد على “مغادرة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وزمرته، مع بدء المرحلة الانتقالية”. لأن من وجهة نظر أغلب المجتمعين “لن تحدث العملية الانتقالية دون مغادرة بشار الأسد وزمرته عند بدئها”. وهذا يتناقض ليس مع دواعي وأسباب انعقاد المؤتمر فحسب، بل ومع البيان الختامي نفسه، الذي أكد أيضاً على أن “المفاوضات المباشرة غير المشروطة تعني طرح ونقاش كافة المواضيع، ولا يحقُّ لأحد وضع شروط مسبقة”.
بالرغم من مشروعية وأحقية إسقاط نظام الاستبداد، إلا أن اشتراط المفاوضات بـ “رحيل الأسد وزمرته” يُفيد الأسد ونظامه الذي لا يؤمن أصلاً لا بالحوار ولا بالمفاوضات، وأعطاهم فرصة ذهبية لرفض المفاوضات المباشرة وبالتالي الهروب من استحقاقاته، ناهيك عن أنه ساهم (أي الشرط هذا) مع رغبة النظام ومحاولاته في إفشال جنيف ٨ أيضاً. تجربة الأعوام السبعة الماضية أوضحت بأن نظام الاستبداد سيسقط بالمفاوضات وليس بغيره من الأساليب، كما أنها أثبتت فشل الخيار العسكري والارتهان للدول الإقليمية. لذلك من الأهمية بمكان أن لا نمنح للنظام فرصة للهروب من المفاوضات واستحقاقاتها.
كمدافعين عن الشعب السوري وحقوقه وكرامته علينا بذل كلّ الجهود لتمهيد الطريق أمام أية مفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة للوصول إلى وقف نزيف الدم السوري أولاً وأخراً، والإتيان بمرحلة انتقالية على ضوء مقررات الأمم المتحدة (وخاصة القرار ٢٢٥٤) تُحَضِّرْ لدستورٍ جديد وانتخابات نزيهة تفضي بالنهاية إلى بناء سوريا خالية من الإرهاب والاستبداد أي كان مصدرهما؛ سوريا تؤمن للجميع الحرية والمساواة. فكلُّ من تعزُّ علية كرامة السوريين وحريتهم مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى عدم إعطاء أي فرصة للنظام لإفشال مسار جنيف كونه يستند إلى شرعية أممية.
في ظل استمرار الأوضاع والمواقف السياسية المتعلقة بالأزمة السورية على ما هي عليه الآن، ستبقى مفاوضات جنيف تراوح مكانها، ولن تأتي بأي جديد، اللهم تغيُّر الوجوه والفصول، وإطالة أمد مأساة السوريين. من هذا المنطلق لا بد وأن نؤمن بالحوار والحل السياسي والمفاوضات الغير مشروطة إلا بشرط الدفاع عن الشعب السوري بكافة مكوناته قبل أي اعتبار آخر، وصولاً إلى محددات دستورية ومرحلة انتقالية تؤدي إلى تحقيق السلام وعودة النازحين والمهجرين، وتمهّد الطريق أمام بناء دولة ديمقراطية علمانية تؤمن الحرية والمساواة لجميع أبنائها ومكوناتها، وتسعى لإنتاج هوية وطنية سورية جامعة، بعيداً عن زمن العسف والحرمان والاضطهاد.
*افتتاحية العدد ٢٦٧ (كانون الأول ٢٠١٧) من جريدة الوحدة التي يصدرها حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني