بقلم هيثم مناع /
تسلمت عدة رسائل من أصدقاء هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي تعرب عن مفاجأتها لمقاطعة الهيئة مؤتمر جنيف بالترتيبات والصيغة والشروط التي تم بها. خاصة وأننا كنا المحامين الأشاوس عن هذا المؤتمر واتهمنا بعد موقفنا المدافع عنه بكل الموبقات حتى من أشخاص اعتلوا منصة وفد الائتلاف باسم المعارضة السورية في مونترو.
لقد كتبت في ملاحظاتي الأولى عن جنيف 1 في العاشر من تموز 2012: “لقد تم تنظيم المؤتمر بدون السوريين وكأنه اجتماع لمجلس الأمن، ولكن هذه النقطة السلبية تداركها إعلان جنيف بالتأكيد عدة مرات على القول “الشعب السوري هو من يقرر مصير البلد، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته من المشاركة في عملية الحوار الوطني. ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضا أن تكون مجدية- أي من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية.”. من هنا نقول بأن حضور وفد للمعارضة الديمقراطية وازن وتمثيلي وقوي شرط واجب الوجوب لإنجاح المؤتمر الدولي حول سورية المزمع عقده وفق إعلان جنيف. وأضفت يومها: “أما على الصعيد الإقليمي فقد غابت مصر والسعودية وإيران، وإن كان دور إيران والسعودية في القضية السورية معروف، فسورية هي الجبهة الشمالية لمصركما يكرر كل من قابلناه من المسئولين المصريين”. وقد تطرقت وقتئذ إلى نقاط ضعف إعلان جنيف وضرورة اكتمالها في عملية الإعداد والتنظيم للمؤتمر.
لقد شاركنا بشكل فاعل من أجل إنجاح مؤتمر جنيف. وعقدنا مؤتمر “من أجل سورية ديمقراطية ودولة مدنية” في جنيف في 30-31/1/2013 للتأكيد على ضرورة الحل السياسي وفق إعلان جنيف. وأعددنا مشروعا لتدريب الكوادر السياسية السورية على التفاوض قدمناه للخارجية السويسرية في نهاية فبراير 2013. ولحسن الحظ تم تبنيه بعد ذلك من الأمم المتحدة وكاد ينحسر بتدريب الائتلاف بدعوى أن فريق الأمم المتحدة تلقى طلبا من الائتلاف للتدريب. وكدت أطلق فضيحة للإعلام لو لم يتم تصليح الأمر بدورة تدريبية لهيئة التنسيق والهيئة الكردية العليا. ثم في اللحظة الأخيرة وضع فيتو على اسم الهيئة الكردية العليا، فقلنا للأستاذ الإبراهيمي: “نريد عنب ولا نريد قتل الناطور” يحدث التدريب باسم هيئة التنسيق الوطنية بحضور النسبة نفسها لوفد الهيئة الكردية العليا. وهكذا حدث، وتدرب الائتلاف في اسطنبول وهيئة التنسيق في مونترو. وبادرنا بمشروع “صوت واحد، برنامج واحد ووفد واحد”. وعندما التقينا السيد أحمد الجربا في 9-10/12/2013 عرضنا عليه موقف هيئة التنسيق واقتراحها باجتماع تحضيري في القاهرة وافق على الفكرة. لكن يبدو أن نتائج التفويض الأمريكي بموضوع وفد المعارضة قد حسمت. وتم الاتفاق على مخالفة الفقرة العاشرة من “إعلان جنيف” التي تحث المعارضة على تشكيل وفد وازن ومقنع″ وأقرت الاملاءات السعودية- الأمريكية من أجل وفد حصري من الائتلاف “تحت السيطرة” كما قيل بالحرف في اجتماعات باريس قبل موافقة الائتلاف الرسمية على الحضور.
يومها اتصل بي الصديق ناصر الغزالي وقال لي الموقف المأثور للثائرين على الانتداب الفرنسي:
ـ الملك فيصل الأول ملك سوريا: “أنا أقول لك يا شهبندر: أنا ابن رسول الله وسأوافق على شروط الجنرال غورو والقيادة الفرنسية”.
ـ الدكتور عبدالرحمن الشهبندر وزير الخارجية: “وأنا أقول لك: أنا ابن هذا البلد.. ولن أوافق على تسليمها لا لغورو ولا لغيره”.
فقلت له: لا يوجد قوة في العالم تستطيع أن تفرض شيئا على هيئة التنسيق الوطنية.
لا شك بأن توافقات روسية- أمريكية قد مهدت لانحراف قطار جنيف 2 عن سكته الأساسية. ولا شك أيضا بأن تكليف السيد روبرت فورد (الملكف بالملف السوري في الخارجية الأمريكية) كان كارثة بحد ذاته. فنحن أما محافظ جديد شارك مع نغروبونتي في مساعدة الكونترا في نيكاراغوا وله سجل فاشل في العراق وقد رفضت مصر تعيينه سفيرا في القاهرة. وقد كانت علاقاته دائما بالمحافظين والإسلاميين وأشباه الليبراليين القابلين بدور “القاصر”. ويعتبر التقدميين والديمقراطيين مقربين من السلطة السورية كذلك يعتبر وحدات حماية الشعب جماعة تكونت بمساعدة وإشراف النظام السوري. ولا يمكن مع شخص كهذه بصلاحيات واسعة أن يتم تشكيل وفد وطني ديمقراطي مدني صلب يملك قراره وصوته المستقل. فإن أضفنا لذلك هيمنة بندر بن سلطان على كتلة هامة في الائتلاف. لا يمكن عقد أمل على هكذا توليفة.
حذرنا الطرف الروسي والمبعوث الدولي مرارا من مخاطر مخالفة “إعلان جنيف” بتعزيز دور غير السوريين على دور السوريين في رسم جغرافية مستقبلهم. ولكن يبدو أن الصفقة كانت قد تمت. فأعلمت السيد بوغدانوف بأنني شخصيا لن أحضر مؤتمر جنيف بهذه الصيغة وأظن أن هيئة التنسيق الوطنية والديمقراطيين الكورد والعرب يقفون نفس الموقف. وبالفعل كان هناك موقفا صلبا وواضحا من الجميع ورفضت جميع الأطراف الحضور تحت عباءة الائتلاف والشروط الأمريكية.
لقد جرى الصمت عن عملية حرف مؤتمر جنيف 2 عن مساره أولا بعدم احترام ما أسماه الإبراهيمي “إجراءات بناء الثقة”. الأمر الذي يعني تهيئة أجواء شعبية حاضنة للمؤتمر مثل رفع الحصار عن كل المناطق المحاصرة سواء من السلطة السورية أو مجموعات مسلحة أو الطرف التركي. والإفراج عن المعتقلين النساء والأطفال والمرضى في السجون والإفراج عن المخطوفات والمخطوفين من المدنيين وإيصال المساعدات الغذائية والطبية لكل المناطق السورية. ثم كانت مأساة تشكيل وفد المعارضة خاصة وأن 55 بالمائة من أعضاء الائتلاف كانوا ضد المشاركة في المؤتمر، واختزل تمثيل المعارضة السورية بأقل من نصف هذا الهيكل الذي فقد بالأساس ومنذ زمن أي تأييد شعبي يذكر داخل البلاد.
لذا أقول لكل من يسألنا عن موقفنا اليوم: لا يمكن لقطار يخرج عن السكة الحديدية أن يتابع الطريق. ولا يمكن قبل العودة إلى روح إعلان جنيف التي تؤكد على دور السوريين في قياد وتقرير مصيرهم أن ننضم لهذه العملية. وكون تداعيات ما يحدث لن تكون إيجابية على الشعب السوري وطموحاته فقد تداعينا مع عدد كبير من القوى والأصوات الوطنية الديمقراطية لعقد مؤتمر جامع يعيد لأحرار سورية حقهم الطبيعي في استقلال قرارهم السياسي والوقوف معا لبناء خطة طريق تعيد للحل السياسي دوره باعتباره الطريق الوحيد لوضع حد للنكبة التي تعيشها البلاد.
إن عقد مؤتمر وطني ديمقراطي لأحرار سورية مطلب حيوي بل وجودي لصوت قوي وفاعل للسوريين في وجه لعبة الأمم.