عبد الباري عطوان
اذا كان الشيخ اسامة بن لادن نجح في جر الامريكان وحلفائهم الى مصيدتي افغانستان والعراق، فان “الخليفة” ابو بكر البغدادي القرشي زعيم
“الدولة الاسلامية” على وشك ان يعيدهم الى مصيدة اكبر وهي العراق وسورية، بالنظر الى حالة “السعار” التي تسود العواصم الغربية بعد ذبح الصحافي الامريكي ستيف فولي امام الكاميرات من قبل مواطن بريطاني ملثم يدعى “جون” ويتحدث بلكنة ابناء الحواري العمالية الفقيرة في شرق لندن، حسب فتاوى خبراء اللهجات.
تنظيم “الدولة الاسلامية” ذبح الآلاف من المسلمين، بما في ذلك عناصر في جبهة “النصرة” الاقرب اليه فكريا وسياسيا، وولدت من رحم “القاعدة” نفسه، مثلما ذبح الآلاف من جنود النظام السوري وغرز رؤوسهم على قضبان حديدية دون رحمة او شفقة، حتى ان أحد مقاتلية من حملة الجنسية الاسترالية اعطى طفله الذي اصطحبه
معه للقتال في سورية، احد الرؤوس المذبوحة لكي “يلعب” بعا ويتصور وهو حاملها بفخر واعتزاز، ولكن بمجرد ذبح الصحافي فولي، وهو بالمناسبة لم يذبح لانه صحافي، وانما لانه امريكي، بدأ الرئيس باراك اوباما يقرع طبول الحرب، ويصف هذه الدولة بأنها “السرطان” الذي يجب استئصاله، اما وزير خارجيته جون كيري، الذي لم نسمع منه منذ مدة، فطالب بسحقه وتدميره، اما الجنرال شاك هاغل وزير الدفاع فوصفه، اي “تنظيم الدولة”، بأنه “اخطر مجموعة ارهابية واجهتها الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة”.
***
قياديو “الدولة الاسلامية” و”العقول الاستراتيجية” التي تنظر لفكرها واهدافها، سيشعرون بسعادة غامرة من حالة الذعر هذه السائدة في الغرب، لانها تؤكد نجاح مخططاتهم واهدافهم، فاظهارهم بمظهر المتوحشين سفاكي الدماء، وهم كذلك، يسعدهم ويشفي غليلهم، لانهم يريدون نشر هذه الصورة الدموية لارهاب اعدائهم، على طريقة المغول وجنكيز خان والعباس مؤسس الدولة العباسية وخليفته ابو جعفر المنصور.
عبارة “حتمية القضاء على هذا التنظيم الارهابي” تتردد على السنة جميع المسؤولين الغربيين هذه الايام، حتى ان مالكوم ريفكيند وزير الدفاع والخارجية البريطاني الاسبق ورئيس لجنة الامن المخابرات في البرلمان البريطاني، لم يتردد في الدعوة للتعاون والتنسيق مع النظام السوري الذي كان من اشد المطالبين بالتدخل العسكري لاسقاطه في البرلمان، حتى الى ما قبل عام فقط، متبعا “القاعدة الفقية” التي يرددها بعض وعاظ السلاطين عندنا، وتقول “احيانا يحتاج الامر الى التعاون مع اشرار للتخلص من هم اكثر منهم شرا”، مثلما قال في حديث لصحيفة “الفايننشال تايمز″.. نشرته في عددها الصادر الجمعة.
السؤال الذي يتردد بقوة هذه الايام على السنة الكثيرين من رجال الصحافة والخبراء الاستراتيجيين وهو: هل يمكن القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” بتوجيه ضربات جوية الى قواعدها داخل الاراضي العراقية فقط، اما داخل الاراضي السورية ايضا حيث اقامت دولة في الرقة ودير الزور رفعت عليها اعلامها وفرضت ضرائبها وطبقت الشريعة الاسلامية، قبل ان تضم الموصل والانبار ومحافظة صلاد الدين اليها؟، وهل يمكن الاكتفاء بهذه الضربات دون قوات ارضية؟
المسؤولون الامريكيون مرتبكون، وينعكس هذا الارتباك في اجاباتهم الممغمغة، ولكن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية اعترف الخميس بأنه لا يمكن هزيمة هذا التنظيم بضرب تجمعاته في الجانب العراقي فقط في تلميح واضح الى احتمال توجيه الطائرات الامريكية لقصف الرقة ودير الزور ومناطق سيطر عليها في شمال سورية، ولم يستبعد التدخل الارضي ايضا.
نسأل مرة اخرى، واعذرونا عن كثرة الاسئلة، عما سيكون عليه رد النظامين في سورية وايران ازاء هذا التدخل العسكري الامريكي الذي ما زال يتخذ حتى الآن صورة الضربات الجوية، ونقول هل ما زال مرفوضا ومكروها؟ ثم الا تخشى الدولتان ان يتوجه هذا التدخل لضرب قواعد واهداف حيوية لهما، اي في دمشق وطهران مثلا بعد الانتهاء من تنظيم “الدولة الاسلامية”، اذا تم القضاء عليه فعلا؟
سؤالنا الاخير، وهو الاخير فعلا، لماذا توجد “الدولة الاسلامية” في سورية ومن هو المسؤول عن ذلك؟ ألم تذهب الى هناك في اطار مباركة امريكية سعودية قطرية فرنسية بريطانية وغربية من اجل التعجيل باطاحة النظام السوري بأسرع وقت ممكن؟ واذا انكر هؤلاء انهم ارسلوها، الم يهيئوا لها الظروف والبيئة الحاضنة، بصورة مباشرة او غير مباشرة، سواء بدعمهم لنظام طائفي اقصائي ديكتاتوري في بغداد، او بارسال مليارات الدولارات واطنان الاسلحة لدعم المعارضة المسلحة في سورية، تسرب الكثير منها الى هذا التنظيم الارهابي؟
ندرك جيدا ان طرح هذه الاسئلة وغيرها يزعج الكثيرين، خاصة في صفوف قادة ومسؤولين عرب، لا يريدوننا، وغيرنا، ان نسمي الاشياء باسمائها، ونعود الى الجذور دون ان نكتفي بالامور السطحية، ولكن لا بد من قول الحقيقة كاملة، فالدولة الاسلامية او “داعش” مثلما يطلق عليها كارهوها وهم الاغلبية، هي نتاج سياسات خاطئة متهورة وانتقامية ثأرية قصيرة النظر، ستدفع المنطقة وشعوبها ثمنها من دمائها ووحدتها الوطنية والترابية.
***
القضاء على هذا التنظيم الذي يملك استراتيجية وفكرا واضحا، اختلفنا معهما او اتفقنا، سيحتاج الى وقت طويل، ربما عقود، لانه مستقل تماما في تسليحه وتمويله، ويملك جيشا عقائديا مدربا تدريبا جيدا يفوق تعداده السبعين الف مقاتل، ويسيطر على نصف العراق، وثلث سورية، وتحت حكمه سبعة ملايين انسان، والرقم والمساحة في تزايد.
في غمرة تسونامي الهجوم على هذا التنظيم في معظم اجهزة الاعلام العربي والتواصل الاجتماعي، لا بد من القاء نظرة تقويمية علمية موضوعية عليه، ومعرفة نقاط قوته وضعفه اذا كانت هناك محاولة جدية للقضاء عليه، وهي محاولة لن تكون سهلة في نظرنا، لان هذا التنظيم موجود في العراق منذ 13 عاما، وقبلها في افغانستان قبل عشرة اعوام، الم يقم ابو مصعب الزرقاوي واضع البذرة الاولى له في بلاد الرافدين بذبح رهائن امريكيين وبريطانيين بالسواطير نفسها والبدلة البرتقالية نفسها؟
امريكا وحلفاؤها العرب والايرانيون والغربيون امام مأزق خطير جدا ومن صنع ايديهم، تتواضع امامه كل المآزق الاخرى، بما في ذلك اخطار تنظيم “القاعدة” الأم.
واذا كانت الدول الاقليمية مثل ايران والسعودية ستتدخل خوفا على انظمتها ووحدة اراضيها ومواطنيها من هذا التسونامي، فان امريكا تخشى على ست شركات نفطية امريكية، ومصالحها واكثر من خمسة آلاف من مواطنيها في سفاراتها في “اربيل” عاصمة الحليف الكردي. كثرة عدد الدول في التحالف الجديد ليس ضمانة للانتصار، وعلينا ان نتذكر ان تحالف غزو العراق واحتلاله، اس البلاء في المنطقة ضم 36 دولة.
المستقبل لا يبشر الا بالمزيد من سفك الدماء العربية والاسلامية على يد الدولة الاسلامية او من يريدون سحقها، نقولها وفي الحلق غصة.