ترى ماذا سيسجل التاريخ الأمريكي لساكن البيت الأبيض السيد ( باراك أوباما ) من إنجازات على صعيد السياسة الخارجية تحديدا ؟
حين يقلّب الرئيس الأمريكي في الملفات السياسية الساخنة لديه , سيجد أمامه أربعة ملفات ثقيلة وهي : الملف النووي الإيراني , والملف السوري , والملف الفلسطيني الاسرائيلي , وملف الحرب على الإرهاب , وسوف يدرك أنه لم ينجز أي إنجاز يحسب له – خلال عهدتين رئاسيتين – في أيّ من الملفات المذكورة , بل إنه سوف يصاب بالصدمة حين ترفع له التقارير تباعا والتي تفيد بأن جميع هذه الملفات متدهورة , ولا تصب في مصلحته .
فالملف النووي الإيراني لايزال يراوح مكانه , حيث يبدو السلوك الإيراني في خطّ , والخطاب الإيراني في خط آخر , وفي الوقت الذي كان ينتظر من العقوبات الأمريكية أن تؤتي نتائج أفضل نجد أن إيران تزداد قوة – أو تتظاهر بالقوة – وتحقق مكاسب على حساب النفوذ الأمريكي , والملف السوري ليس أحسن جالا من الايراني , فحلفاء أمريكا في سورية يخسرون , والخطط الأمريكية تنتهي بالفشل , وعلى صعيد الملف الفلسطيني الاسرائيلي نجد الرئيس أوباما يخسر حلفاءه الاسرائيليين إضافة إلى خسارته التقليدية للفلسطينيين , وتحدث في عهده حرب بين تل أبيب وغزة لا سابقة لها , في حين أن ملف المفاوضات لا يشهد أي تقدم أو حلحلة , أما ملف الإرهاب – وهو الأكثر سخونة – فإننا نجد أن أوباما – الذي افتخر بضرب تنظيم القاعدة ضربة موجعة توّجت بقتل زعيمها ( أسامة بن لادن ) – يتفاجأ بتعاظم قوة التنظيم أضعاف ما كانت عليه , مفرزا تنظيما أشد إرهابا منه وهو تنظيم الدولة المسمى ( داعش ) .
لكن أوباما يسابق الزمن للهروب من لقب ( أسوأ رئيس أمريكي ) ويختطف اللقب الذي سجّل باسم سابقه الرئيس ( جورج w بوش ) , ويجتهد في إنجاز واحد من الملفات الأربع على الأقل , ولقد توهّم الرجل أن أسهل هذه الملفات هو الملف النووي الإيراني , توهّم ذلك بعد أن رأى رئيسا جديدا لإيران يهرول باتجاهه وهو الرئيس ( حسن روحاني ) , الذي شعر – في لحظة من اللحظات – أن إيران سوف تخسر كل مكتسباتها في المنطقة إن بقيت تعاند السيد الأمريكي , سوف تخسر حليفها المدلل ( بشار الأسد ) وتخسر برنامجها النووي الذي صرفت لأجله مليارات الدولارات وتسبّب بعزلتها الدولية , وسوف تخسر قوة ( حزب الله ) اللبناني , فعمل الرجل المعمم على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشرف القومي لامبراطورية فارس , وأوحى إلى الطرف الأمريكي بأنه مقبل على تقديم تنازلات مؤلمة ليكسب رفع العقوبات عن بلاده , ويحل عقدة العلاقات ( الأمريإيرانية ) , وينهي حقبة طويلة من الصراع .
نعم , ظن الرئيس الأمريكي أنه يتعامل مع الملف الأسهل وأن الطريق إلى توقيع اتفاق نهائي مع إيران سهلة وهنية , لكن الواقع يقول غير ذلك , صحيح أن هناك تقدما تم إحرازه في التفاصيل التقنية إلا أن طبيعة البرنامج النووي الايراني هي محل خلاف عميق , ففيما ترى واشنطن أن تتيح لايران حق الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بشكل مقيد للغاية ومحدود , ترى ايران ضرورة الاحتفاظ بحقها في إنتاج وقود نووي بكميات تصلح لإسناد متطلباتها الصناعية , وبالتوازي مع ذلك يستمر ركام هائل من التفاصيل التقنية دون حل , مثل : عدد أجهزة الطرد المركزي المسموح باستمرارها في ايران بعد إنجاز الاتفاق , ودرجة تخصيب اليورانيوم المتفق عليها , وكمية الوقود النووي المسموح لايران بحيازتها على أراضيها , ووضعية مفاعل المياه الثقيلة ( آراك ) وطبيعة منشأة ( فردو) المحصنة , ونشاطات منشأة ( بارشين ) العسكرية , وغيرها من القضايا الشائكة , إضافة إلى كل هذه التعقيدات فلا يمكن تصور إيران وهي تبرم اتفاقا نهائيا مع أمريكا في ظل استمرار العقوبات المفروضة عليها , وفي المقابل يصعب على إدارة أوباما أن ترفع العقوبات في المدى المنظور بسبب عرقلة ( الكونغرس ) لاسيما بعد انتخابات التجديد النصفي الأخيرة التي فرضت هيمنة للجمهوريين على الكونغرس .
وفي الضفة المقابلة فإنه يصعب أيضا على ( روحاني ) الفشل في التقدم خطوة في الملف النووي , حيث كان السر في صعوده لسدّة الرئاسة يكمن في وعوده للشعب الايراني برفع العقوبات الأمريكية _ أو الجزء الأكبر منها – عن كاهل الشعب الذي عانى كثيرا تحت وطأتها , ومن ناحية أخرى فإن روحاني يعلم حجم الترصد الاسرائيلي ببرنامج ايران النووي , إضافة إلى تورط ايران في أكثر من موقع كاليمن ولبنان وسوريا حيث إنها لن تكون مرتاحة في مراهقتها هنا وهناك إذا لم يتم إنجاز الاتفاق النووي بل إنها ستقع تحت المساءلة والحساب نتيجة لهذه التدخلات , لكن المراقب الدقيق يدرك أن إيران تستخدم إسلوبا قذرا في ابتزاز أمريكا لدفعها لتقديم تنازلات ملموسة ويتمثل بلعب الدور الأبرز في دعم الجماعات السنيّة المتطرفة وعلى رأسها داعش ليتعاظم خطرها إلى الدرجة التي تجبر أمريكا على إشراكها في الحرب على الإرهاب , الأمر الذي تستصعب إدارة أوباما حصوله بالنظر إلى حساسية أن تشترك إيران ( الشيعية ) بضرب تنظيم داعش (السنّي ) .
تبدو آفاق التوصل إلى اتفاق ( أمريإيراني ) بعيدة المنال , ويبدو أن العد التنازلي لموعد نهائي لإنجاز هكذا اتفاق خانق لرجلين طالما تبادلا الغزل السياسي , ذلك الغزل الذي أغاظ حلفاء أمريكا التقليديين كالسعودية واسرائيل والأعداء التقليديين لإيران , ويبدو أن ايران أكثر حاجة من الغرب لإنجاز الاتفاق , فقد يتحول أوباما – عقب الفشل مباشرة – إلى ملف آخر وهو الملف السوري الذي يمكّن أوباما من الاستثمار السياسي أكثر , ففي هذا الملف إرضاء للحلفاء , وتسهيل للقضاء على داعش , وترجيح للخيار الأمريكي على الخيار الإيراني والروسي , وخاصّة أن أوباما يئس من احتمالية تورط تركيا في المستنقع السوري تورطا قد يدفع إلى نشوب حرب إقليمية مدمرة , طالما عمل أوباما عليها , مجمّدا لأجلها كل الملفات التي باتت اليوم ضاغطة عليه .
لهذه الحيثيات مجتمعة سيكون إنجاز الاتفاق مستحيلا , وفي أحسن الأحوال سيكون صعبا , بمعنى أننا بانتظار أحد خيارين : إما إعلان فشل صارخ للمحادثات الشاقّة وإما توقيع اتفاق جزئي باهت يحفظ ماء الوجه ويحمل مضامين إعلامية ودعائية أكثر مما يحمل مضامين حقيقية .
الكاتب والباحث السياسي : عبدالناصرمحمد .