كوردستريت|| صحافة حزبية
.
افتتاحية الوحـدة*
بقدر ما بات ممجوجاً استعراض خطاب أهل السلطة وشعارات المعارضة ورهاناتها في مدى الأعوام الماضية، بقدر ما بات من الضرورة بمكان تبيان التشوه الفاقع الذي أصاب مفهوم وأدبيات السياسة لدى الكثيرين في ساحتنا الوطنية السورية وألف باء الرؤى والتوجهات في ميادين الشأن العام، أبرزها القدرة على التمييز والفصل بين مفهومي المعارضة والمعاداة، وفي أي جانب من المعادلة – إن جاز التعبير- يقف كُـرد سوريا الذين لطالما وُصِفوا على مرّ العقود بنعوت كثيرة، وبُذِلت ولا تزال مساع محمومة لتصويرهم بمثابة جسم غريب وجماعة متسللة عبر الحدود، تُشكل خطراً على أمن وسلامة المجتمع والدولة، تُثير النعرات فتتسبب بعداوات تهدد السلم الأهلي ووحدة البلاد، وتنخر في صرح العروبة، ولا تُقيم وزناً للمعتقدات وموجبات الجوار، مشكوك في أمرها أينما حل أبناؤها، ومهما قدموا من تضحيات، وأخلصوا في التعامل مع الآخر.
.
حقيقة الأمر أن الحراك الكردي في سوريا عامةً وشمالها وشرقها خاصة، ومنذ تفجر أزمتها في آذار 2011 وضع نصب عينيه تجنب إلحاق الأذى والضرر بمؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة، وذلك انطلاقاً من وعي وإدراك بأن معارضته لشوفينية واستبداد نظام الحكم لا تعني البتة المعاداة لوجود وكيان الدولة، وأن الدفاع عن حقوق المواطن والشعب السوري لا يمرّ عبر واشنطن وموسكو، أو الرهان على سياسات الجارة تركيا وأدوارها المريبة المعتقة، التي قدس أقداسها ضرب الكُـرد، وسد الأبواب أمام حراكهم الدفاعي، والتضييق عليهم أينما كانوا ولو في المهاجر والشتات، مستخدمةً وبدهاء، أوسع أوساط المعارضة السورية بقيادة جماعات الإسلام السياسي المتطرف لعزل الكُـرد، وشل حراكهم، وفي أحسن الأحوال ضمهم إلى جوقة أعوانها الطيعين، خدمةً لأغراض دعائية – إعلامية لدى انعقاد محافل واجتماعات بخصوص الملف السوري وسبل إدارة أزمته لا حلَّها، حيث يبدو جلياً أن مسلسل اجتماعات جنيف الستة وأستانة الحادية عشرة، فضلاً عن سوتشي وغيرها مع حضور وجهود مبعوثي الأمم المتحدة، بقيت متعثرة تماماً، إن لم نقل دارت وتدور في حلقات مفرغة، تضج بصخب إعلامي ليس إلا، ثبت في سياقاتها بما لايقبل الشك أن تركيا هي لسان حال والحاضنة الأساس لأدوار وفعاليات مختلف أطر وفعاليات الإسلام السياسي، والراعية لقوى التكفير الإرهابي من تنظيم الدولة داعش وجبهة النصرة وشبكات القاعدة، فلا تزال ماضية في عرقلة أي خطوة باتجاه إيجاد حل سياسي ممكن للأزمة السورية واستغلالها، تزامناً مع استمراراها في احتلال منطقة عفرين بغية الشطب على معالمها، وقلب وتغيير نسيجها المجتمعي، والتي حشدت له في كانون الثاني المنصرم تحت مسمى عملية (غصن الزيتون) أحدث أنواع أسلحتها، جواً وبراً، بشراكة ميدانية هجومية لمجاميع ما كان يُعرف بالجيش الحرّ وكوادر من فلول داعش، مع سيل من فتاوى دينية عمَّت قرابة تسعين ألف جامع ومسجد في تركيا وألمانية، ودَعَت إلى اقتحام عفرين على هدى «سورة الفتح»، كما رددها كثيراً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما أوحى بأن ثمة أهمية استراتيجية قصوى لإنجاح عملية عفرين لما له من تبعات ونتائج على عموم الشمال والداخل السوري، وهذا يحيلنا إلى القول بأن كلما طال أمد الاحتلال التركي لعفرين، كلما استمرت الأزمة السورية في التفاقم وطال أمدها وازدادت تعقيداً، حيث يبقى الخيار الأفضل للسوريين وأصدقائهم تضافر كل الجهود لحمل تركيا على سحب قواتها من عفرين وباقي مدن وبلدات في الشمال السوري، والكف عن مواصلة تهديدها الأرعن لمناطق شرق الفرات ومساعيها المفضوحة في خلق مزيد من الفتور والفتن بين مكونات شعبنا السوري المثخن بالجراح.
.
* جريدة الوحـدة – العدد 302 – تشرين ثاني 2018 – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)