الصراعات الإقليمية وتأثيرها على النظام الدولي
كوردستريت|| #آراء وقضايا
بقلم فرهاد حبش
في ظل التطورات والأحداث السياسية، الاقتصادية، والعسكرية المتوترة في المنطقة، يشهد النظام الدولي الحالي معالم غير واضحة في عدة نواحي، والصراعات الإقليمية تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه النظام الدولي، حيث تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار والأمن العالميين، ولذلك سؤال اكثر تداولاً بين الناس، هل نحن على أبواب حرب عالمية جديدة؟ وهل سندخل في نظام دولي جديد يتحكم به قطب واحد، ام ثنائية القطب، أو ربما نظام متعدد الأقطاب، أو حتى نظام بدون أقطاب؟ التوترات الكبيرة والشديدة بين الأطراف المتصارعة، سواء كانت عبر حروب مباشرة أو غير مباشرة باستخدام أدوات الدول المتصارعة، تزيد من حالة عدم اليقين و التشتت.
بدءًا من الحرب الروسية-الأوكرانية وصولًا إلى الهجمات الإسرائيلية غير المباشرة على إيران من خلال قصف مواقعها الاستراتيجية في سوريا، لبنان، العراق، واليمن، وأيضًا من خلال اغتيال شخصيات بارزة في الفصائل الموالية لإيران في المنطقة، فيبدو أن هذه الحرب قد تكون بداية مرحلة تغيير في طبيعة النظام الدولي. هذه التغييرات الكبيرة ظهرت جليًا في أوروبا من خلال إغلاق أنابيب الغاز، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الغاز والنفط، وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم في دول المستخدمة لعملة اليورو الـ19، حيث بلغت في يونيو 8.6% بوتيرة سنوية، بعد أن سجلت 7.4% في أبريل و8.1% في مايو، وهي أعلى أرقام التي سجلها يوروستات منذ بدء صدور المؤشر في يناير 1997.
ومن جانب آخر، جاء تمرد دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، على الولايات المتحدة الأمريكية بعدم زيادة إنتاج النفط مما أدى إلى ارتفاع سعره عالميًا.
دفعت السعودية لاتخاذ هذه الخطوة نتيجة لعوامل متعددة، من بينها معادلة “النفط مقابل الأمن” وعدم رضاها عن مساهمة واشنطن في إحياء الاتفاق النووي مع إيران،وهي العدو الإقليمي للسعودية. وقد رأت السعودية أن أمريكا لم تستطع الوفاء بوعدها لحمايتها من هجمات الإيرانيين والحوثيين، ولذلك اتخذت قرار تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بوساطة الصين. مما ادى هذا التطبيع إلى تهدئة التوتر بين الطرفين المتخاصمين والمنافسين على النفوذ الجيوسياسي في المنطقة، مما أسفر عن عودة الاستقرار وعدم المواجهة بين الطرفين في البلدان التالية: سوريا، اليمن، لبنان، والعراق.
وفي إطار هذه التطورات، وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية بتاريخ 7 ديسمبر 2022، تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة تشمل مجالات من بينها الطاقة والبنية التحتية، بقيمة حوالي 30 مليار دولار. سعت الصين من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز اقتصادها وعلاقاتها ودورها في الشرق الأوسط من أجل إكمال مشروعها الكبير “طريق الحرير الجديد” المسمى “الحزام والطريق”، والذي يربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا عبر مسار يتعدى طوله عشرة آلاف كيلومتر. إلا أن هذه الزيارة لم ترضِ واشنطن، الشريك التاريخي للسعودية، وحذرت من تزايد النفوذ الصيني الذي تسعى إلى تعزيزه في العالم، وانتقدت هذه السياسة الصينية التوسعية.
في تنافس مع مشروع “طريق الحرير” الصيني، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية خلال قمة مجموعة العشرين G20 في مدينة نيودلهي الهندية في سبتمبر 2023، عن خطة لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وقعت كل من السعودية، الاتحاد الأوروبي، الهند، الإمارات العربية المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، والولايات المتحدة اتفاقية تفاهم بموجبها تلتزم الدول بالعمل معًا لإنجاز هذا المشروع.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها إلى مواجهة التوسع الاقتصادي الصيني عبر التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية. يتألف المشروع الجديد من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا. وقعت هذه الاتفاقية قبل أيام قليلة من اندلاع حرب غزة، مما يشير إلى احتمال مرور هذا الممر إما عبر العراق إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، أو عبر الخليج إلى غزة ثم إلى أوروبا. وبهذا، فإن حرب إسرائيل على غزة قد تكون إحدى نتائج اتفاقية الممر الاقتصادي الهندي-الأوروبي. ووفقًا للمحللين، سيكون لهذا المشروع تأثير على كميات السلع والنفط القادمة من السعودية والخليج، كما سيقلص عدد ناقلات النفط التي تعبر قناة السويس من الخليج العربي. ومع ذلك، لا يزال المشروع قيد الدراسة ويحتاج إلى سنوات لتنفيذه، وهي فترة قد تتغير خلالها التحالفات السياسية.
وفي سياق آخر، شنت حركة حماس الفلسطينية هجومًا غير متوقع على إسرائيل في تاريخ صراعهما، مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وزاد من تعقيد الصراع بينهما. تسبب هذا الهجوم بمقتل شخصيات وقادة كبار في المقاومة الإسلامية، وأخيرًا مقتل قائد حركة حماس إسماعيل هنية خلال قصف إسرائيلي على مكان إقامته في طهران أثناء حضوره دعوة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، مما زاد الأزمة تعقيدًا بين إيران وإسرائيل. وقبلها، تم قصف السفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وردت إيران على إسرائيل بما وصفه الكثيرون بـ”الرد المخزي”. مؤخرًا، تحاول إسرائيل نقل الصراع إلى داخل العمق السياسي الإيراني من خلال قصفها مراكز المحور الإيراني في لبنان، سوريا، اليمن، والعراق.
عند النظر إلى كل هذه الأحداث والنزاعات من الحرب الروسية-الأوكرانية وصولًا إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني-الإيراني، نرى أننا قد نكون أمام مرحلة جديدة من الصراع قد تقودنا إلى حرب عالمية ثالثة. هذه الحرب، إن وقعت، لن تكون مثل سابقتيها الأولى والثانية، بل قد تكون أكثر سخونة وتدميرًا، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
باختصار، الصراعات الإقليمية لا تؤثر فقط على الأطراف المعنية بها مباشرة، بل تمتد تداعياتها لتشكل تحديات كبيرة للنظام الدولي ككل، وتفرض إلى التصادم بين المصالح الدول المؤثرة في النظام الدولي، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستعلن إيران الحرب على إسرائيل؟ إذا كان الجواب نعم، فمتى وكيف؟ هذه الأسئلة تضعنا أمام تحدٍ كبير وصعب، حيث نرى تحشدات أمريكية لدعم إسرائيل عبر إرسال طائرات ومعدات عسكرية. وفي نهاية المطاف، تزداد الأمور تعقيدًا، والسؤال الأكبر هو: هل سيتغير النظام الدولي الحالي؟ وهل سندخل في نظام عالمي جديد بأقطاب جديدة أو بدون أقطاب ودول متحكمة جديدة؟
فرهاد حبش