كوردستريت|| بيانات
”
في 28 من أبريل “نيسان” ألقى الرئيس الأمريكي خطاباً أمام الكونغرس بمناسبة مرور مائة يوم على توليه منصب الرئاسة وكما كان متوقعاً ، فقد استحوذ أزمة كورونا وتأمين التطعيمات وانعاش الإقتصاد الحيز الأكبر وفي جانب آخر ركز الرئيس الأمريكي على مجابهة الصين وأن المستبدين لن يفوزوا بالمستقبل ، وأن أمريكا ستدافع عن مصالحها في جميع المجالات ولن تتخلى عن التزاماتها تجاه حقوق الإنسان ، وليس واضحاً بعد كيفية التوفيق والموازنة بين تلك الالتزامات من جهة والتخلي عن التزاماتها في منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن عدم امتلاكها رؤية واضحة لحل نزاعات المنطقة وعلى رأسها المأساة السورية بعد أن أثبتت التجارب بأن فرض العقوبات الإقتصادية لم تثني الأنظمة الاستبدادية من ممارسة أفظع الجرائم بحق شعوبها.
الصين وفي الأسبوع الأخير من شهر آذار الماضي أنهى وزير خارجيتها وانغ يي جولة شرق أوسطية عرض خلالها مبادرة الصين لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط أو مبادرة النقاط الخمس والتي تضمنت الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والإتفاق النووي الإيراني والحد من انتشار الأسلحة النووية والأمن البحري ومكافحة الإرهاب والتعاون في مجال التلقيح ضد فيروس كورونا وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع.
ورغم ان هذه المبادرة مازالت غامضة ولا توحي بأنها ستكون بمثابة إستراتيجية طويلة المدى للصين لملئ الفراغ في الشرق الأوسط بعد حليفتها موسكو في ظل الغياب الشبه الكامل للإدارة الامريكية إلا أنها ستظل مجرد عناوين لن تجد طريقها إلى الترجمة، فالتناقضات بين الأطراف التي شملتها المبادرة أكبر بكثير من قدرة هذه المبادرة على تحقيق التوازن بينها.
إسرائيل بدورها رفعت درجة تأهبها بعد نوايا الرئيس الأمريكي جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي الذي تم توقعيه مع إدارة أوباما حيث يعتقد الإسرائيليون ان إدارة بايدن ماضية في الإتفاق النووي وأن سلاسل انقضاء الوقت التي تبدأ بموجب الإتفاق في 2023 برفع القيود المفروضة على برنامج الصواريخ البالستية وعدم وجود نظام مراقبة صارم سيدفع بالجانب الإسرائيلي إلى عدم البقاء متفرجاً ، حيث ترى القيادة الإسرائيلية سذاجة مزاعم بايدن بأنه بمجرد رفع أقوى العقوبات على إيران فإن التهديد بإعادة فرضها سيشكل ضغط كاف لإجبار إيران للامتثال وتعتقد أن هذا الإتفاق ستجعل إيران قوية مجدداً بعد أن أصبحت في اضعف حالاتها.
العراق وكلما تسارعت وتيرة المفاوضات تتسارع وتيرة الأحداث على الأرض العراقية التي باتت ساحة مناسبة لإيران لإرسال رسائل الى الولايات المتحدة الامريكية وبدا ذلك جلياً في تصريحات الخزعلي الذي أكد بأن قرار مهاجمة المصالح الامريكية بيد المليشيات العراقية فقط ويسعى الخزعلي إلى لعب دور أكبر في قيادة المليشيات العراقية المدعومة إيرانياً مثل عصائب اهل الحق وحركة النجباء وكتائب حزب الله بعد مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس وفشل خليفة المهندس في ملئ الفراغ.
على ضوء ذلك من المرجح أن تستمر مهاجمة المصالح الأمريكية من أجل دعم محادثات إيران في فيينا وعدم اضطرار إيران لتقديم تنازلات كبيرة خاصة فيما يخص برنامجها للصواريخ البالستية وتهديد أمن دول المنطقة بعد نجاحها في استبعاد مطلب السعودية وإسرائيل في توسيع دائرة التفاوض وضم الدول المعنية بالملف النووي الإيراني إلى مجموعة 5+1 ويبدو ان إيران باتت لا تتعجل الأمر للوصول إلى إتفاق مع الجانب الأمريكي وقد كان ذلك واضحاً في خطاب خامنئي بمناسبة راس السنة الإيرانية حيث أكد أن بلاده ليست في عجلة من أمرها للعودة الى التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة ، حيث يعتقد فيلق القدس بأن ايران تغلبت على الجزء الأصعب من سياسة الضغط الامريكية وأن الأمور لن تسير نحو الأسوأ خاصة بعد توقيعها اتفاقًا طويل الأجل مع الصين بقيمة 400 مليار دولار.
إقليم كوردستان لم يسلم أيضاً من تلك الهجمات حيث تعتقد المليشيات الإيرانية بأنها لن تستطيع تحقيق هدفها النهائي بالاستحواذ على كامل العراق على غرار حزب الله في لبنان إلا بانسحاب القوات الامريكية من جميع مناطق العراق ومن ضمنها مناطق إقليم كوردستان.
لذلك ما لم تعمل الإدارة الأمريكية على ادراج الصواريخ البالستية وتدخلات إيران في الدول المجاورة فإنه من المرجح أن تخسر الويلات المتحدة مناطق جديدة لصالح النفوذ الإيراني ولن يكون كامل العراق بمنأى عن تلك السيطرة.
في سوريا لم تعلن الإدارة الامريكية الجديدة وبعد مرور هذه الأشهر عن سياستها تجاه سوريا بشكل واضح كما أنه من غير المرجح أن تكون سوريا إحدى أولوياتها حيث بات جلياً أن واشنطن تستمر في عدم إعطاء أية أولوية للشرق الأوسط بل تركز فقط على مواجهة منافستها الكبرى الصين وحتى روسيا في مناطق أخرى كالبلقان الأمر الذي سيخدم بوتين في مساعيه في التمدد في الشرق الأوسط بل سيدفع روسيا إلى المزيد من التقارب مع إيران بما يجعل لروسيا الكلمة الفصل في مستقبل سوريا وبما ينعكس سلباً على الغرب واوربا ويترك نقاط ضعف في السياسة الأمريكية والأوربية على حد سواء في الشرق الأوسط يصعب تجاوزها في المستقبل خاصة أن الهدف التالي لروسيا بعد المياه الدافئة ستكون مياه الخليج العربي.
عموماً إتباع واشنطن سياسة إغراق الخصوم واستنزافهم في سوريا وتصدر مكافحة الإرهاب رأس اجنداتها لم تجدي نفعاً حتى الآن.
وشكل اعلان النظام السوري عن موعد الإنتخابات الرئاسية وترشح رأس النظام للإنتخابات ضربة قوبة للعملية السياسية ورغم أن مناورات النظام من أجل كسب الوقت والالتفاف على القرار الدولي 2254 كانت مكشوفة ومعروفة إلا أن هذه الإنتخابات ستكشف مواقف العالم الغربي والأمريكي ومدى جديتهم تجاه النظام السوري وستضع في نفس الوقت المعارضة السياسية أمام حقيقة عدم جدوى هذه اللجنة الدستورية وعليها البحث عن بدائل اخرى وتحقيق إجماع دولي بفشل الإنتخابات في تلبية مطالب الشعب السوري المنصوص في القرار الأممي 2254 كما أن الإتجاه إلى عقد مؤتمر عام تحضره جميع القوى السياسية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها لبحث سبل مجابهة هذا النظام بعد الإنتخابات الكوميدية ربما ستكون خطوة أولى تجاه رسم إستراتيجية جديدة.
من جانب آخر إتجاه بعض الدول العربية لإنهاء عزلة الأسد والتطبيع معه ومحاولات إعادته إلى الجامعة العربية ستقوض أي فرصة للتغيير الحقيقي في سوريا وستتعارض مع القرار الدولي 2254 الذي ينص على إجراء إنتخابات نزيهة ديمقراطية وكتابة دستور جديد وتوفير بيئة محايدة وآمنة لعودة اللاجئين كما أن إعادة التطبيع مع النظام السوري لن يدفع بالأسد إلى قطع علاقته الإستراتيجية مع النظام الإيراني تلك العلاقة المستمرة منذ أكثر من أربعين عاماً على العكس من ذلك قد ترسل رسائل إيجابية إلى أذرع إيران في المناطق العربية.
في المناطق الكوردية شكلت الصدامات الأخيرة في حارة الطي مدى هشاشة الوضع وخطورته واحتمال تدهوره في أي لحظة بما يخلف كارثة لا يمكن التكهن بتبعاتها كما وأظهرت مدى تغول النظام و استعداده للتضحية بحالة السلم الأهلي التي تعيشها تلك المناطق من أجل تحقيق رغباته في البقاء على كرسي السلطة لذلك فان رغبة النظام في توتير الأجواء هناك لحد يمكن السيطرة عليه قد تتطور إذا استدعت مصالحه في المستقبل الى إغراق تلك المناطق في فوضى كبيرة خاصة في ظل سيطرة النظام على مساحة لا يستهان بها تحت عناوين الدفاع الوطني والمربع الأمني التي باتت أدوات عدم استقرار لذلك فإن القوى السياسية الكوردية وبقية القوى السياسية الأصيلة في المنطقة مطالبة بالتحرك لتوحيد وتسريع جهودها لإنجاز مرجعية كوردية تستطيع مع بقية القوى السياسية والمجتمعية إقامة مرجعية حقيقية تتمتع بالتأييد الشعبي الفعلي وتحظى بشرعية من جميع أبناء تلك المناطق وهذا لن يتم تحقيقه الا عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة.
عامل آخر غير العامل الأمني سيهدد المناطق الكوردية الا هو العامل الاقتصادي الذي ستبدأ تأثيراته تباعاً خاصة في ظل موجة الجفاف التي تشهدها المنطقة وارتفاع تكاليف الزراعة المروية وسيصبح جزء كبير من سكان تلك المناطق تحت خط الفقر في غياب أية مشاريع استثمارية أو تنموية وعدم وجود خطط طوارئ لدى الإدارة الحالية لتعويض المواطنين.
ارتفاع الوفيات وعدم وجود إحصائية دقيقة للمصابين بفيروس كورونا من جهتها باتت تهدد سلامة المجتمع هناك خاصة بعد فشل الإدارة في محاولتها لاحتواء الوباء وربما السبيل الوحيد الناجع هو تأمين اللقاحات التي تحتاجها المنطقة وعلى الأقل لفئات عمرية محددة مهددة أكثر من غيرها بعد ان اثبتت اللقاحات فعاليتها وقدرتها على الحد من انتشار الوباء في العديد من دول العالم.
حتى الآن لا مؤشرات على وجود تلك خطط لدى الإدارة لمواجهة تلك الأزمات وأن سياسة الهروب إلى الأمام لن تجد نفعاً وأن الأمور ستسير إلى منعطفات خطيرة إذا لم يتم تداركها بكفاءة وشفافية.
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي)
قامشلو