فتحي كدو
.
لو عدنا قليلا إلى زمن الحرب الباردة و تقاسم النفوذ بين القطبين على مدى سبعين عاما من الاستقرار الجيوسياسي و الأمني . كانت كل من تركيا المسماة شرطية الغرب على الحدود السوفيتي آنذاك وإيران الشاهنشاهية الدولة الغربية بامتياز .بينما دول الخليج العرب المصنف عربيا و الأكثر تطورا في مجال التنمية و الخدمات و الرفاهية و تصنف من أفضل دول العالم من حيث ارتفاع دخل الفرد فيها, بينما الجمهوريات العربية من العراق و سوريا و اليمن و الجزائر و ليبيا و السودان ذات الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية و تدعي بالقومية العربية بمنظورها السوفيتي كغطاء إيديولوجي و تتاجر بقضاياها القومية و الوطنية و كانوا يحكمون شعوبهم بالحديد و النار .
أين كان الاتحاد السوفيتي قائد العملية الثورية من حقوق الشعوب المضطهدة وبنفس المعيار؟
.
أين كان الغرب المتطور و المتبجح بالديمقراطيات , و لائحة حقوق الإنسان , ومبادئ ويلسون من الشعب الكردي الذي يزداد تعداده أكثر من ستين مليون على جغرافية كردسـتان التاريخية بمساحة أكثر من خمسمائة ألف كيلو متر مربع رغم مطالبته المستمرة بحقوقه المشروعة منذ التقسيم الأول لكردستان إثر (معركة جالديران) بين الصفويين و العثمانيين و حتى تاريخنا هذا . حيث مورس بحقه جميع صنوف الاضطهاد و من مجازر و جيوسايد و جرد من جميع حقوقه المشروعة و مورس عليه سياسات التعريب و التفريس و التتريك و الهجير القسري و التغيير الديموغرافي لمناطقه .
ألم يكن الاتحاد السوفيتي صاحب اتفاقيات الصداقة و التعاون مع كل من سوريا و العراق ؟ وألم تكن الأسلحة المحرمة دوليا المستخدمة بحق الكرد مستوردة من الغرب و لكن بعد غلاسنوست و بروسترويكا في الاتحاد السوفياتي وانهيارها شيئا فشيئا و بروز الدور الإيراني كدولة قوية محورية في الشرق الأوسط بمنهجية طائفية ذات حكم الملالي تذكرنا ببدايات نشوء الخلافة الإسلامية ونزعاتها المذهبية وصاحبة المؤسسة الأكثر نفوذا وقوة واقتصادا في جسم نظام الملالي ( الحرس الثوري ) المكلف بحماية النظام و تصدير الثورة إلى المحيط الإسلامي وكانت تصف أمريكا بالشيطان الأكبر والسوفيات بالأصغر.
.
و بعد دخول السوفيات في المستنقع الأفغاني وتغيير النظام القائم و تعيين نظام شيوعي بقيادة نجيب الله أمين من خلال ترسانته العسكرية الأمر الغريب عن تركيبتها السكانية ذات الأغلبية الإسلامية السنية و طابعها القبلي و جغرافيتها الجبلية أضعف قدرتها على بسط سيطرتها والتحكم فيها .
.
رأت أمريكا من خلال هذا المشهد وجود حاضنة ملائمة سهلة لقبول عرض تعاونها اللوجستي و الاستخبارات و بالتعاون مع الاستخبارات الخليجية و خاصة السعودية و الدور البارز لبندر بن سلطان لدعم القوة السنية الرافضة في أفغانستان و تشكيل قوة عربية بقيادة أسامة بن لادن ، سمي فيما بعد الأفغانيين العرب ، واضطر السوفيات مذعورين إلى الهزيمة من أفغانستان ، وحينها تبلورت فكرة الشرق الأوسط الكبير من قبل البنتاغون ودوائر القرار في أمريكا و سميت خارطة الطريق من كابول إلى جوبا ، فإيران التي تدعي خصومتها للغرب لكنها متعاونة و مشاركة في الخفاء مع التحالف الغربي بقيادة أمريكا في التدخل والضرب في كل من أفغانستان والعراق ، والملفت أن القاعدة استهدفت دول كثيرة في المحيط الإقليمي وفي العالم ما عدا إيران و سوريا و الأنكى من ذلك أن إيران سخرت جغرافيتها كممر آمن لها .
.
في الوقت الذي كانت عوائل بن لادن وغيره من العائلات ضيوفا لدى إيران ، أما سوريا فقد اتهمت بزج ما يسمى بالجهاديين ، وإرسالهم إلى العراق لضرب الحكومات العراقية منذ عام 2003 ، مما أدى إلى تذمر وسخط الحكومة العراقية آنذاك ، و قدم رئيس وزرائها نوري المالكي شكوى إلى الجامعة العربية ضد سوريا حينها . قد يتساءل المرء لماذا لم يحسم الأمريكان تواجد القاعدة و أخواتها في كل من سوريا والعراق . ألم تكن على علم مثل حكومتي سوريا والعراق بعملية تسليم الرقة والموصل إلى داعش ، و الدليل القاطع على ذلك عدم تعرض جيشي الحكومتين لداعش ووقفت الحكومتان متفرجتان على انتقال داعش بقوافل عسكرية كبيرة من موصل إلى الرقة مصطحبا معها الأسلحة والعتاد المستولى عليها ، هل من عاقل يصدق بأن الأمر ناتج عن ضعف مخابراتي و معلوماتي و الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار ؟
.
كل هذه المعطيات تقودنا إلى حتمية التعاون الأمريكي الإيراني و إيجاد تحالفات جديدة وإفساح المجال لإيران للتدخل في شأن كل من العراق وسوريا لبنان واليمن والتحكم في صنع القرار السياسي في تلك الدول و ترك شعوبها عرضة لانتهاكات الحرس الثوري وميليشيات حزب الله و الأفغان و أبي فضل العباس وغيرها و أخيرا سمح للروس بقصف المدن والقرى السورية حاضنة المعارضة المعتدلة .
.
نحن أمام مشهد سياسي جديد عنوانه شرق أوسط جديد، التقسيم هو مبتغاه ، وللكرد موقع في هذه المعادلة الجديدة ليس حبا بهم ، بل كرها بتداعيات سايكس بيكو العجوز، مع أخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار أولا وأخيرا .