عبدالرحمن كلو *
.
من الملاحظ أن حالة الصراع في الشرق الأوسط خرجت عن المألوف التقليدي كما أنها خرجت عن السيطرة بعد ظاهرة داعش، إذ بدأ الجميع بإعادة حسابته، بعد استفحال دور هذا التنظيم وتمدده الجغرافي بشكل دراماتيكي مرعب، ويبدو أن صانعي هذا الارهاب وممولوه ومهندسي إدارة الصراعات باتوا في وضع حرج، إذ باتت الأمور في سياقات أخرى مغايرة عما هو مرسوم لها، وعليه بدأت المشاريع الاقليمية والدولية تغير من مساراتها التكتيكية وتبحث في التقاطعات المشتركة فيما بينها على قاعدة الحرب ضد إرهاب هذا التنظيم.
.
وعلى وقع متغيرات هذه الحرب أرادت إيران- وهي صاحبة أكبر مشروع طائفي عقائدي في المنطقة – استثمار المناخ الجديد، إذ بدأت بالتفاعل العملياتي مع مستجدات الحالة بتسارع زمني مضطرد، وتحركت ميدانياً في كل الاتجاهات سورياً، عراقياً، يمنياً، …بديناميكية متكيفة مع الوقائع إلى درجة أن بات وجودها العسكري والأمني واللوجستي ظاهراً في كل مواقع الصراع، واستطاعت بذلك تغيير الكثير من الحسابات والوقائع على الأرض بدعمها المباشر والصريح العلني للفصائل والميليشيات الشيعية المسلحة، وبعض القوى والتنظيمات الأخرى من خارج البيت الشيعي المتحالفة مع المشروع الايراني، هذا في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها تبارك هذا التحرك الايراني، على الرغم من بعض الاشارات والتصريحات التحذيرية من لدن بعض القادة العسكريين والأمنيين الأمريكان حول خطورة تزايد التواجد الايراني ودوره على مستقبل المنطقة، كونها تجاوزت على الهامش المسموح به، لكن عموماً وبكل الأحوال نرى أن أمريكا مع قوى التحالف الدولي تتعاطى مع المشروع الايراني ومع أدوات هذا المشروع في المنطقة وفق تقاطعات وملامسات محيطية، وإن كان تكتيكياً في حده الأدنى، أو كان هذا التعاطي يأخذ جانباً من الحيطة والحذر أو القلق.
.
لكن مكمن الخطورة في هذا المشروع هو أنه بدأ بالتحرك والفاعلية في المناطق الكردستانية الأكثر حساسية، مناطق التداخل والتماس بين العرب والكورد مثل جنوب كركوك والسعدية وجلولاء في العراق والحسكة وقامشلو في سوريا، أي أنه يبدو وكأنه يبيت لصراعات عرقية وقومية على تخوم جنوب وغربي كوردستان للنيل من المشروع الوطني الكردستاني الذي يقوده الرئيس بارزاني، والذي يخضع بدوره للكثير من الضغوط من جانب شركاء العملية السياسية في بغداد وأربيل من جهة، ولمستلزمات استراتيجيات الحرب الجديدة لقوى التحالف الدولي من جهة أخرى، حيث أن هذا التحالف بات يحتاج إلى كل الفرقاء- حتى أعداء الأمس- في حربها ضد إرهاب داعش، وعلى قدر هذه الضغوطات والخطورة تأتي أهمية توجيه كل الجهود لدعم استراتيجية التحرر القومي الكردي في هذه اللحظة المفصلية الانتقالية من تاريخ المنطقة، وعلى القوى الوطنية الكردستانية اليقظة والاستعداد لمرحلة ما بعد معارك داعش بقدر جاهزيتها القتالية في المعارك الحالية ، وبما أن داعش هو صناعة إيرانية أصلاً ومن جملة مهامه هو النيل من الكيان الوطني القائم في جنوب كردستان أولاً، ومن ثم تهديد الوجود القومي الكردي في غربي كردستان ومناطق التماس، لذا فالمشروع الإيراني القائم على ممانعة الطموح الكردي التاريخي في إعلان دولته المستقلة لن يوفر أي جهد في محاربة هذا الطموح، وهو اليوم باستثماره مناخات هذه الحرب يستخدم كل أدواته في هذه المعركة وعلى كافة الصعد السياسية والأمنية والعسكرية، وما تقوم به سلطات الأمر الواقع للـ pyd في غربي كردستان من محاولات تكريس واقع سياسي وأمني مشوه بعيد عن الانتماء القومي الكردي، وما مقولاته عن الأمة الديمقراطية والخرافات التنظيرية في هذا الصدد، وأيضاً مشاريعه التقسيمية التفتيتية للجغرافيا السياسية لكردستان في الجنوب والغرب دون الشرق والشمال لصالح ما تسمى بالكانتونات، إلا حلقات في مسلسل المشروع الايراني، في الوقت الذي فيه كل المشاريع القومية التركية والعربية والفارسية والطائفية والعرقية قائمة وتعمل بفاعلية ضمن أجنداتها الخاصة وبمفاعيل دولية وإقليمية، ولهذا سيبقى الخوف وكل الخوف على الكيان الوطني في جنوب كردستان من خاصرته الرخوة في شنكال، كما والخوف كله هو أن يكون الطريق إلى ” كانتون ” شنكال يمر من الحسكة وفق المعطيات الحالية، ليبدأ العد العكسي لعملية الهدم من هناك.
.
*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا