“إن الحقوق لا يتصدق بها أحد وإنما الحقوق تؤخذ بالقوة” ذكرى رحيل الشيخ معشوق الخزنوي شيخ الشهداء .
كوردستريت نيوز :
الشيخ محمد معشوق الخزنوي.
ينتمي الشيخ الشهيد الى عشيرة عليكا الكردية تقطن في الجزء السوري من كردستان ، والكرد قوم يأنفون الذل ويأبون الضيم ويعتزون بأصولهم اعتزازاً لا حدود له.
غير أن الكرد لاقوا نتيجة لذلك المرارة الكثيرة من إخوانهم المسلمين تارة واعدائهم تارة آخرى ولعل اكثرها شدة عقب الحرب الروسية التركية والتي كان انتهاؤها في معاهدة باريس 1855 ظلما ظاهرا للأكراد حيث فصلت تلك المعاهدة حقوق الشعوب في منطقة الشرق الأوسط من غير إشارة إلى حقوق الأكراد
وعائلة الشيخ الشهيد هاجرت من قرية با يزيد في الجزء التركي من كردستان وسكنت قرية خزنة في كردستان سوريا عند هجرة جده الملا صوار ونسبوا بالخزنوية نسبة إلى الجد الشيخ أحمد الخزنوي الذي كان يمارس دعوته انطلاقاً من قريته خزنة التي نسب إليها فيما بعد , وهذه العائلة تعتبر من أهم المرجعيات الدينية إن لم تكن أهمها في المنطقة قاطبة بل امتد نفوذها فيما بعد إلى شتى البلاد وخاصة تلك التي هاجر إليها الأكراد بما في ذلك أوروبا
والشيخ أحمد الخزنوي الذي تنتسب هذه العائلة إليه هو فقيه وداعية إسلامي كبير ومربي مشهود له في المنطقة توفي سنة /1950 ميلادية في تل معروف ودفن فيها
الدكتور محمد معشوق هو ابن الشيخ عزالدين الخزنوي الابن الثالث للشيخ احمد ولد عام 1921 وتوفي في 1992
ولد الشيخ معشوق في 25 / كانون الأول / 1958 ميلادية في دار الشيخ عز الدين في قرية تل معروف 30 كم جنوب شرق قامشلوا
ولله در ابيه فقد كان يتوسم ويتفرس في مولوده النجابة والتوفيق ولذلك اسماه معشوقا عربونا لعشقه لهذا الوليد
المسيرة العلمية :
درس الدكتور محمد معشوق الخزنوي مبادئ العلوم الشرعية على مجموعة من أهل العلم وفي مقدمتهم والده الشيخ عز الدين الخزنوي رحمه الله تعالى ثم بعد ذلك في المعهد الشرعي الذي أسسه جده في قرية تل معروف إلى جانب دراسته النظامية في مدارس الدولة التي نال منها الإعدادية عام /1974/ميلادية والثانوية العامة الفرع الأدبي عام / 1977 /، كما انتسب الى معهد إسعاف طلاب العلوم الشرعية بباب الجابية في دمشق والذي كان يعرف آنئذٍ بمعهد الأمينية فقُبل في السنة الأخيرة لتميُّزه على أقرانه ونال شهادتها عام/1978/ميلادية بتقدير/ممتاز/ ولذلك رشحته إدارة المعهد لاستكمال دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث حصل منها على درجة الليسانس في الشريعة الإسلامية عام – 1984 – ميلادية وعمل بعدها في مجال الدعوة مدرساً وخطيباً في المساجد والمعاهد الشرعية في أكثر من منطقة في سوريا الى لحظة استشهاده, الأمر الذي أخذ عليه جل وقته بل أعاقه عن استكمال دراسته العليا حتى استدرك ذلك في وقت متأخر حيث نال درجة / الماجستير في الدراسات الإسلامية/ عام /2001/ميلادية من كلية الإمام الأوزاعي بلبنان عن أطروحته / الأمن المعيشي في الإسلام / وكذلك نال درجة الدكتوراه أيضاً في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بكراتشي بباكستان عن أطروحته / التقليد وأثره في الفتن المذهبية /
الخبرة العلمية :
درّس الشيخ في المعهد الشرعي بتل معروف مدة اثنتي عشرة سنة بين عامي /1977 و1989/ حيث حصل بينه وبين القائمين على المعهد خلاف في تجديد منهاج المعهد خصوصا ومسيرة الدعوة عموما وفي مقدمتهم والده الشيخ عز الدين
الخزنوي وذلك بعد أن أغلقت الدولة المعهد مرتين في تلك الفترة بسبب غياب النظام والمنهاج عن المعهد وتحول الطلبة في بعض الأوقات إلى مجرد جنود انكشاريين يغيرون على الفلاحين ويضربونهم ويحرقون مزارعهم ويهدمون بيوتهم وفي أوقات أخرى إلى عمال في مزارع الشيخ أو جامعي الحطب للتكية في مزارع الناس وعلى إثر ذلك غادر الشيخ إلى مدينة إدلب بعد تباين واضح بين فكره وفكر والده التي كانت تمهد لتلك الممارسات السابقة
استقر الشيخ معشوق في إدلب حيث عمل خطيبا ومدرسا في مساجدها بالإضافة إلى التدريس في الثانوية الشرعية حتى توفي والده عام /1992/ حيث انتقل إلى القامشلي وعمل من ذاك التاريخ خطيبا في مساجد البلدة حتى تاريخ استشهاده
الولاء للوطن
إن أي تجديد في الخطاب الديني لا ينعكس على الوطن والبلد والشعب بكل أطيافه هو تجديد أبتر ولذلك كان من أهم انعكاسات رسالة التجديد على هذا المستوى هي
ترسيخ صفة المواطنة في أذهان أبناء البلد الواحد ومكافحة العرقية والطائفية والمذهبية وغيرها من النظريات الشوفينية التي سادت في النصف الثاني من القرن الماضي وشتت شمل الشعب الواحد ودفع ضريبة ذلك الآلاف من المواطنين الأبرياء الذين لا يقلون وفاء وإخلاصاً ووطنية من غيرهم إن لم يكونوا أكثر منهم , وكذلك السعي إلى رفع سوية الوعي لدى كل شرائح المجتمع الرسمية أو الشعبية لاعتبار المواطنة والإخلاص للوطن وحبه هو المعيار الوحيد للتفاضل بين أبناء البلد الواحد على الأرض كما أن ميزان التفاضل بينهم هو التقوى في السماء ليعيش أبناء البلد الواحد من عرب وكرد وأقليات أخرى .
إن إعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة و جعل الانتماء الأساسي و الوحيد هو ( مواطن سوري ) يحل مشكلة الأقليات الدينية و الأقليات القومية ويشد ارتباطهم بوطنهم سورية بوصفه وطناً نهائياً لهم ما دامت حقوقهم وخصوصيتهم الثقافية مصانة في وطنهم الذي لا يسعى إلى تذويبهم في غيرهم بل يعتبرهم مواطنين متساوي الحقوق و الواجبات مع باقي مواطنيهم السوريين.
الاستفادة من العاطفة الدينية والوازع الديني لدى المواطنين في استنهاض الأمة وتطورها ومسابقتها للأمم الأخرى في الإبداع و الإعمار .
إعادة النظر في التشريع السوري وخاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والمعاملات والأحوال الشخصية بحيث يكون أقرب إلى روح الإسلام من قربه إلى فهم الفقهاء كما خُطط له سابقا حين كانت المذهبية سائدة وفهم الفقهاء حاكما على روح ومقاصد الشريعة وخاصة فيما يتعلق بالمرأة والقيود التي تقيد حركتها باسم الشرع ,
إن التشريع السوري في مجال الأحوال الشخصية يحتاج لمراجعة حقيقية , فقد مر على اكتمال تدوينه قرابة خمسين عاماً ويمكن القول الآن إن كثيراً من بنوده لم يعد يلبي المصالح العادلة للناس ، وهنا يمكن أن تتأسس المراجعة على أمرين اثنين
أولاً : إن هذا التشريع على الرغم من أنه نتاج جهد صادق لرجال اختصاص ولكنه ليس بالضرورة كلمة الله ! إنه في الواقع مجرد خيار واحد في الفقه الإسلامي إلى جانب خيارات محترمة أخرى
ثانياً : إن حماس المرأة أو المدافعين عنها لإجراء تعديلات في النص التشريعي لا يجوز أن يكون عبثياً بحيث نطالب بتنكيس القائم وإقامة المنكوس ، بل ينبغي أن يتجه إلى المسائل الملحة وفق ترتيب أولويات دقيق ومنطقي
وإني على يقين بأن الفقه الإسلامي غني إلى الحد الذي يمكن فيه تخير الحلول لأشد المسائل تعقيداً ، ولكن المسألة في حسن الاختيار ، والحرية المتاحة للاختيار، وقديماً قالوا : اختيار الرجل قطعة من عقله .
التأكيد على طاعة الله ورسوله من خلال طاعة ولي الأمر فيما ليس بمعصية لله ورسوله ولا يضر بمصلحة الأمة واعتبار هذه الطاعة من ثوابت العقيدة الإسلامية حرصا على وحدة الأمة وأمنها ووحدة صفها , وإفهام المسلم أن من حقه النصح لأولي الأمر ومن حقه الاعتراض بالدليل بل من حقه نقدهم ومناقشتهم ومحاكمتهم وبعد ذلك إسقاطهم بالوسائل القانونية والديمقراطية وكذلك منافستهم في الانتخابات والحلول محلهم إذا حاز على ثقة المواطنين , ولكن ليس من حقه العبث بأمن البلد وسلامته احتجاجا على رأي لا يراه صائبا , وتبليغه أن يد الله مع الجماعة وعليها ومن شذ شذ إلى النار وفي النار وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية , ولكن شريطة أن لا تتحول هذه الطاعة التي ذكرناها إلى آلة بيد الحاكم يتصرف من خلالها بشؤون الأمة من غير رقيب بحيث يصير الحاكم ذئبا يختار من الشياه ما يشاء.
اغتيال الدكتور معشوق الخزنوي
بعد تنامي شعبية الشيخ الشهيد بين جميع الأوساط الشعبية والمثقفة منها خصوصا نظرا لما كان يحمله الشيخ الشهيد في طروحاته من علم يشبع رغبات المجتمع و أعادته إلى الإسلام الصافي النقي بعيدا عن تشويهات رجال الدين التقليدين الذي لم يكن لهم دور إلا تخدر الشعوب لمصالحهم الشخصية تارة وتدجين المجتمعات لصالح الحكام المستبدين تارة أخرى
فعلى الصعيد الديني حاول الشيخ معشوق تنقية الدين من كل ما علق به من ادران وبدع حاولت المشيخات التقليدية والصوفية منها خصوصا إضفاءها على الدين الإسلامي الحنيف حيث حارب الشيخ الشهيد تلك البدع من إضفاء القدسية على بشر أمثالنا على إخلاص الدين والعبادة لله وحده خالقنا وان ليس هناك ناطقون باسم الله
إضافة الى رفضه إقحام الإسلام بالسياسة لتبرير تصرفات الحاكم المستبد
وعلى الصعيد الاجتماعي والوطني تطالب الشيخ الشهيد بالحقوق المغتصبة للقوميات واعطاء الحرية للمجتمع واشراكهم في العملية السياسية السلمية بعيدا عن القمع والظلم التي اعتادت الدولة بواسطة أجهزتها الأمنية على اعتيادها
كل ذلك مع تفصيلاتها تلاقى مآرب من يرى النظرة المخالفة لآراء الشيخ مع مأرب الأجهزة القمعية في سوريا بضرورة التخلص من الشيخ ، حيث جاء في تقرير أمني صادر عن الاجتماع الأمني في محافظة الحسكة ، أن معشوق الخزنوي أصبح ظاهرة مقلقة ويجب التخلص منها ولكن بعيدا عن محافظة الحسكة ، حيث أوعزت الأجهزة الأمنية إلى أزلامها بمراقبة الشيخ الشهيد الى أن تم اختطافه في العاشر من أيار 2005 في دمشق يوم الاثنين ليلة الثلاثاء بطريقة عصابتيه حيث قامت مجموعة من أزلام البعث بالسطو على مقر إقامة الشيخ العلامة معشوق الخزنوي بدمشق وأجبروه على الذهاب معهم واقتادوا الشيخ إلى مكان مجهول إلى تم أودع في سجن صيدنايا السياسي قرب دمشق على أثر ذلك خرجت الجماهير إلى الشارع في مظاهرات داخل سوريا وخارجها مطالبة السلطات السورية بالإفراج عن الشيخ الخزنوي كما أدانت منظمات حقوقية وأحزاب سياسية ودول هذا العمل الخسيس من قبل أجهزة الأمن السورية ، إلا أن السلطات السورية لم تستجب لذلك ، و أصرت على احتجاز الشيخ عندها مستجوبة إياه مستخدمة الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى ، بينما تحدثت أوساط سياسية سورية عن امتلاكها وثائق تثبت حضور الرئيس السوري بشار الأسد جلسات الاستجواب
ونظرا لعدم استسلام الشيخ معشوق لطلباتهم الدنئية تعرض للترهيب الشديد وأنواع شتى من التعذيب على إثرها أدخل إلى مشفى تشرين العسكري بدمشق في يوم 28/5/2005 كما صرح بذلك أحد الأطباء الذين أشرفوا على إعطاء الشيخ الإسعافات التي قدر عليها لمداواته وإنقاذ ما ألحق به من آذى إلا أن الطبيب أكد مغادرة الشيخ المشفى بعد ساعات بمعية الفرقة الأمنية التي جاء بصحبتها إلا أنه غادر وهو على قيد الحياة رغم الحالة السيئة التي كان عليها
وفي يوم 31/5/2005 ليلة 1/6/2005 قامت الإدارة العامة بإيعاز من القصر الجمهوري باصطحاب نجلي الشيخ الشهيد الشيخ مراد والشيخ مرشد بطريقة أمنية بحتة والمغادرة بهما دمشق الى مدينة دير الزور حيث سلمت لهما جثمان الشيخ بعد أن مارسوا تمثيلية على أنها كانت مدفونة بينما أكد نجلي الشهيد انهما شاهدوا قبرا مفتوحا أخرجت جثت الشيخ منها وهي بحالة جيدة وغير متسخة وانهما لم يشاهدا القبر وهو يفتح ، وأكد نجلي الشيخ الشهيد وجود علامات التعذيب والتشويه الواضحة على جثة شيخ الشهداء ، وعندها قامت أجهزة الأمن أيضا بممارسة قمعية مع أنجال الشيخ حيث أن المشهد انتهى عند الساعة السابعة صباحا من يوم 1/6/2005 بينما لم يسمح لهما بالإعلان عن مصير الشيخ إلا عند الساعة الثانية عشر ظهرا
بعدها توجه نجلي الشيخ بكل ما يحملناه من أسى وحزن بصحبة جثمان شيخ الشهداء الطاهر قافلين الى مدينة قامشلوا التي عشقها الشيخ الشهيد ليدفن في مقبرة الشهداء بقدور بك بصحبة فرقة أمنية
إثر وصول الخبر إلى مدينة قامشلوا انتشر انتشار النار في الهشيم وسرعان ما توافدت على قامشلوا الجماهير من المدن والقرى وخرجت إلى مدخل مدينة قامشلوا منتظرة جثمان الشهيد في مظاهرة مليونية ، وصل جثمان الشيخ إلى مدخل المدينة الساعة الرابعة عصرا واستقبل المليون شيخهم ليودعوه وهم بهتفون بحياته وحياة أبنائه ومشوا سيرا على إقدامهم حيث جامع الشيخ في حي حلكو للصلاة عليه تأخر وصول الجثمان بسبب الجماهير المليونية التي خرجت لوداع الشيخ ، حيث كان الجثمان الملفوف بالعلم الكردي محمولا على الأكتاف ، صلي على الشيخ الشهيد في جامعه الذي بناء ومنبره الذي كان يصدع من فوقه بكلمة الحق صلي على الشيخ في جامعه والمنبر والمحراب تبكيه ، ثم طاف المليون بجثمان شيخ الشهداء شوارع قامشلوا وصولا إلى منزل الشيخ الشهيد الذي غرق بالبكاء والعويل حزنا على فراق هذا البطل ، وبحنكة من نجل الشهيد الشيخ مرشد حاول إقناع العائلة بعدم دخول الجثمان إلى المنزل نظرا لتأخر الوقت وتعب الناس حيث الوقت الساعة الحادية عشر ليلا توجه المشيعون بشيخهم إلى مقبرة الشهداء بقدور بك حيث وري الثرى في مشهد مهيب و قامشلوا تبكي والمشيعون يرددون ( قامشلوا فارغة و شيخ معشوق غير موجود )
ومنظر أخر أشعل فتيل الغضب والغيظ لدى الجماهير ، فأثناء مواراة الشيخ الشهيد في مرقده علا صراخ طفل في التاسعة من عمره وهو يبكي فوجئ الناس بالشيخ مرشد وهو يهدئ الطفل ويقول له كفى يا قتيبة ، إنه قتيبة صغير الشيخ الشهيد ، لكم الله يا أبناء الشيخ
واختتم تشيع الشيخ الشهيد بكلمة نجله الشيخ مرشد بعد إلقاء كلمات التأبين من قبل بعض الأحزاب والمنظمات والكتاب شكر الشيخ مرشد الناس على ما بذلوه معاهدا أباه الشيخ الشهيد أن يكونوا على طريقه يكملوا المشوار
وعلى مدى ثلاثة أيام أقيم عزاء أمام منزل الشيخ الشهيد شاركت فيه مدينة قامشلوا مستقبلة وفود المعزين برحيل شيخ الشهداء من المدن والقرى والمحافظات السورية ودولتي تركيا والعراق مشهد مهيب ستبقى في ذاكرة قامشلوا ولن تنسى شيخنا ضحى بدمه من أجلها
رحمك الله يا شيخنا شيخ قول الحق ، شهيد المنبر والمحراب