
عفرين” تنكأ “جرح كركوك”.. وتضع أميركا في دائرة الشك
كوردستريت – مقالات
بقلم ياسين طه محمد صحفي وباحث من كردستان العراق
الحملة التركية لاجتياح أولى المقاطعات السورية التي اختبر الوحدات الكردية التابعة لحزب العمال “PKK” الحكم الذاتي فيها “عفرين”، نكأت لدى الكرد جرح خسارة مدينة كركوك قبل أشهر قليلة في ظروف ولعبة إقليمية مشابهة جرت في العراق.
ليس خافياً أن هناك شعوراً بالتماثل بين أكراد العراق وأكراد سوريا؛ حيث تتلاقى المشاعر والقناعات في أن ما يجري في “مقاطعة الزيتون”، أي عفرين، هو امتداد وتكرار لما حصل مع جماعات كردية في أكثر من مناسبة ومكان.
هجومهم على عفرين، ما أحيا ذكريات أليمة لدى أكراد العراق، إلا أن عقبات وانقسامات بنيوية، تحول دون توحيد الخطاب الكردي، والالتفاف حول ثوابت واستراتيجيات لمواجهة التحديات التي تعصف بهم في كلا البلدين.
مدينة السليمانية الخاضعة لنفوذ حزب جلال طالباني، “الاتحاد الوطني”، شهدت تظاهرات وفعاليات للتنديد بالحملة التركية.
التظاهرات رُفعت فيها أعلام حزب “PYD”، الكردي السوري، وشعارات تمجد مسيرة حزب العمال “PKK”، لكن محاولات إقامة تظاهرات وتجمعات مشابهة في دهوك الخاضعة لسيطرة حزب مسعود بارزاني، “الديمقراطي الكردستاني” قُوبِلت بالتفريق عبر استخدام القوة، وكانت التجمعات في العاصمة أربيل محدودةً، رغم احتضانها آلافاً من الكرد السوريين سياسيين وأحزاباً ولاجئين، في صورة واضحة لانقسام الكرد تجاه أزمة تتعلق بقضيتهم التاريخية، وحتى برلمان كردستان تعثر في تخصيص جلسة لمناقشة قضية عفرين وبعد مقاطعة كتل معارضة خرج ببيان لا يترتب عليه أي التزام قانوني.
ساحل المتوسط، الذي يشكل مجرد الاقتراب منه حلماً بالنسبة لهم ومفتاحاً لخروجهم من لعنة الجغرافيا السياسية المحيطة بهم.
ففي حين أدانت قيادات من الاتحاد الوطني، “أصدقاء إيران”، الهجوم التركي بأشد العبارات وتحدث بعضهم عن الاستعداد لإرسال مقاتلين “بيشمركة” إلى سوريا لنصرة مقاتلي “وحدات حماية الشعب” في الميدان، تجنبت تصريحات وبيانات الزعيم مسعود بارزاني وابن شقيقه “نيجيرفان” في الأيام الأولى للمواجهات إدانة الحملة التركية بشكل مباشر، واكتفت بالدعوة لإنهاء المواجهات مراعاة لحليفهم القديم أردوغان، رغم القطيعة والشروخ التي تشهدها علاقاتهم بتركيا منذ أربعة أشهر على خلفية تداعيات “استفتاء الاستقلال”.
هذا الخطاب المرن تجاه تركيا طغى على الموقف الرسمي لحكومة كردستان التي يقودها الديمقراطي، حيث اقتصر أول بيان لمجلس وزرائه على دعوات لضبط النفس وإبداء القلق بشأن تعرض المدنيين للمخاطر.
ومنذ الأزمة السورية تحول الحزب “الديمقراطي الكردستاني” الذي يقوده بارزاني إلى حاضنة لأحزاب “المجلس الوطني الكردي” المعارض لـ “PYD”، ويؤّمن هذا الحزب الغطاء السياسي والدعم المادي لآلاف من المقاتلين المنتمين لتلك الأحزاب المعروفين محلياً بيشمركة “روج”، المنتشرين في إقليم كردستان بسبب منعهم من العودة إلى المناطق الكردية في سوريا من قِبل “وحدات حماية الشعب” الذراع العسكرية لـ”PYD”.
في المقابل تحظى تجربة المقاطعات الكردية التي تقودها الوحدات الكردية المقربة من “PKK”، بتمثيل ونشاطات وإشادات لدى مناطق نفوذ الاتحاد، رغم عدم وجود تماس وحدود للسليمانية مع الأراضي السورية والإدارات الذاتية في “غرب كردستان روج آفا”.
وعكس هذا الاصطفاف السياسي والإقليمي وجدت أوساط إعلامية ومنصات تابعة للديمقراطي الكردستاني ضالتها في “واقعة عفرين”، للتهكم على جناح نافذ للاتحاد الوطني، عبر الإشادة بصمود المقاتلين المرابطين في عفرين، في حين رضخ قادة في حزب طالباني لصفقةٍ فتحت الباب للانسحاب من كركوك دون قتال، برعاية إيرانية لصالح سيطرة بغداد على هذه المدينة الغنية بالذهب الأسود والتي طالما أطلقت عليها في الأدبيات الكردية “قدس كردستان”.
وبعيداً عن المواقف الحزبية والحسابات السياسية، يدور جدل محموم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أوساط كردية واسعة بشأن ضرورة مراجعة الموقف من الولايات المتحدة وإعادة النظر بالثقة المفرطة بالدعم الأميركي بعد تخلّي واشنطن عن حلفائها الكرد “قسد”، في لدغة جديدة من نفس الجحر بعد كركوك، لحظة هجوم القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي عليها، وقبل ذلك تخلّي هنري كيسنجر عن ثورة الأكراد في سبتمبر/أيلول في 1975.