كوردستيت|| مقالات
.
إدريس سالم
.
قضية اختفاء واغتيال الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي أُعدّت سلفاً في أروقة دبابير الاستخبارات الخارجية. سيذكر التاريخ أن أعظم عملية قامت بها الاستخبارات السعودية بسرّية تامّة، عَلِم بها جميع سكان الأرض. انتهت الصفقة الاقتصادية، قبل أن يبدأ التحقيق حول ملابسات مقتل خاشقجي، وتظهر النتائج على أنه توفي في شجار مع الموظّفين «أتوفّي في شجار مع موظفي القنصلية أم في صراع مع الاستخبارات السعودية والأمريكية؟! ثم أين الجثّة؟!».
.
هذه الجريمة التي تحوّلت إلى لعبة سياسية وابتزاز إعلامي ومقايضات اقتصادية، لدى أطراف عديدة، ليست استثناء في السياسة السعودية، هذا هو الحال أيضاً في العديد من الدول العربية الأخرى والغربية أيضاً، إذ إخراس الكلمة الحرّة هو انعكاس هاجس الخوف الذي يسود أوساط السلطات الديكتاتورية وأجهزتها الأمنية، والتي تُدرك تماماً أن زمنها قد ولّى، كما حدث بأماكن عديدة أخرى في العالم.
لقد جنّ جنون الإعلام العربي والإقليمي والدولي والعالمي حول هذه الحادثة، التي تعتبر عادية وعرضية لدى مراكز صناعة الحروب والأزمات، فالكلّ بات يشعر فجأة بإنسانيته وآدميته، إذ تركوا القضايا المصيرية للشعوب المنكوبة في الشرق الأوسط، من مسلسل الدم السوري، والمجاعة اليمنية، والتشيّع العراقي واللبناني بقوّة الحرب والحديد، ومستقبل القضية الكوردية التي تعدُّ مفتاحاً إستراتيجياً لإيقاف الحروب الدموية في هذا الشرق، والتعامل معها وفق منطق المصالح الاقتصادية والصفقات العسكرية، والتحقوا بخاشقجي، فقط ليكون لكلّ منهم حصّة من الكعكة المغموسة بدم الأبرياء.
.
لماذا لم تُحال ملفّ الانتهاكات والمجازر التي ارتكبتها الفصائل الإسلامية المتطرّفة في مدينة عفرين الكوردستانية إلى مجلس الأمن الدولي، وتتداول على الإعلام العربي والدولي والعالمي، بهذه القوّة التي تداولوا فيها قضية مقتل واختفاء جمال خاشقجي؟ لماذا لم يستطع أحد أن يتفوّه بكلمة بحقّ الرئيس التركي، وسياسته العدوانية القمعية ضدّ القضية الكوردية في الغرب والشمال الكوردي؟ أين الضمير العربي والغربي والشرقي ممّا تفعله التنظيمات المتطرّفة بحقّ أشجار وحبّات الزيتون في عفرين، وهم في كلّ عام يحتفلون بعيد الفئران والقطط والكلاب والتماسيح والحمير؟ أين كان ضمير الإعلام العربي والتركي والدولي والعالمي من المنح الروسي والأمريكي الضوء الأخضر لتركيا والفصائل الإرهابية – المحظورة دولياً وأمريكياً وروسياً وأوروبياً – لمهاجمة مدينة عفرين، وتشريد سكانها، وتدميرها تدميراً تعليمياً وقومياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً وجغرافياً وزراعياً؟
.
أقاموا حفلة هيسترية في سبيل الكشف عن مصير جمال خاشقجي، في حين لم تتحرّك إدارة الدول المعنية بالملفّ السوري في كشف مصير قَتَلة الشهيد الكوردي مشعل التمو، الذي اغتيل برصاصات غادرة، وكانت سبباً في الفوضى التي تعمّ السياسة الكوردية في غربي كوردستان، وانقسام الشعب بين أحزابها المؤدلجة والتقليدية، التي بمعظمها تخلّت عن مبادئها وأنظمتها الداخلية وأسُسِها وثوابتها القومية والكوردية.
.
فيما أمريكا التي تحرّكت عبر أعلى المستويات، واصفة قضية الخاشقجي بالقضية الإنسانية والمصيرية، في المقابل أسأل أمريكا ورئيسها التاجر وكونغرسها وبيتها الأبيض واستخباراتها أين كنتم من التجاوزات والخروقات الدستورية والقانونية لفصائل الحشد الشيعي العراقي، التي تحرّكت وأتمرت من خلال توجيهاتكم للحكومة العراقية، بضرورة مهاجمة مدينة كركوك الآمنة والمُسالمة ومواطنيها في 16 أكتوبر من عام 2017، وتشريد ساكنيها، واستشهاد العشرات من الأبرياء وقوّات البيشمركة؟
.
أما روسيا التي دخلت إلى الخطّ، للدفاع عن شريكتها إيران، من خلال كلمة ألقاها “فلاديمير بوتين” في الاجتماع السنوي لمجموعة “فالداي”، أنه توجد مسؤولية على عاتق أمريكا في قضية اختفاء جمال خاشقجي، وأنه من الضروري انتظار نتائج التحقيق، قبل تخريب العلاقات مع السعودية، في المقابل لماذا استخدمت روسيا كل “الفيتوهات” في سبيل الدفاع عن بشار الأسد والنظام السوري بدل الدفاع عن تهجير الملايين من السوريين إلى دول إقليمية وأوروبية، وتخريب وتدمير المناطق السورية المأهولة والمسالمة بطائراتها وجنودها وميليشياتها العسكرية وأسلحتها الكيماوية؟
.
أتساءل:
ماذا عن الصحفيين الكورد والعرب والأتراك والأجانب، الذين قتلوا وخطفوا واغتيلوا على أيدي التنظيمات الإرهابية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وأنظمتها، والمؤتمرة من الاستخبارات الدولية، التي تدير أزمات الشرق الأوسط وكوارثها؟ ماذا عن “شِفا كوردي” الإعلامية والمراسلة في قناة روداو؟ ماذا عن “أركان شريف”، المصوّر والصحفي في قناة كوردستان، الذي استشهد في كركوك طعناً بالسكاكين على أيدي مجهولين من الحشد الشيعي؟ ماذا عن اغتيال “ناجي الجرف” الصحفي السوري الذي اغتيل غدراً في غازي عينتاب بتركيا؟ والأهم ماذا عن (463) صحفياً وناشطاً إعلامياً ممَن قتلوا واغتيلوا في الحرب السورية، بحسب إحصائية موثّقة للشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي يعود تاريخها لعام 2015؟
.
هذا ووصفت “كارين عطية” محرّرة الآراء العالمية في صحيفة “واشنطن بوست” التفسير السعودي لمقتل خاشقجي هو محض هراء ومثير للحيرة، لتوضّح أنه لم يمت أثناء شجار، بل قتل بأيدي رجال سعوديين وفي مقرّ القنصلية، متساءلة: «ما هو نوع القتال المتكافئ الذي كان سيخوضه جمال ضد 15 رجلاً آخرين؟ ومَن الذي يجلب منشار العظام إلى نقاش؟»، فهل ستظهر جثّة المغدور ليصدّق الرأي العام الرواية السعودية؟!