حرب الباردة كانت قاسية بقدر بشاعة مصالح الدول الكبرى وتحقيقها على حساب الشعوب. كانت إيران الشاه تشكل الحرس الأمين لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية طوال ثلاثة عقود بعد أن تحولت من موقع كان للنفوذ البريطاني عليه حُسْبَةً استراتيجية إلى موقع تَمَخْفَرَتْ للحراسة على المصالح الأمريكية في الخليج الفارسي لتأمين الطاقة من المواد النفطية.. وبعد حرب تشرين والسناريوهات التي قام بها هنري كيسينجر – وزير خارجية أمريكا في السبعينيات من القرن الماضي – في أعقاب الحرب والبدء بعملية السلام بين العرب واسرائيل, حيث تمت عملية فض الإشتباك بين سوريا وإسرائيل في أواخر عام 1974 والبدء في اللعبة على الجبهة المصرية إلى أن وقعت إتفاقية ( كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل عام 1978 ووضع الملف في غرفة الإنعاش للبدء بتغيير موقع إيران بعد أن أدركت الولايات المتحدة أن قضية فلسطين أصبحت باكورة الإرتكاز لكل الأنظمة العربية, وأن حالة الإستقرار لايمكن البقاء عليه في وضع تتصاعد المقاومة الفلسطينية اليسارية ضد الوجود الإسرائيلي, وتتجذر تلك المقاومة وسط الشارع العربي, حيث تشكل ضغطاً مباشراً على رأس الأنظمة المرتبطة بالمصالح الأمريكية والغربية. فكان لابد من إيجاد قوة تهدد منطقة الخليج لطرف النظر عن الوجود الإسرائيلي أو التخفيف عن الأنظمة العربية في حال وجود خطر أكبر على المنطقة العربية, وبالتالي تم وضع خطة لدعم آية الله الخميني الشيعي وإيصاله إلى سدة الحكم في طهران, ومن ثم العمل على إشعال تلك الحرب المجنونة بين العراق وإيران لإلهاء العرب وإبعاده عن خط المواجهة مع إسرائيل, وإشغاله بإيران التي باتت تهدد بشكل مباشر بنية الأنظمة في دول الخليج العربي وممالكها, وخاصة في العقد الأخير الذي تعنون بعملية تخصيب يورانيوم, تمهيداً لإمتلاك السلاح النووي. واللعب من خلاله دور الدولة القيادية في المنطقة بعد مد جسور التعاون والتواصل مع كافة المنظمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
يبدو كان محقاً ذلك السياسي الأمريكي في كل ما صنعه من التبديل السياسي لجغرافية المنطقة عندما قال بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد المشهورة: نحن الآن نودع الحرب بين العرب وإسرائيل في وقت لايمكن أن تُشَنَ حروب ضد إسرائيل بدون مصر ولايمكن توقيع سلام بدون سوريا. إلا أنه أوصى المخابرات المركزية الأمريكية بفتح الدعم اللوجستي وبسرية تامة لإيصال خميني إلى سدة الحكم في طهران وتبليغ الشاه ” عن عدم صلاحيته للبقاء ” لتبدأ المظاهرات المليونية في شوارع غالبية المدن الإيرانية. فهل فعلاً نجح كيسنجر في سياسته, ” لتبدأ الحكاية من الشرق ؟ ” .
الحرب الخفية بدأت في الخليج مع الدور الإيراني الذي بدأ يهدد المنطقة تحت عنوان ( تصدير الثورة ) وترهيب الدول الخليجية من مغبة تلك الثورة التي انتصرت بانتفاضة جماهيرية , حيث تهيجت مشاعر الشيعة في كل البلدان الإسلامية وخاصة العربية منها, لترحب بانتصار ” الثورة ” الإسلامية والمناداة بدعمها للشارع الشيعي وتكرار الثورة في كل البلدان التي تتواجد فيها الشيعة…… كان النظام السوري من أول المؤيدين والداعمين لها تحت عنوان ” الثورة من القم إلى تحرير القدس ” عبوراً ببغداد وعمان.. فكانت تأسيس حزب الله اللبناني أول تجربة لإيجاد موطيء قدم للسياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط . لتصبح القضية الفلسطينية جسراً لعبور إيران الفارسي الى الشارع العربي والإمساك بزمام المبادرة والإستيلاء على قرار الحرب والسلم مع إسرائيل” المعاداة العلني.. والحفاظ على أمن إسرائيل في الخفاء “. وإلى يومنا هذا تستمر هذه السياسة ” التي تشبه الطقس في شهري شباط وآذار” حرب بين إيران وأمريكا في العلن, والفاتورة تدفعها شعوب المنطقة… وستستمر الحالة ما دام الملالي يتحكمون بهذه السياسة بتوافق أمريكي. وأن التقارب الأمريكي الإيراني في هذه الأيام العصيبة على الشعب السوري يؤكد على ما أسلفت به, حيث الحكومتان اتفقتا على تدمير سوريا إستعداداً لتنفيذ إستراتيجية في المنطقة ما بعد سوريا. وأن تخبط الدول الخليجية في دعمها للمعارضة السورية كان نتيجة ردود أفعال من الدور الإيراني في افتعال الأزمة في سوريا وجعلها بؤرة للإرهاب والإرهابيين من مختلف المنابع والمشارب, وأن مليارات الدولارات التي انكبت على المتطرفين الإسلاميين قضت على الثورة السورية وجذرت الوجود السلفي الإرهابي من جهة, وإشعال نار الفتنة بين مكونات الشعب السوري من جهة أخرى على مرئى ومسمع الأمريكيين من دون تدخل.
أما رحلة المفاوضات بين الدول 5+1 وإيران حول الملف النووي الإيراني ليست إلا نوعاً من أنواع التهدئة إلى أن ينتهي الملف الكيماوي والإنتهاء من تدمير ترسانتها, لنعود ونرى نوعاً آخر من التحرك الدولي باتجاه تحييد دول الخليج من الأزمة في سوريا ووقف تدفق الأموال للمتطرفين الإسلاميين وتشفيف ينابيع دعمها, لتتولى أمريكا في التمسك بمفاصل المعارضة والعمل على إيجاد مخرج لمحاصرة المجموعات الإرهابية بالتعاون مع الإستخبارات الإيرانية التي تمتلك نوع من أنواع السيطرة في التعامل مع الإرهابيين والقاعدة.
لتبدأ الحكاية من الشرق باتجاه التوافقات التي تنتظر أمريكا مع طهران لوضع خارطة طريق لمستقبل سوريا لتتحول إلى بسطة شراكة الدول النافذة في المحصلة النهائية على نتيجة تغيير في الجيوسياسي في الشرق الأوسط الجديد الذي ترى إيران نفسها معنية بكل تغيير على الأرض وتحقيق المصالح وفق معادلة التعاون المتوازن ( هات و خود ) للوصول إلى شيء من الإستقرار الدولي في المجالين السياسي والإقتصادي. ويبدو أن إيران البيدق الذهبي في تحركها من أجل التغيير والإصلاحات السياسية في المنطقة كجسر لعبور المصالح الدولية على أرضية الحفاظ على المصلحة الإيرانية والتماشي مع حالة ” الثورة ” التي تعنونت بها الحالة العربية من دون عنوان واضح المعالم والمسالك كحالة مصر واليمن, وإلى حد قريب الحالة الليبية والتونسية. من دون أن نفقد تصويب الحالة السورية كسفينة تنقاد بربانين متعاكسين لتدار العنفات المتعاكسة من دون تحريك السفينة إلى أن تتحدد الإتجاه نحو تحقيق مصالح الدول النافذة ولو على حساب أشلاء من الدولة السورية التي تجابه حكاية الشرق من بداياتها لتنتهي في بيت المقدس” إن صح التعبير ” فهل يبقى للعرب سبباً لمعاداة إسرائيل أو الوقوف أمام حتمية التغيير التي ستنتج خارطة جديدة لشرق أوسط جديد؟
أحمـــــــد قاســــــــم 13\12\2013