
كوردستريت || الاّراء
.
أقاليم شمال سوريا نعني بها مناطق التي تشكلت فيها الإدارات الذاتية و المدنية و التي يحميها وحدات حماية الشعب و المناطق التي حررها قوات سوريا الديمقراطية من تنظيم داعش.
.
وهذه الأقاليم تشمل كافة مناطق أقليم الجزيرة الممتدة من ديريك إلى سري كانيه بما فيها مدينة الحسكة و كذلك مناطق كوباني و تل ابيض و جميع مناطق إقليم الفرات و عفرين و الشهباء و مناطق منبج و مدينة الرقة و مناطقها الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية و كذلك مناطق دير الزور الواقعة في الطرف الشرق للفرات .
.
الإقليم التي تشكلت فيها ادارات ذاتية و مدنية تتبع نظام لامركزي و لها المئات من الهيئات التنفيذية و التشريعية و القضائية و الخدمية و الأمنية. وتدار من قبل مكوناتها العرقية و الدينية ،وليس لها أية صبغة قوموية ،و إن كان الجانب الكردي هو الصاحب المشروع و يشكل الأساس في تطوير هذه التجربة ،و لكن كافة الادارات و الهيئات لا تحمل إية صبغة قوموية،و يتشارك كافة المكونات في تاسيسها عبر قوانيين تنظم عملها .
.
لكن مع ذلك ما تزال تجربة تشكيل هيئات الإدارات الذاتية و المدنية تعاني من ضعف مشاركة بعض المكونات و سيطرة مكون واحد على أهم الهيئات و خاصة هيئات صنع القرار. و بقاء تلك الهيئات بهذا الشكل سيولد ردات فعل قد تخلق مشاكل عديدة في مواجهة تطوير هذه الهيئات ،و لذلك يجب ان تتحول الهيئات من مجرد هياكل شكلية إلى مؤسسات و هيئات تملك إرادة القرار و التطبيق،و لا يتحكم بها مكون معين و لا تدار من شخصيات ليس لها صفة رسمية في تلك الهيئات،فمثلا ادارة منبج من الضروري ان تمثل منبج و مكوناتها ،و كذلك إدارة مناطق ديرالزور و الرقة يجب ان تكون اعضاءها من ابناء هذه المنطقة و ليسوا من خارجها، طبعا هناك صعوبات عديدة تظهر أثناء تشكيل هذه الإدارات مع صعوبة ايجاد اشخاص يكونون فعلا مناسبين لهذه المهمة ،مع ذلك من الضروري ان يكون اعضاء الهيئات من شخصيات معروفة بالنزاهة و السمعة الحسنة و الوعي .
.
اتباع طريقة إدارة شمال سوريا بأساليب الدولة العميقة هو خطأ في حال استمرت اكثر من ذلك ،يجب ان يكون كافة الكوادر الحزبية و القيادات السياسية ضمن الهيئات بشكل رسمي و لا يكونوا خارجها و يتحكموا بها، استمرار ربط الهيئات بكوادر حزبية هي خارج هذه الهيئات ستجعلها في حالة الفوضى الدائمة و كذلك ستبقى في حالة تحكم و تسلط شخص واحد بالهيئة،و تتحول الهيئة إلى مجرد هيكل شكلي لا تاثير لها إطلاقا .
.
من النواحي المهمة التي تعطي الثقة لاستمرار عمل الهيئات هو الجانب الأمني،و من أجل اضعاف تلك الهيئات فإن القوى المعادية لهذه التجربة تنفذ عمليات اغتيال منظمة بحق أعضاء تلك الهيئات لاضعافها و خلق عدم الثقة و القلق و الخوف و بالتالي ابعاد الناس عنها،و لذلك فإن حماية اعضاء تلك الهيئات يجب ان تكون من الأولويات. فمثلا حينما نتحدث عن مجلس المدني لرقة فنحن لا نتحدث عن هيئة عادية بل هي بمثابة حكومة تدار منطقة اكبر من بعض دول الشرق الأوسط،و لذلك فان حماية اعضاء هذه الهيئة هي حماية للاستقرار و الأمان ،و كذلك هي تعطي الثقة لاستمرار عمل هذه الهيئة المهمة .
الجانب الأمريكي ما يزال موقفه غير واضح في دعم هذه الهيئات و يقتصر تنسيقه حتى الأن في الجانب العسكري مع قوات سوريا الديمقراطية و من أجل محاربة تنظيم داعش .
.
وهذا الموقف الغير واضح له أسبابه العديدة تتعلق بمجملها بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية،و إحدى الأسباب المهمة التي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتردد في دعم هذه الهيئات هو طغيان الجانب الحزبي في عملها و عدم وجود مسافة بين هذه الهيئات و بين حزب يعتبره الولايات المتحدة من المنظمات الغير مرغوبة لديها .
.
نشر الاعلام الحزبية و الصور و اللافتات التي تمجد حزب معين و بشكل غير منظم و عشوائي هي من أسباب التي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتردد في دعم هذه الهيئات،و يشتكي العديد من المنظمات الغربية و خاصة الاميركية العاملة في شمال سوريا من قوة نفوذ كوادر الحزبية من الكرد أو الموفدون من قبل تف دم (كادرو) في صناعة القرار، و كذلك هناك انطباع سائد بوجود حكومة ظل خلف هذه الإدارات المدنية و أنها غير مستقلة بصناعة قرارها بل تعتمد بالرجوع على دوائر ضيقة (غير معروفة بالنسبة للكثيرين) هم كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي و بعض الأحيان كوادر غير سورية الجنسية.
.
وان أردت الادارة الذاتية فعلا ان تكون مؤثرة فهي بحاجة إلى إجراء تغيرات جذرية في هيكلية هيئاتها و جعل هذه الهيئات صاحبة القرار و ليست مجرد هياكل شكلية و لتنفيذ الأوامر و التعليمات الحزبية،و كذلك تطوير علاقاتها الدبلوماسية عبر تشكيل هيئات من اصحاب خبرة دبلوماسية ،و كذلك عبر اظهار استقلاليتها و تحرك بمنطق ادارة مجتمع و ليس كإدارة حزبية تابعة لجهة سياسبة معينة.و نحن هنا نتحدث عن جميع الهيئات المدنية و الأمنية و الخدمية .
ونحن هنا لا نحاول التقليل من الجانب الفكري و الايديولوجي ،بل العكس يجب الاستمرار في تطوير الدورات التعليمية والتدريب الفكري، و لكن و من منطق مصلحة تجربة شمال سوريا للادارة الذاتية و المدنية ندعو إلى التعامل المنطقي و الواقعي البعيد عن المنطق الحزبي الضيق في التعامل مع القوى و الدول.
.
والحفاظ على الفكر لا تتم عبر كثرة الصور و اللافتات و الاعلام و عبر مراقبة الهيئات بطريقة بوليسية و ربطها بشخص ليس له صفة رسمية ،بل عبر الثقة بهذه الهيئات و اعطاءها كامل الحرية بالعمل و أخذ القرار .و كذلك التركيز على الجانب التدريبي و التقليل من المظاهر الحزبية في الشوارع و الساحات و الاماكن العامة و المكاتب و الادارات.
تجربة شمال سوريا للادارة الذاتية و المدنية بكل نواقصها تشكل افضل ادارة و نظام في كامل الساحة السورية ،و لم يتم تاسيس اي ادارة افضل منها في أية منطقة سيطرة عليها فصائل المعارضة السورية المعتدلة و الاسلامية و المتطرفة و حتى التي تعتبر نفسها فصائل ديمقراطية.
.
وتجربة شمال سوريا للادارة الذاتية و المدنية تتعرض لمخاطر و تهديدات عديدة و من اجل المحافظة عليها يجب الدقة و الحذر و عدم إعطاء أية حجة لتدخل تلك القوى المعادية و لذلك نحن نقترح هذه التغيرات التي نعتقد إنها ستكون في مصلحة الحافظ على هذه تجربة .
.
نورالدين عمر