كوردستريت || الصحافة
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير لها الخميس 28 يناير/كانون الثاني، أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، قد بدأ فعلاً عملية إبعاد أنصار ترامب من جل مناصب المسؤولية وفي جميع الإدارات، إذ عيَّن قرابة ألف من المسؤولين على أعلى المستويات في نحو ربع جميع الوظائف السياسية المتاحة للتعيين بالحكومة الفيدرالية.
يقول التقرير نفسه، إنه عندما استمع الرئيس بايدن إلى أفراد فريق إدارته الجديدة أثناء تأدية اليمين الدستورية، في حفلٍ أُقيم عبر اتصالٍ بالفيديو نهاية الأسبوع الماضي، بدا الأمر كأنّها أكبر محادثة عبر Zoom في تاريخ البلاد. وفي الواقع كانت هناك عمليةٌ انتقالية أقل وضوحاً تحدث وراء الكواليس: الإقالة الهادئة لمن احتفظوا بمناصبهم منذ عهد إدارة ترامب السابقة، والذين طُلِبَ منهم إخلاء مكاتبهم على الفور، بغض النظر عن العواقب القانونية النهائية.
إذا كانت هناك سمةٌ مميزة واحدة للأسبوع الأول في إدارة بايدن، فهي الوتيرة المتسارعة التي ترك بها الرئيس الجديد بصمته على ما وصفها دونالد ترامب بـ”الدولة العميقة” العدائية وحاول تفكيكها.
إذ وصل فريق بايدن إلى واشنطن مع خططٍ لكل وزارة ووكالة حكومية إلى جانب جداول تشتمل على أسماء جميع المسؤولين عن تنفيذها، بدايةً من البنتاغون حيث كان هناك نحو 20 من كبار المسؤولين جاهزين لبدء مهامهم قبل أيامٍ من تأكيد مجلس الشيوخ تولّي لويد أوستن منصب وزير الدفاع، وصولاً إلى إذاعة “صوت أمريكا”، حيث جرى استبدال القيادة التي عيَّنها ترامب قبل ساعات من التنصيب.
لدرجة أنّهم جهّزوا بديلاً لطبيب الرئيس، شون كونلي، الذي اعترف بتقديم وصف طبي وردي لأعراض كوفيد-19 التي ظهرت على ترامب ينص على أن الأمر ليس خطيراً، وقد طُلِبَ منه حزم أمتعته الطبية استعداداً للرحيل. وبينما يحضر كل رئيسٍ طبيبه في نهاية المطاف، لم يُهدر بايدن وقتاً قبل إعادة العقيد المتقاعد كيفين أوكونور، الذي كان طبيب الرئيس إبان تولّي بايدن منصب نائب الرئيس.
فقد كان بايدن قد اختار جميع وزراء حكومته ونوابهم المباشرين تقريباً قبل توليه المنصب الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني، وغالبيتهم وجوه مألوفة من إدارة أوباما، لكن إلمام الرئيس الحقيقي بمستويات السلطة تجلّى في المستويات الدنيا من الحكومة.
ففي مجلس الأمن القومي، قال البيت الأبيض إنّ بايدن “ضاعف تقريباً عدد الموظفين الجاهزين لبدء العمل مقارنةً بترامب عام 2017 وأوباما عام 2009″، لم يُقدّم البيت الأبيض أرقاماً محددة، لكنّه قال في بيانه إنّها تعكس “الحاجة المُلحة لبناء -أو إعادة بناء- قدرات البلاد في مجالات مثل المناخ، والأمن السيبراني، والصحة العالمية، والأمن والدفاع البيولوجي، والديمقراطية من الألف إلى الياء”.
سيجد الموظفون الجُدد أن عملهم قد تحدّدت ملامحه بالفعل.
إذ قال مايكل بيكلوس، المؤرخ الرئاسي الذي كتب عن العديد من عمليات انتقال السلطة: “فيما يتعلّق بالتعيينات لرئيسٍ جديد، يُواجه بايدن مهمةً أصعب بكثير من مهمة ترامب. إذ إن إعادة بناء الحكومة عمليةٌ أصعب بكثير من نهبها، وإحباطها، وتفريغها من أي قيمة”.
فريق بايدن لم يكتف بالتعيين، ووصل الأمر إلى اجتثاث جذور ترامب، حيث تحدّدت لهجة الخطاب قبل أن يُؤدّي بايدن نفسه القَسم، ففي مساء السبت السابق للتنصيب 16 يناير/كانون الثاني، جرى تعيين مايكل إيليس الموالي لترامب، مستشاراً عاماً لوكالة الأمن القومي بناءً على أمرٍ من القائم بأعمال وزير الدفاع في حكومة ترامب. وقد كانت محاولةً كلاسيكية لاختراق البيروقراطية بتعيينٍ سياسي في تصنيف وظيفي جديد غير سياسي، مما يزيد صعوبة إقالة الشخص المُعيّن.
لكن بمجرد تولّي بايدن الرئاسة، جرى منح السيد إيليس فوراً إجازةً إدارية، بينما يُحقّق محقق عام من وكالة الأمن القومي في ملابسات اختياره للمنصب، والآن لم يعُد واضحاً ما إذا كان إيليس سيتولّى مهام المنصب على الإطلاق.
فقد قامت إدارة ترامب بمحاولةٍ مُماثلة للاختراق في الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، التي تبث إلى مختلف أنحاء العالم، لكنّها انتهت إلى نتيجةٍ مماثلة أيضاً.
إذ أُقيل بعض المسؤولين على الفور، حيث أخبر فريق ترامب، فيكتوريا كوتس، مسؤولة الأمن القومي السابقة لدى ترامب والتي عُيِّنَت رئيسة لشبكات إذاعة الشرق الأوسط في آخر أيام الإدارة، بأنّه لا يهتم بالشرط الموجود في عقدها والذي ينص على أن تخدم لعامين على الأقل وأن لا تجري إقالتها إلا في حال إدانتها بارتكاب جناية. وقد تم وقف حساب بريدها الإلكتروني الرسمي نهاية الأسبوع الماضي، فيما وصفتها بـ”التنصُّل الصادم من دعوة الرئيس بايدن إلى الوحدة والمصالحة”.
هناك فريقٌ تابع لبايدن الآن في كل وزارة، وهذا يشمل وزارة الإسكان والتنمية الحضرية التي ظلت تُدار طيلة السنوات الأربع الماضية بواسطة الوزير الغائب الحاضر، بين كارسون ومجموعةٍ من المُعيّنين ذوي التوجهات الأيديولوجية.
أول وأهم اختيارات فريق بايدن لهذه الوزارة كانت جين جونز، المستشارة السياسية الكبيرة لجوليان كاسترو، آخر وزراء الإسكان والتنمية الحضرية في عهد أوباما.
في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، التي تجاهلها ترامب على نطاقٍ واسع، تولّى 18 على الأقل من المعينين سياسياً مناصبهم الجديدة، ولكنهم لا يُمثّلون سوى نسبة صغيرة من الوزارة التي يُديرها عادةً أكثر من 100 شخص.
لكن حليفاً أو اثنين في كل وزارة بإمكانه تغيير المسار بشكلٍ حاسم. وخير مثالٍ على ذلك هو الدكتور بنيامين سومرز، عالم الاقتصاد الصحي بجامعة هارفارد. إذ تولّى منصباً كبيراً في قسم الأبحاث بالوزارة، الذي استولى عليه ترامب من قبل المُعيّنين السياسيين الذين شوّهوا التقارير وصفحات الإنترنت ووثائق التخطيط، وأزالوا الإشارات إلى قانون الرعاية الصحية الأمريكي (أوباما كير) وأضافوا مصطلحات مناهضة للإجهاض.
ومن ثم يأتي الدور على وزارة الأمن الداخلي، حيث تعطّل مرشح بايدن لإدارة الوزارة نتيجة التداعيات السياسية لمحاولات الرئيس إلغاء قيود الهجرة التي فرضها ترامب.
في وزارة العدل، حيث تراجعت الروح المعنوية إلى حدٍ كبير، ويتطلّع مسؤولو إدارة بايدن إلى البدء في إلغاء سياسات ترامب بشأن الحقوق المدنية والهجرة والرقابة على الشرطة، نجد أن كافة كبار المسؤولين المقبلين في الوزارة من المخضرمين الذين خدموا في عهد إدارات مختلفة.
بقدر ما أثار تسييس وزارة العدل حفيظة منتقدي ترامب، أغضب تحييد وكالة حماية البيئة التقدميين أيضاً، وليس من المستغرب أنّ هذه الوكالة باتت على مشارف التحوّل بالفعل أيضاً.
فقبل أسبوعٍ من يوم التنصيب، برزت مسؤولة ترامب في مكتب المياه شارلوت برتراند، لتكون المرأة التي ستتولى منصب القائم بأعمال الرئيس في حال استقالة رئيس الوكالة. وحين حانت اللحظة، لم تتمكّن من الوصول إلى المنصب.
فبعد ساعات من توليه الرئاسة أعلن بايدن تعيين جين نيشيدا، نائبة مساعد رئيس الوكالة لمكتب الشؤون الدولية والقبلية، لقيادة الوكالة حتى تجري الموافقة على تعيين مايكل ريغان في المنصب.