إن ما يجري من صراعٍ كوردي تركي على الحدود السورية التركية هو صراعٌ قديمٌ من أمد منصرم وباقٍ حتى الآن؛ حيث طفاه على السطح مؤخراً ما تقوم به القوى الكوردية من إنجازاتٍ ملموسةٍ على أرض الواقع ولم تكن سابقاً بهذا المنحى بسبب إنعكافها على حماية وإدارة شؤون المناطق الكوردية وذلك نتيجة لإستقدام أجندات خارجية وبالأخص التركية المتمثلة بجبهة النصرة التي قامت بمهاجمة مناطقنا الكوردية إعتقاداً من تركيا بأنها لو دفعتْ بهم إلى تلك المناطق فقد تتخلص من شبح قيام كيان قوي للكورد على الحدود السورية مستقبلاً؛ كما قد يكون نتيجة لما حصل مؤخراً على الساحة الإقليمية والدولية حيث فرض الكوردي نفسه بأنه الرقم الأصعب في المعادلة السورية ورغم مطالبة الكورد بحقوقهم المشروعة في أن يكونوا شركاء في بناء سورية الديمقراطية إلاّ أنهم قُبِلَوا بالرفض.
ويمكننا القول بأن الصراع هو بين طرفين؛ الأول هو الحكومة التركية والتي تجمع السلطة والشعب التركي مُستبعداً منه طبعاً كورد تركيا المتمثلين بحزب العمال الكوردستاني والذين يشكّلون أغلبية كورد تركيا وهم الطرف الثاني وما دمنا قد صنّفنا من هم أطراف النزاع علينا أن نوضح بالتالي ما الأسباب الحقيقية التي دفعت بعدد كبير من الدول في هذا الصراع.
منذ أن أنشأ اتاتورك تركية العلمانية التي تحولت من دولة إسلامية أسيوية إلى جمهورية علمانية أوربية تحالفت مع أكبر القوى العالمية لضمان بقاءها محاولةً وساعيةً لنيلِ كرسي ضمن طبقة أسياد العالم من خلال الإتحاد الأوربي؛ إلاّ أنه وبعد تزايد المدّ الإسلامي الذي أوصل بهم إلى مفاتيح الحكم للدولة الأتاتوركية وطموح الإسلاميين في إعادة أمجاد الدولة العثمانية؛ أُصيبَ العالم بصدمةٍ كبيرة وعلى إثرها تغيرت السياسة العالمية التي تحركت بدورها لوضع وإيجاد حدّ أمام الإنفجار الإسلامي التركي الجديد الذي تحدى القدرة العسكرية التركية وانتصر عليها مما دفع بساسة العالم إلى أن يختلقوا أزمة في منطقة الشرق الأوسط ما لبثت أن انجرّت تركيا إلى ما يسمى بالربيع العربي .
أما عن دخول الكورد في سوريا كطرفٍ دون غيرهم فقد جاء على إثر حصول الكورد في شمال العراق على إقليمٍ فدرالي وما حققوه من تطور وازدهار اقتصادي وعمراني ملحوظ طرأ على كافة محافظات الإقليم؛ فوّجهت تركيا أنصارها العملاء إلى المناطق الكوردية في سوريا خوفاً على أحلام الامبراطورية العثمانية التي تبخرت بعد أن فشلت في إسقاط النظام.
وأما ما دفع بشار الأسد للموافقة على أن يكون للكورد حرية في إدارة شؤونهم كخطوة تمهيدية في مناطقهم فهو أن يقوم الكورد في الشمال بالدفاع عن أنفسهم من أي هجمات خارجية وبالأخص التركية حتى يقوم هو بالتخفيف من الضغط المسلح على دمشق ويتمكن نظامه من القضاء على ما تبقى من قوى المعارضة في الداخل وبذلك يكون قد تحصن واسترجع سلطته ومن ثم يتوجه إلى الشمال .
فيما يخص القطب الروسي الصيني الإيراني فهم حلفاءٌ أقوياء للنظام الحاكم لما تربطهم بهم من مصالح استراتيجيةعلى كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية ؛ كما تعد سورية بوابتهم على المناطق الآخرى.
أمريكا والدول الغربية الآن مترددون بين نارين إما أن يساندوا تركيا في الهجوم على سوريا من أجل مصالحهم في المنطقة _وقد فشلت تركيا في ذلك_ وإما السكوت ودفع الفاتورة في المستقبل كي يرضوا حكومة إسرائيل .
إذاً فهذه الصراعات جأت نتيجة تبني سياسات فاشلة والتي أفرزتها الساحة الدولية على بلدان الشرق الأوسط؛ وإن أي سيناريو لحل الأزمة السورية من أي طرف كان, لن يكلل بالنجاح إذا تجاهلوا دور الكوردي الذي فرض نفسه على الساحة كأحد موازين المعادلة للحل المرتقب, لقد انهارت خطة الحكومة التركية مع حلفائهم (الإئتلاف الوطني السوري أو الإخوان المسلمين ومن ورائهم من القوى) الذين بذلوا ما استطاعوا من ضغط لتهميش دور الكورد في سورية المستقبل وإبقائهم مجرد أوراق لعب للمقايضة فيما بينهم حين يلزم الأمر كما كان في السابق.
ليعلم الجميع بأن هذا التغيير جاء نتيجةً لصمود شبابنا الكورد الأشاوس وما بذلوه من دماءٍ طاهرةٍ للذود وصدِّ الهجمات الهمجية على مناطق الكورد وممتلكاتهم في سري كانيه و كر سبي وجل آغا. وليسمع ويعي كل العالم من أمريكا وأوربا وروسيا ومن في فلكهم, بأن شعبنا محبٌ دائماً للسلام والتعايش بأمان مع شركائنا في الوطن وبقدر حبنا للسلام نحب أيضاً الدفاع وبكل ما آوتينا من قوة عن أرضنا وعرضنا؛ فمن يتقبلنا ويتفهم القضية الكوردية لن يلقى سوى المحبة والتعاون من طرف شعبنا ومن يرفضنا لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا وسيكون النار والدم الحكم بيننا.
عصر المكر والخداع بالكلمات المعسوله قد ولّى من دون رجعة, فعلى العشائر العربية والمسيحيين وبقية المكونات المتعايشه معنا أن تتكاتف وتضع يدها بأيدينا لنحيا معاً حياة كريمة لا تعرف الذل والهوان؛ إننا لا نهوى القتل وإنما ندفع الموت عن أنفسنا ونحب التعايش مع جميع المكونات الدينية والعرقية التي تزين سوريا كلوحة فسيفسائية بسلامٍ وأمانٍ ضمن دولةٍ ديمقراطيةٍ تحفظ حقوق شعبنا كاملة حسب المعاهدات والأعراف الدولية.