معضلات الاندماج لن تحل بالنداءات فقط
كوردستريت|| آراء وقضايا
بقلم صلاح بدرالدين
قضايا الاندماج المستعصية كظاهرة كونية عجزت عن إنجاز الحلول الجاهزة لها مراكز البحث العالمية، ومؤسسات الأمم المتحدة، والقارة الأوروبية العجوز بجميع دولها كونها خط الدفاع الأول الذي اخترقتها الثقافات المتعددة، وموجات الهجرات المليونية، وجوانبها الواسعة ذات الطابع الكوني التاريخي بعصورها الكولونيالية، واستعباد شعوب العالم الثالث، ووقف تطورها الطبيعي، وسلب خيراتها والتي تظهر الان على شكل العالم الغني والفقير، والمبتلين بالحروب الاهلية والاوبئة مقابل عالم آخر في رغد العيش، بالإضافة الى عوامل أخرى مثل صراع الهويات، وسبل تعايش الثقافات، واشكالية الجدل بين القديم (الأصيل) العصي على التغيير، والجيل الناشئ الأكثر قبولا للتجديد، ولاتنتهي بمراسيم التعازي التي لاتعدو كونها حالة إنسانية بمثابة قشرة من الجسم الأكبر.
لان طرح قضايا الاندماج وحتى الجوانب الصغيرة منها يحتاج الى دراسات ميدانية، وابحاث نظرية متكاملة، تستلهم تجارب الشعوب الأخرى، ولا تختزل بعبارة (لقاء تشاوري) الذي يلتئم عادة من اجل التحاور حول قضايا المصير مثل إعادة بناء الحركة الكردية السورية على سبيل المثال لا الحصر، وعلى ضوء تحضيرات مسبقة لمشروع البرنامج، وخارطة طريق، ووثائق تتناول مختلف تشعبات ظاهرة او قضية او مسالة الاندماج، ومعرفة مضامين القوانين السارية من البلدان المتلقية، وفرز العناصر القابلة للدمج لدى المهاجر او اللاجئ الكردي وفقا للقوانين المرعية، من أخرى غير قابلة وتحتاج الى وقت أطول لاسباب قومية، واجتماعية، وثقافية، وهنا يجب التميز بين لاجئ مؤقت جاء بسبب الحروب وسيعود مجرد حصول الاستقرار، وبين آخر قرر الاستيطان ويحتاج الى الاندماج الكامل لتنظيم الحياة الشخصية، والعائلية، والمعيشية.
ولان قضايا الاندماج تلك كبيرها، وصغيرها لايمكن تداولها على منصات خطابية جماهيرية فضفاضة، والخروج بنتائج عملية، بل ان ذلك يتطلب بداية جهودا فكرية معرفية في الطرح والتحليل، وتقديم الإحصاءات، وصولا الى أدوات التنفيذ، وانتهاء بالنتائج.
ولان شرط النجاح في فهم قضايا الاندماج والوصول الى نتائج مرضية، هو ان يتم تناولها من خلال مفكرين، ومثقفين مستقلين غير مرتبطين بالسر والعلن بجهات حزبية، وبمعزل عن تاثيرات الأحزاب الكردية السورية، التي قد تتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية في موجات الهجرة نحو أوروبا في العشرة أعوام الأخيرة، والمستمرة حتى الان، وهي النسبة الأكبر قياسا بالموجات السابقة، وتتوفر شواهد، وقرائن موثقة بهذا المجال، يمكن طرحا بالوقت المناسب.
ولان الانقسام سيد الموقف بالوطن، عاموديا، وافقيا، والكرد انقسموا شيعا واحزابا، والحركة السياسية الكردية مفككة، ويفتقر الكرد السورييون الى مرجعية واحدة، وخطاب سياسي واحد، وحتى ثقافة سياسية واحدة، ولان الفئات المتعلمة او المثقفة افتراضا، تحذو حذو الأحزاب في اتحاداتها المنقسمة على نفسها بل وبكل اسف تتبع المراكز الحزبية وبعضها امية، فقد وصلنا الى مرحلة من التردي ينتظر فيها – المثقف – ليمنحه الحزبي الرضى، ويركض فيها – المثقف – ويهرول نحو الحزبي بدلا من ان يكون العكس، والامر نفسه ينطبق على الساحة الكردستانية عموما، وهنا اسرد للقارئ هذه الواقعة: عندما اخبر مدير الشرطة الفرنسية الرئيس ديغول بانه سيتم القبض على الفيلسوف جان بول سارتر لانه خرق القوانين بانتقاداته فاجابه ديغول : سارتر هو فرنسا فهل ستقبض على فرنسا ؟ للأسف مازلنا نفتقد هذا المستوى المرموق، ولكل ذلك ليس هناك في الخارج وفي الدول الأوروبية تحديدا من يعبر عن المجموع او حتى جزءا صغيرا من المجموع، او من يمثل شرعيا ديموقراطيا، او من بمقدوره تنفيذ قرارات وتوصيات على المهاجرين الكرد السوريين حتى لو كانت حول أمور هامشية.
هناك أولويات أخرى قابلة للتحقيق
علينا جميعا من افراد، ومجموعات، وتعبيرات ثقافية، واجتماعية، وفنية محاولة العمل التوعوي الإعلامي لتحسين شروط حياة، ومعيشة، ومستقبل المهاجرين الكرد السوريين كل في مكانه، ومنطقته، والعمل على تحسين صورتهم لدى الدولة المضيفة، والخطوات الأولى بهذا الاتجاه تبدأ:
أولا – انقاذهم من وصاية الأحزاب الكردية السورية مادامت منقسمة، ومتحاربة، والتي ثبت فشلها منذ أعوام، وابعادهم عن الصراعات المصلحية بينها، وقطع الطريق على نقل ذلك الإرث البغيض الى الدول الأوروبية في بث الانقسام، واثارة الخلافات التي لاناقة للكرد فيها ولاجمل، ولو تم ذلك سيعم التوافق، والتصالح، والتفاعل الإيجابي بين صفوف بناتنا وابنائنا في المهاجر، وسيتحولون الى عامل خير ووئام، وسيكون لهم تاثير إيجابي في مسالة إعادة بناء حركتنا الكردية السورية في داخل الوطن وخارجه.
ثانيا – قطع الطريق على متفرغي، وموظفي الأحزاب الكردية السورية في أوروبا مادامت متمحورة ضد بعضها البعض، في محاولاتهم استغلال المناسبات القومية مثل العيد القومي – نوروز -، ومنعهم من استثمار شعائر ومناسبات – التعازي – لدعايات حزبية، والكشف عن العناصر الحزبية التي تتسلل خلسة الى الجمعيات، والتشكيلات المدنية الثقافية منها، والفنية، والإعلامية، بغية حرفها عن مسارها الصحيح، وتجييرها للمصالح الحزبية .
ثالثا – ماينطبق على الأحزاب والجانب السياسي، يشمل التعبيرات الثقافية غير المستقلة في أوروبا أيضا التي تتبع هذا الحزب اوذاك بالسر والعلن.
رابعا – اعود للقول : هذه ليست دعوة لمحاربة العمل المنظم السياسي، والثقافي، او مقاطعته، بل تأكيد على التعلق به، فلا خلاص لشعبنا، ولاطريق للحفاظ على ثقافته، ولاسبيل لدعم واسناد مهاجريه في بلاد الاغتراب، الا بالعمل التنظيمي الديموقراطي الخلاق وبكل الوسائل المتاحة، ولكن لدينا جميعا وعلى عاتقنا مهام قومية، ووطنية عظام، قد تكون استثنائية في هذه المرحلة بالغة الخطورة، وهي استرجاع سلاحنا الوحيد في الكفاح واعني وسيلة نضالنا المجدية وهي حركة وطنية كردية سورية سليمة، موحدة، شرعية متصالحة مع نفسها، وشعبها، جامعة لكل الطبقات، والفئات، والتيارات الفكرية والسياسية تتوافق مع شروط المرحلة التي يجتازها شعبنا، ووطننا