–محمد رشو
كرد سوريا جزء من النسيج الوطني السوري، عانوا الكثير عبر الحقب المتتالية من سلطة شوفينيين عروبيين كان آخرهم النظام البعثي، ولكن بالرغم من سياسات الصهر القومي والحرمان من أدنى الحقوق الثقافية و التي هي التحدث باللغة الأم على سبيل المثال، حافظوا على ذاتهم القومية المتجذّرة عبر التاريخ، ومارسوا نشاطاً سياسياً حزبياً، سريّاّ تارة، ومعلناّ تارة أخرى، الأمر الذي جعلهم يتصدرون قوائم المعتقلين السياسيين.
رفعوا في عام 2004 شعارات كالاعتراف بالهوية القومية الكردية والحقوق الثقافية، ولكن جوبهوا بآلة عسكرية ضخمة أدت إلى إخماد ثورتهم، إلى أن أتت الثورة السورية المباركة ليُعاد فتح ملف الأقليات وأكبرها الأقلية الكردية.
في الثورة السورية تفرّق الكرد بين مؤيد للثورة وبين من نأى بنفسه عنها باعتبارها ثورة سنية ضد نظام علوي -حسب تعبيرهم- متحججين بوقوف أغلب الشعب السوري مع النظام في عام 2004 و نعت الكرد بالانفصاليين، كما أن قسماً من الكرد وقف إلى جانب النظام بسبب ارتباطاته الوثيقة به و بروز النظام التركي كعدو مشترك.
الآن والثورة السورية في مراحلها الأخيرة من الحل السياسي نتيجة إثبات العسكرتارية عدم قدرتها على الحسم لأي طرف، فإن الكرد أمام مفترق طرق خطير، بالأخص في ظل وجود استحقاق جنيف (2) على الأبواب.
تباينت الرؤى حول شكل المشاركة بين الأقطاب السياسية الكردية الأساسية، فالمجلس الوطني الكردي العضو الأحدث في الإئتلاف حسم مشاركته المشروطة مع وفد الائتلاف بالاعتراف بالهوية القومية الكردية مع تبني الفدرالية كنظام للحكم، بينما حزب الإتحاد الديمقراطي العضو المؤسس في هيئة التنسيق الوطنية فهو متوافق مع مطلب المجلس الوطني الكردي في الحقوق الثقافية و ضرورة الاعتراف و لكنه يتبنّى نظام المركزية الإدارية مع اعطائه صلاحيات أكبر على المناطق الكردية فيما يسمّى “إدارة ذاتية ديمقراطية” مدعوما بقوة عسكرية تعمل على الأرض ومسيطرة على أغلب المناطق الكردية.
وهنا لا بد من الوقوف على نقطة هامة، فالنظام بعد أن أدرك أنه آيل إلى نهايته، في ظل التوافق الدولي على رحيل الأسد، فإنه يلعب على ورقة الأقليات، فإعترافه باللغة الكردية و تدريسها في الجامعات أحرج المعارضين الكرد الذين ينادون بالحقوق الثقافية فقط، خاصة في ظل وجود بعض الشخصيات البارزة ضمن المعارضة السورية ترفض حتى ذكر كلمة كرد في أي وثيقة.
كما أن المعارضة السورية المُهيمن عليها إخوانياً، فشلت في كسب تأييد أغلب الأقليات السورية بسبب سياساتها المتعطشة للسلطة، و اللعب على الوتر الديني، الأمر الذي ترك الأقليات في مأزرق مصيري، فإما أن تكون مع نظام الأسد القاتل مع إدراكها لدمويته، أو أن تكون في موقف المحايد الخائف على وجوده.
لكن كل الخشية أن يقوم النظام المتمرّس دبلوماسياً باستغلال هذه النقطة، فيُعطي الكرد حقوقاً قومية و ثقافية تتجاوز العرض الذي سيتم تقديمه من قبل المعارضة السورية، الأمر الذي سيقوّي أوراقه التفاوضية، ما سيحرج المعارضة أمام القوى الراعية لمؤتمر جنيف (2).
هنا أدعو الكرد إلى عدم الإنجرار إلى لعبة النظام، فالنظام البعثي الآن في مأزرق، و ما الأقليات إلى أداة سيستعملها النظام للإطالة في عمره، وحالما تتم له الأمور فلن يتردد في الاستغناء عنها.
الحقوق الكردية و حقوق باقي الأقليات يجب أن تكون من أولويات المعارضة السورية، كي لا يُتاح المجال للنظام أن يلعب عليها، وعلى الأقليات كافة ان تدرك مآرب النظام وأن تكون كتلة واحدة ورأي واحد أمام المجتمع الدولي الذي سيضع الصياغة النهائية لاتفاق جنيف (2).