
كوردستريت || متابعات
يحتفل حوالي 300 مليون شخص، منهم الكرد والفرس والبشتون والآذريين وغيرهم، في 21 آذار/مارس من كل عام بعيد نوروز التي تعني باللغتين الكردية والفارسية “اليوم الجديد”، ويعتبر عيد رأس السنة لدى الأكراد والفرس.
ويقول الأكراد إنهم يحتفلون به منذ عام 612 قبل الميلاد، أي أنهم سيدخلون عام 2633 هذه السنة. أما الفرس، فاحتفلوا به بعد هذا التاريخ، وسيدخلون عام 1400 هذا العام.
ويعتبر نوروز، العيد الوحيد الذي تحتفي به قوميات وأديان وشعوب مختلفة عبر القارات. وهو عطلة رسمية في كثير من البلدان مثل إيران والعراق و قرغيزستان وأذربيجان، كما يُحتفل به في تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وولاية كوجارات الهندية وشمال غرب الصين.
ومعظم المحتفين بنوروز، يعدونه عيداً دينياً أو ثقافياً منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعاً قومياً عند الأكراد وخاصة في العصر الحديث إذ بات حدثاً سنوياً يؤكد من خلاله الأكراد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

صدر الصورة، AFP
ولم يُسمح بإحياء احتفالات نوروز في تركيا وسوريا حتى وقت قريب، لكن أكراد إيران والعراق كانوا أوفر حظاً من أقرانهم، لأن الإيرانيين أنفسهم يحتفلون به ولو بطقوس مختلفة، كما أن الأكراد في العراق عززوا الاحتفال به بعد حصولهم على الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق في سبعينيات القرن الماضي.
أما في كل من تركيا وسوريا فكانت الحكومات المتعاقبة تمنع الاحتفالات بشدة وتعتقل المشاركين فيها لدرجة أن كثيرين دفعوا حياتهم ثمناً لإحياء هذا اليوم، وخاصة في أوائل التسعينيات، عندما استخدمت المدرعات والرصاص الحي ضد المشاركين في الاحتفالات في مدينة جزرة الواقعة جنوب شرقي تركيا واعتقلت السلطات كثيرين حتى من هم دون سن الـ 18 عاماً.
وفي الأسطر التالية، نسلط الضوء على احتفالات نوروز في سوريا، في ظل ما يزيد عن نصف قرن من الزمن من حكم الأسرة الواحدة، وما رافقتها من إجراءات واعتقالات وأحكام لمنع الاحتفالات بالعيد.

صدر الصورة، DELIL SOULEIMAN/AFP/GETTYIMAGES
نوروز أكراد سوريا
عمّقت سياسات الحكومات السورية المتتالية، التي رفضت الاعتراف بالهوية الكردية في البلاد، من شعور الأكراد بالتمييز ضدهم والظلم وجعلتهم أكثر تمسكاً بقوميتهم التي كانت تتعرض لمحاولات طمس بشكل مستمر.
ويُعتقد أن الأكراد يشكلون بين 10 و 15 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب أي ما يزيد عن مليوني شخص. ولكن لا توجد إحصاءات رسمية بذلك.

صدر الصورة، GETTY IMAGES
وكانت احتفالات نوروز قبل الثمانينيات تقام في بساتين أو أقبية أو داخل البيوت في تجمعات صغيرة سرية بعيداً عن أنظار أجهزة الأمن.
وبدأ الأكراد يخططون للاحتفال بنوروز على الملاً مستخدمين حيلاً للمضي قدماً في إحياء الاحتفالات في الثمانينيات من القرن الماضي.
ومن بعض الأساليب التي استخدموها أحياناً، تظاهر شاب وشابة بأنهما عروسان وأن الحشود ليسوا إلا مدعوين إلى حفل الزفاف.
ويتذكر حسين ذلك “العرس الكبير” في عفرين بقوله: “هاجمت أجهزة الأمن احتفال نوروز الذي كان في الظاهر عرساً، هرب معظم الحضور، وبقي طبّالان دون أن يعلما ما الذي يجري حولهما، فاعتُقلا واقتيدا ليُحقق معهما من قبل الأمن السياسي، فما كان من أحد الطبالين إلا أن قال:” سمعت الكثير ولكنني لم أسمع في حياتي عن ملاحقة طبالين سياسياً”.

صدر الصورة، DELIL SOULEIMAN/GETTYIMAGES
نوروز دمشق ومقتل أحد المتظاهرين
في دمشق 1986، شددت الحكومة الإجراءات الأمنية وفرقت قوات الأمن الجماهير المحتشدة في ساحة شمدين لمنع الناس من الوصول إلى مكان الاحتفال الذي كان مقرراً في الغوطة بضواحي دمشق، فتوجهوا في مسيرة سلمية نحو القصر الجمهوري، احتجاجاً على منع الاحتفال، لكن عناصر الأمن فرقتهم بأن أطلقت الرصاص الحي عليهم، مما أدى إلى مقتل شاب يدعى سليمان آدي وإصابة خمسة آخرين.
وسرعان ما انتشر خبر مقتله، فخرج الأكراد في كل المدن التي يوجدون فيها بكثافة منددين بمنع السلطات لحفلات العيد وبمقتل الشاب.
وجرى المزيد من الاعتقالات وخاصة في منطقة الجزيرة في شمال شرقي سوريا وفي مدينة حلب.

صدر الصورة، ILYAS AKENGIN/AFP VIA GETTY IMAGES
نوروز وعيد الأم في سوريا
لم يكن عيد الأم في سوريا يوم عطلة رسمية رغم إقراره عيداً من قبل السلطات في 21 مارس /آذار بعد أن اعتمدته مصر في عام 1956.
ولكن بعد احتجاجات الأكراد في عام 1986 وإصرارهم على الاحتفال بعيد نوروز علناً، جاء قرار حافظ الأسد في عام 1988، بإعلان يوم 21 مارس/آذار ، يوم عطلة رسمية، ولكن ليس بمناسبة عيد نوروز بل بمناسبة عيد الأم.
ورغم اعتماده عطلة رسمية في البلاد، كانت الأجهزة الأمنية تحاول منع الاحتفال به بوسائل أخرى، مثل فرض يوم “عمل تطوعي” من قبل المؤسسات والدوائر الحكومية والمدارس في المناطق ذات الغالبية الكردية تحت التهديد والوعيد بملاحقتهم بتهم سياسية.
أما قبل أن يتم اعتماد يوم 21 آذار، عطلة رسمية، فكانت المدارس تحدد مواعيد الامتحانات في هذا اليوم، وإذا صادف يوم نوروز عطلة نهاية الأسبوع، كان يُطلب من جميع الطلاب في الأحياء ذات الغالبية الكردية الحضور إلى المدرسة من أجل القيام بـ “عمل تطوعي”، وكذلك في بعض المؤسسات الحكومية في مناطق معينة.

صدر الصورة، DELIL SOULEIMAN/AFP
طقوسُ عيدٍ أم ثورة؟
تبدأ طقوس العيد لدى الأكراد في يوم 20 آذار/مارس عند الغروب، بإيقاد نار نوروز – وهي عادة ترجع إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (أسلاف الأكراد) على يد كاوا الحداد الذي خرج إلى الجبل وبيده شعلة نار لإرسال إشارة النصر إلى الناس بحسب الرواية الكردية لشرح تاريخ عيد نوروز.
ويروي آزاد، وهو طبيب يبلغ من العمر 46 عاماً، لبي بي سي عربي، تفاصيل طقوس نوروز المتبعة في سوريا مشبها إياها بـ “24 ساعة من الثورة” التي كانت تتكرر مرة في كل عام.
ويقول: ” كنا في مدينة القامشلي، حيث عشت معظم حياتي، نواجه الدوريات العسكرية ورجال الشرطة التي كانت تستنفر منذ صباح يوم 20 آذار، لتلاحق مجموعات الشباب وأي تجمع قد تصادفها وتمنعهم من إشعال نار نوروز، وهو جزء أساسي من طقوسنا في الاحتفال، كنا شباباً ولم نخشَ شيئاً، بالنسبة لنا، كان ذلك اليوم بمثابة يوم تحد للسلطات وتأكيد على وجودنا”.

صدر الصورة، GETTY IMAGES
ومع بداية دخول القرن الـ 21، تحولت عادة إضرام النيران بإطارات السيارات، إلى مسيرات شموع منظمة، إذ كان يخرج الناس في مسيرات سلمية تجوب الشوارع الرئيسية في المدينة وهم يحملون مشاعل وشموعاً مطلقين شعارات التهنئة بقدوم عيد نوروز والمطالبة بحقوق الأكراد.
لكن الأجهزة الأمنية، كانت تفرقها وتعتقل النشطاء منهم وتقتادهم إلى السجون بتهمٍ منها “إثارة النعرات الطائفية”.
تخريب ونشر المخلفات والقمامة
وبعد مسيرة الشموع الليلية، يخرج الناس في صباح اليوم التالي، بأزياء فلكلورية كردية إلى موقع الحفل الذي يٌحدد سلفاً في كل مدينة.
ولكن قبل وصول عامة الناس، كانت مجموعات المتطوعين والمتطوعات يخرجون بعد الفجر لبناء خشبة المسرح وحمايته من الأجهزة الأمنية التي كانت تنتشر هناك منذ الليلة السابقة لنوروز.

صدر الصورة، DELIL SULEMAN/GETTY IMAGES
ويقول جمال رشو، أحد المتطوعين ممن كانوا في لجان حماية وتنظيم الحفل في حلب: “كانت الدوريات والفرق العسكرية بانتظارنا منذ الفجر أثناء مسيرتنا الصباحية باتجاه موقع الحفل، كنا أحياناً نزيد عن ألف متطوع، وكان بيننا العديد من الشابات والأمهات، كنا نواجه الدوريات التي كانت تطلب منا التراجع وإلا سيطلقون النار علينا، لكننا لم نأبه لتهديداتهم”.
ويضيف: “ولكن، ما إن نتخلص من الحاجز الأول المؤلف من رجال الشرطة، يأتي الحاجز الثاني المكون من قمامة المدينة ومخلفات الأبنية وغيرها التي كانت تأتي بها السلطات وتنثرها على الطريق لتشويه المكان”.
ويتابع: “ليست القمامة فقط، بل كانت تأتي بالجرارات لحرث الأرض رغم مساحتها الكبيرة، مما يؤدي إلى غوص أقدامنا في الأرض الرخوة، والسير بصعوبة بالغة، وكانت المشكلة تتضاعف عندما كانت تهطل أمطار آذار الغزيرة”.

صدر الصورة، GETTY IMAGES
وتقول نورهان، وهي مدرسة لغة انجليزية، إنها تتذكر جيداً كيف كان يُمنع ارتداء أزياء كردية، وكيف كانت الدوريات تعترض طريقهم وتمنعهم من مواصلة رحلتهم نحو موقع الحفل إذا رأتهم بتلك الأزياء.
وتشرح: “كنا نخبئ ثيابنا الفلكلورية في حقائبنا، وعند وصولنا إلى مكان الحفل، كنا ننصب خياماً صغيرة، نستطيع تغيير ملابسنا فيها ونرتدي أزياءنا التي كنا نسعد بها يوماً واحداً في كل عام”.

صدر الصورة، SOCIAL MEDIA-TWITER
من سيء إلى أسوأ
بعد رحيل حافظ الأسد، واستلام نجله بشار كرسي الرئاسة، ظن الأكراد كغيرهم من السوريين، أن الشاب الذي درس في بريطانيا وأصبح طبيباً، ربما يريد عهدا جديدا. لكن الأمور ازدادت سوءاً ومُنعت التجمعات والاحتفالات بنوروز بشدة.
ففي نوروز عام 2008، أطلقت قوات الأمن النار على المشاركين في عدة مدن وخاصة في مدينة القامشلي.
وفي عام 2009، قتل اثنان في مدينة الرقة بالرصاص الحي واقتيد العشرات منهم إلى السجون، كما اعتقل العشرات في حلب ومثلها في مناطق أخرى من البلاد.

نقلاً عن موقع BBC

صدر الصورة، ERDEM SAHIN
شارك هذا الموضوع
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
- النقر لإرسال رابط عبر البريد الإلكتروني إلى صديق (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط لتشارك على LinkedIn (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)
- النقر للمشاركة على X (فتح في نافذة جديدة)