في إشكالية الانتماء المزدوج – كرد سوريا نموذجاً

آراء وقضايا 16 مايو 2024 0
في إشكالية الانتماء المزدوج – كرد سوريا نموذجاً
+ = -

كوردستريت|| آراء وقضايا

بقلم علي مسلم

بالتزامن مع تشكل الدولة السورية وقع الشعب الكردي في سورية في مصيدة الانتماء المزدوج، ووقف ابناءه عاجزين في تحديد وجهة ولائهم الحقيقي، ترى؟ هل ينتمون الى دولة سورية التي بدأت ترى النور بعربها وكردها وباقي مكوناتها القومية والمذهبية، والتي استحوذت سريعاً على مقعدها في النادي الدولي، ام انهم ينتمون الى كردستان المفترضة، هذه البقعة الجغرافية التي ما زالت تان تحت وطأة التشطير والتشظي، وهذه الإشكالية على الغالب مهدت لإنتاج ذاكرة افتراضية لدى الكرد. كان من نتائجها الأولية رفض التقسيمات الاستعمارية التي طالت بالإضافة الى موطنهم الحقيقي كل الأراضي والبلدان التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية، الى جانب اسقاط فكرة الحدود المرسومة بعناية من مخيالهم، والانطلاق من جدلية ان كرد سورية كانوا وما زالوا جزء من الكل الكردستاني الافتراضي، ومن الضروري إعادة الأمور الى نصابها الصحيح وفق املاءات الذاكرة، ومن المرجح ان هذه القناعات قد زادت من مساحة الهوة بينهم وبين ما هو ممكن على الأقل في السياق التاريخي الممكن، الى جانب استحالة تحقيق ذلك بالنظر الى الشروط الموضوعية المتوفرة، على اعتبار أن كل ما حدث كان من نتاج الحرب العالمية الأولى والتي مهدت لسقوط الإمبراطورية العثمانية من جهة، وإعادة ترتيب أوراق الشرق الإسلامي وفق إرادة المنتصرين في الحرب.

على العموم يمكن القول انه في ذات الوقت الذي شرع فيه السوريون في بناء سوريا الدولة. انصرف الكرد لوحدهم في ملاحقة طيف التاريخ واهمين، واستسلموا لمشيئة الوافدين من كرد تركيا، بعد تعرضهم للملاحقة السياسية والنفي من قبل العثمانيون الجدد نتيجة قيامهم بالعديد من الانتفاضات العسكرية المتقاربة خلال القرن التاسع عشر حتى سقوط اخر امارة كردية عام 1851م، ولم تكتف السلطات العثمانية حينها بذلك بل عمدت إلى إبعاد الأمراء الكرد وعائلاتهم إلى مناطق بعيدة عن كردستان لمنعهم من القيام بأية ثورات في المستقبل.

لهذا سعى المنفيون من كرد تركيا في تأطير عملهم السياسي بالاعتماد على بعض الزعماء الكرد القبليون في سورية، وتوجيه امكاناتهم اللوجستية الى الداخل التركي، وفي هذا السياق جاء تشكيل جمعية خويبون عام 1927، هذه الجمعية التي أعلنت عن أهدافها الأساسية على انها منظمة تم تأسيسها لغرض طرد الأتراك من كردستان تركيا، وسط خطاب مبهم وغامض تجاه الوجود الكردي في سوريا، بما في ذلك مستقبل حقوقهم، وقد بقي هذا الخطاب سائداً حتى بداية تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا عام 1957، وحسب بعض الوثائق التي تناولت هذه المسألة لم تكن هناك أي إشارة لأي طموح سياسي كردي في سوريا. ورغم تطور الخطاب الكردي في الخمسينات، فان الأكراد الذين اضطروا للهروب باتجاه سوريا بعد عام 1925م بقوا في نظر عشائرهم بوصفهم يعيشون خارج وطنهم كردستان، الأمر الذي أشار اليه اوصمان صبري في روايته عن هجرة عشيرته بعد غدر حلفائها بهم. بالإضافة لذلك، فإن القوميين من الرعيل الأول الكردي ظلوا يقطعون العهود على أنفسهم بأن ثورتهم لا تنتهي إلا بطرد جميع الأتراك من جنود وموظفين من أراضي كردستان العزيزة الطاهرة، أو بإطلاق آخر رصاصة في كردستان حتى استشهاد آخر مجاهد كردي على حد تعبير جلادت بدرخان.

ولذلك فان الحركة السياسية والثقافية الكردية في سوريا حتى تلك الفترة لم تكن تنظر أبداً إلى الأكراد المتواجدين على الأراضي السورية بأنهم جزء مما بات يعرف بكردستان الكبرى كما بات يتجه الخطاب الكردي لاحقاً، ولعل ما يؤكد ذلك هو التقرير الصادر عن جمعية خويبون حول سكان كردستان المنشور في باريس سنة 1948م، حيث يشير التقرير الى أكراد سوريا والاتحاد السوفيتي بوصفهم أكراد يعيشون خارج كردستان.

من هنا فقط باعتقادي بدأت ملامح التبعية في الخطاب السياسي الكردي بالتشكل والظهور، وتجذرت فيما بعد في سياق تشكيل اول حزب كردي في سوريا بموافقة الناصريين شريطة ان يناهض هذا الحزب تطلعات نوري السعيد في العراق وان يساهم في مواجهة تبعات حلف بغداد بحيث لا يتعرض هذا الحزب الى حقوق الكرد في سوريا، وأن يكون نشاطه موجهاً لإثارة القلاقل في تركيا.

يتبع…

آخر التحديثات
  • أتبعني على تويتر

  • تابعونا على الفيسبوك