كوردستريت|| آراء وقضايا
بقلم شفان إبراهيم
يقود واقع حال المواقع الإلكترونية للأحزاب الكردية السورية إلى الإحباط أو الضياع. مواضيع قديمة، أخبار بلا قوالب، تقارير مفقودة، لا تحقيقات، مقالات رأي منسوخة من مواقع أخرى، لا استقطاب للآخر، ضياع بوصلة الخطاب ما بين الوطني السوري والكردي القومي، نُخب سياسية في مكان القرار لا تكتُب ولا تهتم أساساً بالكتابة، لا أقلام سورية أو عربية تكتب للمواقع الإلكترونية الكردية، والمتوقّع أنه لا زوّار من السوريين، بمختلف هويّاتهم، لتلك المواقع؛ إذ لماذا سيزور أحدهم موقعا ما، ولا يجد فيها ما يخصّه. عدا عن غياب وجودها على سلم المواقع المتنافسة أو ذات الترتيب المتقدّم، أو إنها مواقع حزبية تحريضية ذات خطاب كراهية ولغة عنفية وتهجم وتشهير وسبّ وقدح، وتخوين وتأليف تقارير تلفيقية بمسمّى إعلامي. إضافة إلى غياب عنصر تطوير الكادر الإعلامي، إما أنهم يفتقدون للخبرات والإمكانات ولديهم الرغبة، لكنهم ممنوعون من التطوّر، أو أن الظلام والسدود والموانع كُلها محاطة بمن يملك ملكات التفكير والنقد والكتابة.
الصحافة والإعلام والكتابة وأجناسها كُلها تغيّرت خلال العقد الأخير. وما عادت تفي بالغرض عناوين مثل “المطرقة والسندان”، أو التغنّي بأمجاد إصدار أول صحيفة كردية باسم كردستان في إبريل/ نيسان 1898 في القاهرة. والأكثر مجلبة للضحك جملة “الإعلام مهم”، تُقال هذه العبارة في الأوساط السياسية الكردية، بطريقة تُشبه رشفة الشاي في أحد المقاهي. والواضح أن الغالبية العظمى من الإعلاميين والكتّاب الكرد إما أنهم غير منتمين للأحزاب الكردية أو أنهم انسحبوا واستقالوا أو في طريقهم إلى الابتعاد عن العمل الحزبي؛ فالإعلام والكتابة والكتّاب والإعلاميون والباحثون والأكاديميون، كُلهم شرٌ مطلق في العمل السياسي الحزبي الكردي السوري، ولو كانت القضية منافسة بينهم وبين النخب والقيادات الكردية التي تلجأ إلى سياسات “التطفيش” لقلنا هي عداوة الكار، وهذه موجودةٌ في أرقى المجتمعات. لكن المعضلة أن قسما ليس قليلا منهم لا يكتبون، وبل يعتقدون أن الكتابة فعلٌ سهل، لا تحتاج للتفكير والاطلاع … إلخ، ولا يعلمون أن من يكتب إنما ينتقل إلى العالم الأعلى، حيث التفكير والنقد، ومن يتمكّن من الكتابة هو الشجاع والمقدام، خصوصا في حقول الألغام في الداخل السوري.
تابع كاتب هذه السطور المقالات المنشورة في عام كامل في مختلف المواقع، سواء الإعلام السوري البديل، أو المنصّات المهتمة بالقضيتين، السورية والكردية، بالكاد يتذكّر بعض المواد، وكتّابها من النُخب السياسية الكُردية في تلك المواقع، علماً أن الكتابة في الإعلام العربي تفكيكٌ ناجحٌ وبامتياز للقبضة الحديدية التي كانت تحيط بالكرد وقضيتهم سابقاً، وإخراجها إلى العالم الخارجي، والنقاش حولها، وحول رؤاهم بشأن مستقبل سورية.
عاد كاتب المقالة إلى متابعة المواقع الإلكترونية للأحزاب الكردية، وأيضاً في أثناء قرابة العام، بالكاد وجد مقالات وتقارير مهمة ومعمّقة في هذه المواقع أو في صحف هذه الأحزاب. والنسبة، بالمقارنة مع العدد الكلي لمتصدّري الواجهة السياسية في كل حزب، لا تساوي شيئاً، مع غياب وجود النخب السورية فيها. ويقود هذا الأمر إلى ثلاث قضايا مركزية، أولاها: أن لا أحد من السوريين يزور تلك المواقع، هكذا يقول المنطق. وثانيتها: الإعلام الكردي غير مهتم أصلاً بالقضايا السورية في عموم البلاد، وخصوصا مناطق سيطرة المعارضة السورية، والتي هم جزء منها، ولا بالكرد في مناطق وجودهم في مختلف المحافظات، والمضحك المبكي أنها قليلة الاهتمام بالقضايا التي تمسّ مباشرة حياة الكرد في مناطقهم. وثالثتها: حجم تغطية الإعلام السوري البديل الانتهاكات الحاصلة ضد الكرد في عفرين وسري كانيه، تفوق أضعافا مضاعفة لحجم المتابعة والتغطية التي قام الإعلام الكردي بها.
ثم أجريتُ بحثا من نوع جديد، هل تكتب النُخب السياسية السورية عن القضية الكردية؟ وهذه أيضاً لم توجد بالشكل المطلوب. وعلى الرغم من سيولة المواد المنشورة عن الكرد وقضيتهم في سورية، وعن الوضع الكردي في كردستان العراق، فإنها، في غالبيتها، إما لكتّاب وباحثين كرد مستقلين، أو يكتبون بصفتهم الشخصية، أو لباحثين وصحافيين سوريين عاملين في مراكز أبحاث ودراسات ومواقع إعلامية سورية كمنصّات بديلة، وخارج سياق أطر المعارضة، والتي يحمل الكرد جزءا من تلك المسؤولية؛ لعدم التغلغل ضمن الوسط السوري بالشكل المطلوب.
الجهة الوحيدة التي نجحت في إحداث وجودٍ لها في الإعلام العربي حزب الاتحاد الديمقراطي، والظهور الإعلامي والتلفزيوني المتكرّر لقياداته أو لنُخب شبابية محسوبة عليها، أو في مواقع إلكترونية تتبنّى خطاباً معادياً لتركيا على سبيل المثال. هم نجحوا بغض النظر عن تضارب المصالح، فثمّة مصالح أكبر ومن نوعٍ آخر وفي دوائر إعلامية أخرى، لم يتمكّن المجلس الكردي من التشبيك أو التنسيق معها، ولم تسمح الأنانية بدعم ومساندة أو تشكيل كُتل شبابية نخبوية على وسائل الإعلام تدافع عن القضية الكردية أو عن التوجه السياسي للكرد في الإعلام العربي، بالرغم من رغبة تلك الجهات الإعلامية ومساعيها إلى التواصل والعمل مع النُخب السياسية الكردية في سورية، فمثلاً، لغالبية الأحزاب الكردية علاقة مع أطراف المعارضة السورية، ولهم جولات وصولات ولقاءات مع غالبية الدول الفاعلة في الشأن السوري، أو الجهات المانحة التي كانت تبحث عن أي طرفٍ يقدّم خدماتٍ مدنيةً وإعلامية، ويُنشئ منظمات بحثية أو خدمية، لكنها في النهاية “صفر” مشاريع كانت النتيجة. وهذه القوقعة التي وضعت الحركة الكردية نفسها فيها ستقودُها إلى الهلاك الحتمي.
قصارى القول: لماذا يُلام السوريون إن كتب أحدهم مقالاً نقدياً، أو تهجّمياً إلغائياً، أو حتى عنصرياً، أو عتاباً أو بمسمّيات وشروحات أخرى؟ لا يهم ذلك كله، طالما أن الكرد أنفسهم غير معنيين بقضيتهم إعلامياً وثقافياً، وطالما أن كثيرين من نُخبهم السياسية والقيادية يجدون في الكتابة والكتّاب شرّاً مطلقاً لا بد من التخلّص منه. وفوق هذا وذلك، يئس الكتاب والصحافيون والباحثون الكرد من حالهم وحال قياداتهم، ولا تلوموهم إن هم غادروا السرب، و”طفشوا” صوب المجهول، على الرغم من معرفتهم بمرارة الخيارات الجديدة. تُحاصَر الأحزاب الكردية وتُحارَب وتُجهض وتقتصّ من مثقّفيها وكتّابها وباحثيها، في حين أن الإعلام السوري البديل، والذي يصفه بعضهم بمفرداتٍ غير لائقة، وهم أصلاً جزء من تلك المفردات، كان ولا يزال الملجأ والملاذ الأول والأخير لهؤلاء الشباب، ولرغبتهم في الكتابة عن قضيّتهم وعيشهم.
العربي الجديد