عشيرة الشيخان و الشيخ نوح

آراء وقضايا 09 فبراير 2017 0
عشيرة الشيخان و الشيخ نوح
+ = -

في الحقيقة، ترددت كثيرا قبل كتابة هذه المقالة، لأنني، لست متأكدا، إن كنت استطيع تقديم صورة حقيقية، و واقعية، عن إحدى أكبر عشائر، سهل سروج ، والهضبة الجنوبية لذلك السهل، و ذلك من خﻻل إضاءة على تاريخ الشيخ نوح ابن شيخ بوزان (نوحه بوزه)، و عشيرته الشيخان؛ و ذلك في فترة زمنية، امتدت من نهاية الامبراطورية العثمانية، و حتى فترة الانتداب الفرنسي على سوريا. و حيث أن هذه العشيرة تحتل حيزا واسعا من المساحة، و تنتشر قرى قراها، على منطقة جغرافية، طولها من الشمال إلى الجنوب 45 كم تقريبا، و من الغرب إلى الشرق 25 كم تقريبا، بين كوباني (عين العرب) و تل أبيض.

.
و تأتي أهمية عشيرة الشيخان (شيغي)، و شخصية رئيسها الشيخ نوح، في كونها المالكة و المسيطرة، على المنطقة التي تفصل الكرد عن العرب، في شمال محافظة الرقة، و بالتحديد في الخط الفاصل بين القرى الكردية و العربية، و الممتد من شرق بلدة صرين، و حتى غربي بلدة عين عيسى أو نبع (بوزانه) كما كان معروفا لدى العشائر الكردية، قبل أن تسكن فيها عشيرة البوعساف العربية و غيرها، و الذين كانوا رعيانا و فﻻحين لدى آل مهيد، من عشيرة الفدعان، قبيلة العنزة.
و للدخول إلى الموضوع، قمت بتقسيمه وفق التالي:
– أصل الشيخان.
– قرى عشيرة الشيخان في كوباني (عين العرب) و تل أبيض.

.
– شخصية الشيخ نوح.

.
في الحقيقة، لا أملك بين يدي، الكثير من المصادر التاريخية، لكون الموضوع جزئية بسيطة، من تاريخ منطقة تعرف باسم، سهل سروج (ديشتا سروجه) تمتد من جنوب مدينة أورفا، و حتى شمال مدينة الرقة؛ و غالبا ماكانت تاريخ هذه المنطقة، ترتبط بسرد المﻻحم البطولية لبعض الأفراد!.
و لكن لكون الموضوع مرتبط بفترة زمنية ليست ببعيدة، فإن ما تناقلته ألسنة الأجداد و كبار السن، كافية -باعتقادي – لإعطاء صورة عن تلك المرحلة التاريخية، و خاصة أن والد جدي حج إبرام (إيبوي ديلي)، كان يروي في مجلسه، أحوال العشيرة، و تاريخها، و النزاعات العبثية! و رغم أنني لم أدركه – توفي قبل وﻻدتي- إﻻ أن رواياته، و روايات أخرى لكبار السن، قد تكررت كثيرا، عندما كنا صغارا، و تجذبنا حب القصص القديمة، و ﻻسيما في مجلس شقيق جدتي، حج حسن (حسنه احمد)

.
و بالإضافة إلى هذه الروايات، بين يدي، مصدرين آخرين، الأول ( خﻻصة تاريخ الكرد و كردستان، تأليف محمد أمين زكي بك) و الثاني ( عشائر الشام، تأليف احمد وصفي زكريا). و الجدير بالذكر، أن المصدر الأول – خﻻصة تاريخ الكرد وكردستان – لم يذكر سوى اسم العشيرة! عندما صنف، عشائر سهل براز؛ و اعتقد أنه -العﻻمة محمد أمين زكي بك- كان محقا في ذلك، فكتابه كان لبيان تاريخ أمة بأكملها، و ليست عشيرة، أو قبيلة من تلك الأمة. أما المصدر الثاني، كتاب عشائر الشام، فقدم شيئا من التفاصيل، عن عشيرة الشيخان، و كل العشائر الكردية في سوريا، و هذا المصدر مهم جدا، رغم وجود بعض الأخطاء!
فمثﻻ جاء في كتاب عشائر الشام، حول عشيرة الشيخان، مايلي:《 أكراد برازية، لكن رؤسائهم يدعون الانتساب إلى آل بيت النبي (ص) ، و هم نصف حضر، في انحاء قرية خراب نياز في شمال الخط الحديدي و جنوبه؛ و باديتهم بين الفرات و البليخ، ………….، و رئيسهم الشيخ نوح موفور الكرامة جدا، لشرفه المزعوم، و لحسن سيرته، حتى أنه كثيرا ما تشد الركائب إليه للتحاكم عند اختﻻف العشائر، و يقيم في قرية يرالله》

.
و في موضع آخر، من ذات المصدر، تحت عنوان، الشيخان، جاء مايلي: 《 اكراد من فرق البرازية، لكن رؤسائهم يدعون انهم من أصل عربي، و من آل البيت، و هم ﻻيعلمون متى هاجروا إلى هذه الانحاء، و ﻻ كيف تغلبت عليهم اللغة الكردية، و هم يقطنون 67 قرية …………….. و بيوتهم من قباب اللبن و الطين، إﻻ بيت رئيسهم الشيخ نوح بن الشيخ بوزان في قرية ترمك، فإنه من الحجر و الاسمنت، و هذا الشيخ موفور الكرامة، لشرفه المزعوم و لحسن سيرته، تشد الركائب إليه كثيرا للتحاكم عند اختﻻف العشائر، …………….. ، و فرقهم سيف الدين و الشيخ جعفر و الشيخ شوكة》

.
اعتقد أن مؤلف الكتاب وقع في خطأ طفيف، إذ أنه خلط بين الشيخ نوح ( نوحه بوزه) و الشيخ حمو خوجه ( حمويه خوجه ) فهو يقصد حمو خوجه، عندما يقول: بأنه يقيم في قرية ترمك، و بيته من الحجر و الإسمنت؛ و في الحالة الأولى، هو يقصد الشيخ نوح عينه، و هناك خطأ في اسم القرية، فهي (يارالي) و ليست ( ير الله)

.

□□□ أصل الشيخان □□□

.

ورد اسم عشيرة الشيخان على عجل في كتاب، ( خﻻصة تاريخ الكرد و كردستان ) كما ورد اسم الشيخان في كتاب “عشائر الشام، و مؤلف هذا الكتاب الأخير -وصفي زكريا – أشار إلى أصل الشيخان بشكل يثبت حياديته كباحث؛ حيث ذكر أن زعامات عشيرة الشيخان يدعون بأن أصل الشيخان عربي و يعودون بأصولهم إلى آل بيت النبي محمد!
و طبعا، المؤلف صنف الشيخان ضمن العشائر البرازية.
في الحقيقة هناك روايتان تتداولان حول أصل عشيرة الشيخان، و للأسف، فإن تلك الروايتان تفتقران إلى الأدلة التاريخية العلمية.

.
و الرواية الأولى ترجع أصل الشيخان إلى العرب و بالأخص إلى قبيلة قريش، و آل بيت النبي محمد؛ و تستند هذه الرواية إلى دﻻئل واهية! و أهم هذه الأدلة ورود اسم الشيخان في ديوان نقابة الأشراف، و التي تبناها السﻻطين العثمانيين بغاية تحقيق مآرب سياسية، تتعلق بكيفية إدارة دولة تمتد على مساحات من ثﻻث قارات؛ و ﻻ يخرج هذا الأمر – إدارة نقابة الأشراف – عن لعبة توزيع الألقاب الأميرية، و البكوية، و الآغاوية، من قبل العثمانيين!

.
و أما الرواية الثانية فتعيد أصل الشيخان إلى منطقة سنجار، و الكرد الأيزيديين؛ و هذه الرواية حديثة جدا و تكاد تكون رد فعل على الرواية الأولى! لكونها ﻻ تستند – هي الأخرى – إلى حقائق معرفية، و لو متناقلة على ألسنة كبار السن، كما الرواية الأولى.
و من أجل إثبات هاتين الروايتين لجأ أصحابها إلى فكرة مفادها، أن عشيرة الشيخان وافدة إلى المنطقة قبل عدة قرون، و يدعي أصحاب الرواية الأولى، أن مسير الهجرة كانت من الحجاز، إلى العراق، فالقامشلي؛ ثم سهل سروج، حيث المستقر؛ و أما أصحاب الرواية الثانية، فيدعون بأن العشيرة نزحت من سنجار باتجاه سهل سروج.

.
حقيقة، و مع غياب المعلومات الدقيقة، ﻻبد من الرجوع إلى الإسباب التي من الممكن أن تكون خلف بروز الروايتين، و خاصة الرواية الأولى – الأصل العربي – و ذلك، لشدة رسوخ هذه الرواية في الأذهان.
برأي أن السبب الحقيقي خلف هذه الرواية هو التقرب من السلطة ﻻ اكثر! و خاصة عندما تكون هذه السلطة دينية و دنيوية. و هذه الصفة – التقرب من السلطة – كانت سمة المجتمع الكردي آنذاك، و ليست موجودة فقط عند الشيخان؛ فالكثير من العشائر الكردية أرجعت نسبها لآل بيت النبي محمد، بل و بعضهم أرجعوا نسبهم إلى العرب خارج قبيلة قريش! فمثﻻ ذكر (بصراوي آغا) رئيس عشيرة كيتكان آنذاك، بأن أصل عشيرته تعود إلى قبيلة كندة العربية! كما أن زعامات عشيرة “بيجان” الكردية، أرجعوا أصل عشيرتهم إلى عشيرة “دملخ” العربية!

.
و بﻻشك فإن الدولة العثمانية منحت “الأشراف” مزايا، كما منحت الألقاب، و مع ماتحملها تلك الألقاب من مزايا؛ و لكن أختلفت مزايا لقب الأشراف عن الألقاب الأخرى، حيث أن لقب الأشراف أفادت كل أفراد العشيرة! على عكس الألقاب الأخرى، و التي كانت تمنح المزايا لفرد واحد كالمير، أو البيك، أو الآغا؛ فﻻ يستفيد من ذلك اللقب سوى حاملها و عائلته.
طبعا، و هذه الألقاب و المزايا منحت على أسس غير عادلة إطﻻقا، فﻻ هي كانت تراعي العلم و المعرفة، و ﻻ كانت تمنح لشخص سوي أو عدل، بل منحت على أسس تتعلق بالقدرات البدنية و العقلية، و التي تؤهله للسيطرة على أفراد عشيرته، و إن كان ذلك الشخص فاجرا، فاسقا، ظالما؛ المعيار الوحيد، هو القدرة على تأديب عشيرته عند الحاجة!

.
و لعل هذا مادفع بالكثير من المتنورين إلى عداء البيكاوات و الآغاوات، و اتهامهم بالعمالة لأعداء الشعب و القوى الخارجية، و التعدي على أموال و أعراض الناس.
و من جهة اخرى، فإن الأسباب التي ساعدت على رسوخ الأنتماء إلى قبيلة قريش العربية، هو العاطفة الدينية، و التي تجد مفعولها القوي و الحاد لدى بسطاء الناس؛ فكيف لإنسان أن يرفض فكرة أنتمائه إلى بيت نبي يشفع لكل المسلمين يوم القيامة، و خاصة، إذا كانت تلك الفكرة متداولة ابا عن جد!.

.
بالنسبة للأسباب المتعلقة بالرواية الثانية (الأصل الأيزيدي لعشيرة الشيخان) و من وجهة نظري، هي تعود إلى الحماسة القومية لدى بعض الشباب، و رد فعل على الرواية الأولى؛ و الدﻻئل المطروحة لهذه الرواية هو الأسم (الشيخان او شيغي) أي أن هذا الاسم، هو ذات أسم (شيخا) تلك الطبقة الأجتماعية لدى الكرد الأيزيديين، حيث تنقسم أفراد تلك الديانة إلى طبقات (بيرا ، شيخا ، فقيرا ،……) و على سبيل الطرفة، فإن أصحاب هذه الرواية، يعتمدون على الرواية الأولى في مسألة {خط سير الأجداد } و هو أنهم جاؤا من سنجار و توفي الجد الأول ( شيخ سليم) في منطقة الخابور حيث قبره؛ و هذه الحادثة إن صحت، فإن طبيعة العشيرة [النصف الرحل] تستوجب دفن وفيات العشيرة في المكان الذي توفي فيه، و عدم نقل الجثمان إلى الموطن الأصلي، لأن العشائر الرحل أو نصف الرحل، كانت تسير أيام و ليالي بحثا عن المراعي؛ و عشيرة الشيخان تنتمي إلى العشائر نصف الرحل.

.
حقيقة، و من خﻻل المقارنات، و المحاكمات العقلية، بين الروايات، فأنني سأبين وجهة نظري، اعتمادا على ماسمعته من روايات مختلفة حول صلة القربى بين أفخاذ العشيرة و ماشابه؛ و قبل ذلك أود أن أخوض قليﻻ، و على عجل، في فكرة (مفهوم العشيرة) في المجتمعات القبلية بشكل عام، و المجتمع الكردي بشكل خاص.
اعتقد أن هذه الفكرة تتأرجح بين مفهومين:
الأول: [المفهوم العصبي للعشيرة] و هو صلة القربى، و النسب المشترك، و الانتماء إلى جد واحد.

.
و الثاني: هو [المفهوم الحمائي للعشيرة ] و هو الأكثر واقعية، إذا أنه يتضمن روابط المصالح المشتركة بين أفراد العشيرة، و عمودها الفقري “الحماية” و هذا ما أدى إلى صهر أفراد ﻻينتمون -عصبيا- إلى العشيرة في بوتقة العشيرة؛ و هناك مثل عربي يقول: (القريب من تقرب، ﻻ من تنسب) و هذا المثل يشير بوضوح، إلى أن الرابطة العصبية رابطة واهية، ما لم تقترن بالمحبة و الصداقة و مصالح حقيقية مشتركة؛ و لكن – في حقيقة الأمر – فإن المفهوم الأول طغى – شكليا – على المفهوم الثاني، بحيث نجد أن جميع العشائر تبدو و كأنها تنتمي إلى جد واحد!

.
و قد أخترت المفهوم الثاني “الحمائي” للتعرف على أصل هذه العشيرة – كمفهوم أوسع – و ذلك لسببين:
– الأول: حيث أن الرابطة العصبية الثابتة – و المتفق عليها – قائمة فقط بين عدة أفخاذ من عشيرة الشيخان التي تنقسم إلى أربعة فروع ( سيفكي و واسلي و دونكي و شيحيدري )
– السبب الثاني: و هو سبب وجيه جدا، وهذا السبب مرتبط بتطور المجتمع، و انتقاله إلى طريق التخلص من العصبية القبلية التي كانت و ماتزال عثرة على طريق ذلك التطور المنشود، و هذا السبب يتجسد في تغليب مصلحة أفراد يقطنون منطقة ما – في التعايش على أسس من المحبة و التآخي – أي تغليب هذه المصلحة، على فكرة {العصبية القبلية الضيقة} التي تكون غالبا، سببا في النزاعات العبثية كالذي حدث بين أوﻻد العمومة ( آل السرخوش و آل الشيخ علي ) و أدت، إلى مقتل أكثر من ستة أشخاص، و عداوة عبثية دامت قرابة الستين عاما! أنتهت بالصلح الذي حدث على يد الخيرين.

.
و بعد هذا العرض الموجز، يمكنني الوقوف على أصل هذه العشيرة، بعيدا عن الخيالات، و الأساطير، و العواطف، و تماشيا مع المنطق و الواقع، فإن عشيرة الشيخان:
عشيرة كردية من العشائر “نصف الرحل” التي اعتمدت على تربية الماشية بالدرجة الأولى، ثم الزراعة، ثم تحولت إلى الاستقرار الكامل في قراها، و اعتمدت على الزراعة فيما بعد بالدرجة الأولى، و لكنها بقيت محافظة على تربية الماشية.
و عشيرة الشيخان من العشائر البرازية، لكونها ظلت تتنقل – بحسب فصول السنة – بين سهل سروج ( ديشتا سروجه) و الهضبة الجنوبية المعروفة باسمها ( قراجي شيخان) ؛ و كون عشيرة الشيخان لم تكن تنتمي إلى “حلف البرازية” فهذا ﻻ يفسد للود قضية، لأن صفة البرازية، ترتبط بمنطقة جغرافية، و ليست اشتقاقا من أسم قبيلة أو شخصا ما؛ و بالتالي فإن الشيخان يقطنون هذا السهل، و تلك الهضبة – الممتدين بين مدينتي أورفا ( رها ) و الرقة؛ و لأكثر من 400 عام، و أغلب الظن، أنهم لم يأتو من أي منطقة أخرى، بل كانوا من السكان الأصليين؛ و أن مسألة هجرتهم من الحجاز أو من سنجار، هي عبارة عن قصص مختلقة ﻻأكثر.
و فيما يلي، سأذكر بشيء من التفصيل، أسماء فروع و أفخاذ عشيرة الشيخان.

.
كما ذكرت سابقا، فإن العشيرة تنقسم إلى أربعة فروع و هي ( سيفكي ، واسلي ، دونكي ، شيحيدري ):
1) سيفكي: و هم السرخوشي، الشيخ علي، الشيخ رمضاني، علتوبي- عرطي-عليكري، حلبلي، علوشي-كوندوري، كمالي-كوروغلي، جاف رشكي، كاويان، قالكي، صانصولي، كووران، لوطيان، قجكي، و هناك عائﻻت أخرى متفرقة.

.
2 ) واسلي: و هم أشبه بالفخذ الواحد – على عكس سيفكي، رغم توزعهم إلى أفخاذ و عائﻻت.
3 ) دونكي : و هم ينقسمون بدورهم إلى عدة أفخاذ مثل، جماسوري، عفداروتي، آل الشيخ صحن، آل عفدي شيغه، عتارلي، و عائﻻت و بطون أخرى في قرى الجلبية، و خورخوره، و خليجك، و كاروز، و سفرية.
4 ) شيحيدري: و هم عدة بطون، أهمها حيدان ، عفداكوري ، جافري ، و عائﻻت أخرى في قرى خانيك كبير، و خان مامد.
طبعا، و كما اسلفت سابقا، فإن هذه الافخاذ لا ينتمون إلى جد واحد بالضرورة، و لكن مفهوم “القربة العصبية” طغى على مفهوم “القربة الحمائية” إن صح التعبير.

.
و قد جاء في كتاب “عشائر الشام” مايلي: 《 أكراد ناحية “جبل الأكراد” في قضاء الحفة من أعمال اللاذقية، و أكراد هذه الناحية استعربوا بالمرة، و لم يبقى عارفا اللغة الكردية منهم إﻻ الطاعنين في السن، و أغلبهم من عشيرة الشيخان 》 و هذا إن دل على شيء، فهو يدل على أن، أكراد جبل الاكراد في محافظة اللاذقية، هم ينتمون إلى فروع عشيرة الشيخان بقرابة عصبية، و لكن ﻻ نعلم إلى أي فرع من الشيخان ينتمون.

.
□□□ قرى عشيرة الشيخان في كوباني ( عين العرب) و تل أبيض□□□

.
تقطن عشيرة الشيخان بشكل أساسي في الهضبة الصغيرة التي تقع جنوب سهل سروج، و هذه الهضبة تعرف باسمهم ( قراجي شيخان) و مع أن هناك اختﻻف في الترجمة بين (هضبة) من جهة، و ( قراج Qerac) من جهة أخرى، فإن مهاراتي اللغوية لم تسعفني، في الترجمة الدقيقة بين اللغتين العربية و الكردية، و لكن المعروف عندنا، بأن ( قراج Qerac ) هو الهضبة الصغيرة، التي تكسوها الأحجار.
و تمتد “هضبة الشيخان” إن صح التعبير – من قرى دبيرك، ذوغر، صوﻻن، بوزيك، شماﻻ و حتى قرى مغار، كران، برداغ، جوتانك، جنوبا؛ و هذا الخط الطولي شمال-جنوب يمتد على مسافة أكثر من 45 كم؛ و تمتد هذه الهضبة على خط غرب-شرق من من قرى حيمر، متين، شرقا؛ و حتى قرى صال، حمدون، منيف، غربا، و بمسافة تمتد لأكثر من 25 كم. و هناك قرى متفرقة ينتمي سكانها إلى عشيرة الشيخان، رغم بعدها عن هضبة الشيخان، مثل قرى مومان، و خليجك، و مزراصوفيان؛ و قرى برج، و شيخ جراح، في شمالي مدينة الباب.

.
□□ نظام بناء القرى □□

.
في الحقيقة، أن عشيرة الشيخان، و لقربها من مدينة الرقة، تأثرت بشكل ملفت للنظر، بعادات و تقاليد القبائل العربية “الرحل”. فمثﻻ، كانت الكثير من العائﻻت الشيخانية، تنصب الخيم بجانب منازلها المبنية من الطين و اللبان؛ وكانت أغلب مضافاتهم ﻻتخلو من {محماص القهوة و أباريق القهوة العربية، أو القهوة المرة} و هذه عادات القبائل العربية بﻻشك.
و لكن، من المؤكد، أن القبائل العربية – مثل الفدعان العنزة، و جيس و غيرها – هي التي تأثرت بالقبائل الكردية، في مجال بناء القرى، و البيوت الطينية؛ و ذلك لأن غالبية القبائل أو العشائر الكردية، هي قبائل “نصف رحل” ، و جنحت إلى الاستقرار في قراها قبل القبائل العربية بقترة زمنية طويلة.
و تجدر الإشارة، إلى أن معظم القبائل العربية – المشهورة – في (محافظة الجزيرة) أو المنطقة الممتدة، من الفرات غربا، و حتى دجلة شرقا؛ معظم هذه القبائل، مثل طيء، و شمر، الفدعان، و جيس، هاجرت إلى سوريا منذ قرنين تقريبا، و ذلك نتيجة القحط، و البحث عن مراع، للإبل و الماشية.

.
و بالعودة إلى نظام بناء القرى، فإن القرى كانت تبنى في المناطق القريبة من أماكن تجمع مياه السيول، أو المناطق القريبة من الأراضي الخصبة و الصالحة للزراعة. و كانت البيوت أو المنازل، قريبة جدا من بعضها البعض، بحيث تبدو القرية – للناظر من بعيد – كأنها بيت واحد، و الأطﻻل تشهد على ذلك.

.
و يمكننا القول، أن أحدث قرية شيدتها ابناء عشيرة الشيخان، تعود لخمسينيات القرن الماضي.

.
و أهم قرى عشيرة الشيخان هي:

.
– الجلبية (مركز ناحية) خورخوره، توقله، خليجك، كربلك، سفري، كاروز، حمامك، خراب راست، كوله كتي، خراب ساروج غربي، خراب ساروج شرقي، خربة الجمل ، خراب عشك، كوك تب تحتاني، كوك تب فوقاني، شارباني، ترمك شيخان، خراب ساروج حمو خوجه، يارالي، بوزتب، أوج قارداش سرخوش، بوزيك سرخوش، دبيرك شيخان، قورفل، شاويك، منجوكي، كورحسو، رقاص،سربحور، طاشلوك، مزغنة، قازاني، لهيني، رقاص شمالي، كوجكميت، شيش، كرك، ابو صرة، عابر، يدقوي شيخان، كجيقران، تحتيك، خدربجي، متين، كوشكار، كورتك شيخان، بير عمر، بوزيك جنوبي، صال، حمدون، حجوكي، تحتيك لوطيان، أوج قارداش لوطيان، خانيك آفدو، منديك، طاشلوك، درفليت، ميل، منيف، توزنج، جورتانك، مزراصوفيان، بيره كور، برداغ، بشيك، بيرخات، بير طمح، حيمر، بيرناصر، ذوغر، صوﻻن، قرتل، لكتة، دربه حسن، جلكه، جنده، خانيك كبير، قزعلي، كورتك شدك، خان مامد، قينتر جافران.

.
■■■ الشيخ نوح ابن
الشيخ بوزان ( نوحه بوزه) ■■■

.

كما اسلفت سابقا، أنه جاء في كتاب (عشائر الشام) مايلي: 《 رئيس الشيخان الشيخ نوح بن الشيخ بوزان………….. و هذا الشيخ موفور الكرامة ، لشرفه المزعوم! و لحسن سيرته ، و تشد الركائب إليه كثيرا للتحاكم عند اختﻻف العشائر》
في الحقيقة، سمعت روايات كثيرة عن الشيخ نوح، و لمست أن القاسم المشترك بين كل تلك الروايات، هو السيرة الحسنة و السلوك الأخﻻقي، لدى الشيخ نوح؛ حيث أنه كان إنسانا – بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.

.
و تأتي أهمية دراسة شخصية الشيخ نوح كرئيس لعشيرة الشيخان، لثﻻثة أسباب هامة و هي:
– الشيخ نوح رغم الزعامة إنسانا بسيطا.
– الشيخ نوح هو الزعيم الأخير لعموم الشيخان.
– الشيخ نوح يرسم الحدود بين العرب و الكرد بالتعاون مع شيوخ آل مهيد شيوخ الفدعان، من قبيلة عنزة.

.

■ الشيخ نوح ، رغم الزعامة إنسانا بسيطا.

.

أختلفت شخصية الشيخ نوح عن نظرائه من البيكاوات، و الآغوات، و زعماء العشائر في تلك الحقبة، حيث تميز بالطيبة، و البساطة، و الحلم، حتى أن البعض وصفه بالضعف، مقارنة مع سلفه في الزعامة، و شقيقه الأكبر الشيخ عثمان. و لكن في الحقيقة، أن الشيخ نوع لم يكن ضعيفا، بل كان إنسانا ملتزما بالقيم الدينية، و الاخﻻقية التي تربى عليها؛ و قد كان مؤمنا و ﻻ يترك فرضا من فروض الدين الإسﻻمي إﻻ و يطبقها، و هذا ماورد في جميع الروايات التي سمعته عنه.

.
الشيخ نوح (نوحه بوزه) ينتمي إلى فخذ السرخوش، من فرع سيفكي، من عشيرة الشيخان؛ و ينقسم فخذ السرخوش بدوره إلى خمسة فروع و هي:
– شيخ بوزاني.
– جرمي.
– شيخ مسلمي.
– آل علي زره.
– آل شيخ أيوب ( آيب)
– و عمهم الشيخ حسين ( حسه شيه حسين ).
و الشيخ نوح ينتمي إلى شيخ بوزاني، و يمكن كتابة نسبه وفق مايلي:
الشيخ نوح، ابن الشيخ بوزان، ابن مصطفى، ابن شيخ بوزان الجد؛ و شيخ بوزان الجد، كان له ثﻻثة ابناء، وهم شيخ نبي و مصطفى و حمه رش.
● ( شيخ نبي ) و هو من “العكادات” المعروفة في سهل سروج، و كان شجاعا جدا، و قصته مع زعيم عشيرة المﻻن معروفه، حيث أنه أطلق سراح بعض الرجال من أهالي سروج كانوا مسجونين لدى إبراهيم باشا المللي، فطلب شيخ نبي منه أن يطلق صراحهم لكن الباشا رفض، فأشهر شيخ نبي العكيد سيفه، و أسقط أعمدة خيمته الكبيرة، و هدد الباشا، ، مما أضطر الأخير إلى إطﻻق سراح أؤلئك الرجال؛ و ايضا له الكثير من المواقف الشجاعة، و كان يقال عنه: ( Sinciqa Deyişta Sirûcê ) أي علم سهل سروج، و هذا دليل مكانته، و شجاعته.

.
● ( مصطفى ) و هو جد شيخ نوح و له عدة ابناء منهم: شيخ بوزان (بوزيه) و ابنائه هم “شيخ عثمان” و “شيخ نوح” -رئيسي العشيرة – و كدرو (اسمه الحقيقي محمد) و كوجو (اسمه الحقيقي محمود) و من هذه العائلة -بعد وفاة الشيخ نوح – برز عدة شخصيات كوجهاء لعشيرة الشيخان، منهم “بوزان كدرو”

.
● ( حمه رش ) و اسمه محمد، و كان له أربعة ابناء، هم عبدالقادر، حسن (ديلي)، حيدر، شيخ عثمان؛ وقد برز من أحفاده، حفيديه حج إبرام (إيبوي ديلي) و هو والد جدي؛ و أحمد عبدالقادر، و هو والد جدتي.

عصف ظرف طاريء -مقتل الشيخ عثمان – بالشيخ نوح إلى زعامة العشيرة خلفا لشقيقه الشيخ عثمان، و كان الشيخ عثمان قتل أثناء عودته من حلب مع بعض البيكاوات و الآغاوات من عشائر كوباني؛ و ذلك بعد لقائهم بالملك فيصل بن الشريف حسين، عند زيارته لحلب.

.
و هناك رواية حول مقتل شيخ عثمان تقول مايلي: { عندما جاء الملك فيصل بن الحسين – و الذي أعلن نفسه ملكا على سوريا بالتعاون مع الإنكليز – من أجل تشكيل حكومة في حلب، بعد الانتهاء من تشكيل حكومة دمشق برئاسة رضا الركابي، و إصدار دستور. طلب الملك فيصل وجهاء حلب و ريفها من أجل شحذ الهمم ؛ و قد ذهب وفد من كوباني للقاء الملك فيصل، و كان من ضمن هذا الوفد قيادات عشائرية برازية بزعامة “حرجو و بوزان شاهين بك” و “بصراوي آغا” زعيم عشيرة كيتكان، و “الشيخ عثمان” رئيس الشيخان؛ و في حلب تمكن الشيخ عثمان – و الذي كان ﻻتنقصه الحنكة، و المناورة السياسية – من جذب اهتمام الملك فيصل به، و حتى أن الملك فيصل طلب اللقاء به على انفراد؛ و يقال أن اللقاء دار حول [تشكيل إمارة شرق الفرات بين حلب و الحسكة بإدار عشيرة الشيخان، و الشيخ عثمان]
و بعد العودة من حلب، و قبل الوصول إلى الديار، قتل الشيخ عثمان على يد أحد أفراد عشيرته من فرع ( دونكي ) و كان ذلك ثأرا لأجل “محمد بوزحامو”

.
و محمد بوزحامو ( حمديه بوزحامو ) كان أحد عكادات عشيرة الشيخان، قتل على يد محمود شيخ أيوب ( محموده آيبيه ) و رفاقه، و ذلك في عملية خطط لها، و تم تنفيذها على شكل معركة صغيرة، قاتل الطرفان بشجاعة، و قتل محمد بوزحامو في النهاية؛ و كان هذا الأمر نوعا من الصراعات العشائرية العبثية، و التي أشتهر به المجتمع الكردي!
و بالعودة إلى هذا العنوان الفرعي، فإن الشيخ نوح استلم زعامة العشيرة دون أن يكون مهيئا لها، و خاصة أن إدارة عشيرة بهذا الحجم، تتطلب جهودا استثنائية؛ و برأي، هذا مادفع شيخ نوح للاستعانة – في مجلسه – بأهل العلم، و الدين، و الأخﻻق.

.
و قد ذكرت لي جدتي بأن والدها “احمد عبدالقادر” أشار إلى الشيخ نوح، بأن ﻻيستقبل مباشرة الضابط الفرنسي – و الذي كان يتردد إلى مضافة الشيخ نوح لكسب وده – حيث قال للشيخ نوح: عندما يأتي الضابط، أخرج من المضافة، لكي ﻻتنهض من أمامه، و من ثم عد إلى المضافة، لكي ينهض هو من أمامك!
و يذكر، أن شيخ نوح بقي الزعيم القبلي الوحيد خارج إرادة الفرنسيين – في ناحيتي كوباني و تل أبيض – و خاصة، بعد عودة زعامات البرازية “حرجو بك و بوزان بك” لعقد الصداقات مع الفرنسيين منذ عام 1922 م، و ذلك بعد معارك بينهم و بين الفرنسيين بفترة وجيزة قبل هذا التاريخ؛ و من المعروف ايضا أن “بصراوي آغا” كان بمثابة اليد اليمنى للفرنسيين في شمال حلب. و يبدو أن الشيخ نوح قد بالغ في التمسك بقيمه الدينية، و الوطنية، على حساب مصلحة عشيرته!

.
فنرى مثﻻ أن أحد أهم مشايخ العرب – أﻻ و هو الشيخ (مجحم بن تركي بن جدعان آل مهيد) – قد انحاز للفرنسيين، و انقلب على الملك فيصل، و أفتى بالانتداب الفرنسي أمام اللجنة الامريكية!

.
فلماذا كل هذا التمسك و الدفاع عن القيم الدينية و الوطنية من قبل الشيخ نوح آنذاك؟! فهل كانت هناك أحﻻف خفية ألتزم بها الرجل؟! أم أنها مجرد عاطفة دينية، ترفض فكرة أن يأتي غير مسلم و يحتل الأرض، و نحن نقف إلى جانبه؟!
في الحقيقة، أنا أميل إلى هذا التساؤل الأخير، لأن شخصية الشيخ نوح كانت – بحسب الروايات – أقرب إلى القاضي، منه إلى القائد!.

.

■ الشيخ نوح هو الزعيم الأخير لعموم الشيخان

.

صراحة، ليست لدي معلومات دقيقة عن الفترة الزمنية التي سبقت تولي الشيخ عثمان (شيخ أوسمان) بن شيخ بوزان مشيخة الشيخان، و لكن من المؤكد أن الشيخ عثمان، سلف الشيخ نوح، هو الذي جمع العشيرة تحت لوائه، وذلك من خﻻل فرض نفسه كزعيم لعموم الشيخان.
و قبل ذلك كانت هناك شخصيات من الشيخان، أدلت بدلوها كل حسب رؤيته، و مقدراته الشخصية؛ فمثﻻ ظهر على الساحة، حسن ابن شيخ حسين ( حسه شيه حسين ) و كان ضابطا في فرسان الحميدية التي اسسها السلطان عبدالحميد عام 1891 . و فرسان الحميدية ،عبارة عن تشكيﻻت من الخيالة و الفرسان، من العشائر الكردية و غيرهم، و كان الهدف الحقيقي من خلف تأسيس هذه التشكيﻻت العسكرية، هو مواجهة الثورات المحتملة ضد العثمانيين من قبل الكرد و الأرمن، و ذلك بعد استفحال الأزمات الداخلية في الدولة العثمانية؛ و على ما اعتقد فإن تلك التشكيﻻت – فرسان الحميدية – قد انهارت عندما أدرك أفرادها أن الهدف هو ضرب الكرد بالكرد، و الكرد بالأرمن و هكذا….

.
و كان “حسن شيخ حسين ( حسه شيه حسين ) داهية زمانه، و آية من الذكاء و الحنكة، إﻻ أن الظروف الموضوعية حالت بينه و بين بلوغه مراتب عالية في المنطقة. و يبدو أن مسلم مﻻ علي ( مسلمه مﻻ علي ) و هو ينتمي إلى آل الشيخ علي من سيفكي، كانت ظروفه أشبه بظروف حسه شيه حسين ) من آل سرخوش؛ و قد رأيت صورة لمسلم مﻻ علي من الأرشيف العثماني.

.
إذا و باختصار، فإن ألتفاف جميع أفخاذ و عائﻻت الشيخان حول الشيخ عثمان، و من بعد حول الشيخ نوح، دليﻻ على رضائهم بالمشيخة الشيخانية؛ و بذلك يمكننا القول، أن فترة مشيخة الشيخ عثمان – أول شيخ لعموم الشيخان – و من بعده مشيخة شقيقه الشيخ نوح – آخر شيخ لعموم الشيخان – كانت هي الفترة الزمنية الوحيدة التي شهدت وحدة العشيرة، و دوام المشيخة، و بوفاة الشيخ نوح أنتهت المشيخة التي آوت جميع الشيخان.
و رغم أن شخصيات أخرى ظهرت على الساحة، و فرضت نفسها – بعد وفاة شيخ نوح – إﻻ أنهم، لم يتمكنوا من إحياء المشيخة من جديد! و هذا ليست من قلة حيلتهم، بل لأن الظروف كانت أصبحت أكبر من الجميع، و ﻻسيما حالة العداوة بين السرخوش و آل الشيخ علي، و نزاعات أخرى.
و من أهم الشخصيات التي ظهرت – كزعامات عشائرية – بعد وفاة الشيخ نوح ، الشيخ حمو خوجه ( حمويه خوجه ) و هو من السرخوش من سيفكي؛ و الشيخ محمد مصطفى ( حمديه مستفه) و هو من آل الشيخ علي من سيفكي ؛ و كانا زعيمين ﻻيستهان بهما وفق المعايير العشائرية، و لكن للأسف، فقد قتل الشيخ محمد مصطفى، على يد ابناء عمومته من السرخوش ، و كذلك قتل أربعة رجال من السرخوش على يد ابناء عمومتهم، آل الشيخ علي.

.
و كما ذكرت سابقا ، فقد أنتهت العداوة – التي دامت قرابة الستين عاما – بالصلح و عادت المياه إلى مجاريها بعد صراع طويل، و هذا الأمر ليس غريبا عن المجتمع الكردي!
و أما الشيخ حمو خوجه ( حمويه خوجه ) فكانت شخصية كاريزمية في فلك الفكر العشائري، و لعله أدرك أن الزمن سبق عهد المشيخات، و زمن الشيخ نوح و وحدة العشيرة قد ولى! و لذلك أحتفظ بمكانته كأحد أكبر وجهاء عشيرة الشيخان، و ظل محل احترام جميع أفخاذ عشيرة الشيخان حتى وفاته.
و سار على درب حمو خوجه كل من الشيخ فاضل إيبو ( حج فاضل) من آل الشيخ علي من سيفكي، و الشيخ عبدالله كيلو ( عفدللاي كيلوه) من فرع واسلي، و بقي هذان الوجيهان محل أحترام جميع أفخاذ عشيرة الشيخان.

.

■ الشيخ نوح يرسم الحدود بين العرب و الكرد، بالتعاون مع شيوخ آل مهيد، شيوخ الفدعان العنزة

.

يعتبر الشيخ نوح، و الشيخ نوري آل مهيد، و من خلفهما عشيرتي – – الشيخان، الكردية، و الفدعان العنزة، العربية – مثالا للتآخي العربي – الكردي؛ و قد سمعت روايات كثيرة عن الصداقة بين الشيخين، و عﻻقاتهما الوطيدة، و احترامهما لحسن الجوار. و من المعروف، أن مشيخة آل مهيد، كانت تفرض الأتاوات على العرب في شمال مدينة الرقة، من نهر البليخ شرقا، و حتى الفرات غربا، و من عين عيسى ( بوزانه ) شمالا، حتي مدينة الرقة جنوبا؛ و لعل المساحة أكبر، إذا حسبنا مشيخة آل غبين، أيضا من العنزة، و لكن ليست لدي معلومات دقيقة في هذا الشأن.
و حفاظا على حسن الجوار، و العﻻقات الأخوية، اتفق الشيخ نوح و شيوخ آل مهيد، أن يكون الخط الممتد شرق – غرب في قرية “مغار” الحالية، حدودا لمناطق الرعي، بين العشائر الكردية و العربية.

.
و بما أن عشيرة الشيخان كانت في الشمال، و عشيرة الفدعان في الجنوب، و النقطة المركزية قرية مغار الحالية، و التي تبعد عن كوباني (عين العرب) 80 كم تقريبا، فإن هذا الخط ( شرق – غرب) هو خط مستقيم، بين بلدتي، صرين في الغرب، و عين عيسى (بوزانه) في الشرق، مرورا بالكثير من القرى المحدثة؛ و طول هذا الخط 60 كم تقريبا. وبعد سنوات من هذا الاتفاق، استقرت قسم من عشيرة (البوعاصي) العربية، جنوب قرى الشيخان، و نظرا لقلة السكان آنذاك، فلم نسمع عن أي خﻻفات تذكر، بين الشيخان في القرى الحدودية، و بين العرب من الفدعان أو البوعاصي، و قد قال يوما شقيق جدتي، حج حسن ( حسنه احمد) بأن والد جدي، حج إبرام ( إيبويه ديلي ) قال: بأن هذه المساحة تكفينا! و يقصد قريتنا كوله كتي.

.

و توفي الشيخ نوح في العقد الثالث من القرن الماضي – على الأرجح – و لم يخلف سوى بعض الأراضي البعلية، و كانت أمﻻكه ﻻتختلف عن أمﻻك أي فرد من العشيرة؛ و هو لم يكن “بك” أو “آغا”، بل فضل لقب “شيخ” لأنه لقب ديني قبل كل شيء، و لأن عشيرة الشيخان تأثرت بالعرب و عاداتهم بشكل كبير، و الأهم من كل ذلك، هو الطموح نحو بلوغ درجة المشيخة الحقيقية!

.
لأن المثل الأعلى – لعشيرة الشيخان المجاورة لقبيلة عنزة، و مشيخة آل مهيد – هو بلوغ نظام المشيخة و تطبيق قوانينها التي كانت تطبق على العرب من قبل آل مهيد؛ و هذا ليس غريبا، لأن مشيخة آل مهيد كانت الحالة الوحيدة المنظمة، و المرئية لعشيرة الشيخان، و رئيسها! و خاصة، أن قبيلة العنزة كانت قادمة من بﻻد جزيرة العرب، بﻻد تتحول فيها القبيلة إلى دولة!
و طبعا، سلطة الدولة كانت سلطة شكلية آنذاك؛ و لذلك فإن الزعامات المحلية، هي التي مارست السلطة، و كل على عشيرته أو قبيلته.
و أخيرا، لايمكن أن يتم تقديم صورة كاملة عن مرحلة تاريخية من خﻻل مقالة، لذلك ماكان بالإمكان أن نشرح قوانين العشيرة، و قيهما، و عاداتها؛ لأن هذا يحتاج إلى تأليف كتب و ليست مقالات، و نتمنى أن نكون قد وفقنا في إضاءة زواية من تلك الصورة التي أضاعت في زوايا النسيان.

.
المحامي عدنان دالي

آخر التحديثات