كوردستريت || الصحافة
تحت العنوان أعلاه، كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة “زافترا” حول تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص للشأن السوري، جيمس جيفري، الذي قال فيها إن موسكو “غير راضية عن الأسد”.
صرح المبعوث الأمريكي الخاص للشأن السوري، جيمس جيفري، خلال ندوة عقدها معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية، بأن موسكو “غير راضية عن الأسد “.
وردا على سؤال عما إذا كان يعتقد بصحة التقارير الصادرة مؤخرا حول عدم رضا موسكو عن الرئيس السوري، بشار الأسد، أجاب جيفري: “نعم، نعتبرها تقاريرا صحيحة. لقد تحدثنا مع الروس خلال السنة الأخيرة، وهم غير راضين عن الأسد. لكن المشكلة في أنهم لا يرون بديلا له”.
لا أعرف المعلومات أو المحادثات التي استند إليها المبعوث الأمريكي الخاص للشأن السوري في تكوين وجهة نظره عن “عدم رضا” الروس عن الرئيس السوري، لكن المدهش ألا يدرك دبلوماسي مخضرم بوزن السيد جيفري، ذو تجربة سياسية ودبلوماسية غنية، أن روسيا دولة تلتزم حدود السياسة الخارجية اللائقة، وتحرص دائما على احترام سيادة جميع الدول، ولا تلجأ للألاعيب الإعلامية، أو الحرب الهجينة، أو تحريض الشعوب ضد رموزها وأنظمتها السياسية.
وهل من حقنا أيضا أن نسأل السيد جيفري ما إذا كان من الممكن الاعتماد على بعض المقالات التي تنشرها المواقع والصحف الروسية، للإعلان بأريحية وضمير مستريح أن موسكو “غير راضية عن الأسد. لكنها لا ترى بديلا له”.
لقد جرت العادة في البيت الأبيض على دعوة ممثلي وسائل الإعلام الأمريكية، وإعطائهم بعض “النصائح” حول ما يجب التركيز عليه، وما يجب إهماله.
في موسكو لا توجد تقاليد من هذا النوع، ومن حق أي صحفي أو محلل، أن يكتب ما يشاء. لكن أن ينسب ذلك للموقف الرسمي للدولة الروسية، أو يتم البناء عليه بوصفه تعبيرا عن المزاج العام في أروقة القيادة، هو أمر أبعد ما يكون عن الدقة أو الصواب أو الحصافة السياسية.
السؤال المطروح الآن: ألا يبدو توقيت هذه الندوة في معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية مريبا بعض الشيء، في ظل تفاقم حملات إعلامية عن الوضع الداخلي في سوريا، وتضخيم مبالغ فيه حول “أزمات” و”شد وجذب” في العلاقات الروسية والسورية، واقتراب دخول القانون الأمريكي المسمى “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” حيز التنفيذ في يونيو المقبل؟!
لقد انطلق نشاط إعلامي مكثف عقب تصريح جيمس جيفري، وكأن عصا قائد الأوركسترا قد أعطت لتوها إشارة البدء، فخرجت الكثير من القنوات التلفزيونية والصحف ببرامج وتحليلات وتقارير تتحدث عن “اتفاق أمريكي روسي” يهدف إلى “اقتلاع” الأسد، وهو تعبير استخدمه كثير من المحللين و”الخبراء بالشأن الروسي” ممن يشاركون في هذه الحملة الأخيرة، دون أن يكون لديهم أي علم أو دراية بالسياسة الخارجية الروسية، ليصبح هؤلاء، بعلم أو بدون علم، سلاحا إعلاميا بيد من يديرون الحرب الهجينة.
لقد أصبح جليا أن هناك أطرافا تسعى لإفشال جهود مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران)، أطراف لا يروقها النجاح الذي حققته المجموعة من وقف لإطلاق النار على الأراضي السورية كافة ، وكفاءة إدارة مناطق خفض التصعيد المتفق عليها، والإنجازات التي تحققت في معالجة القضايا الأمنية الحساسة، التي تعقدت وتشابكت على مدى 7 سنوات من القتال المرير قبل التوصل إلى مسار أستانا.
هل يجوز أن نصرف أنظارنا اليوم عن الأوضاع الاقتصادية التي تزداد سوءا كل يوم بل كل ساعة في ظل مخاطر وباء الكورونا، والجوع الذي يهدد الشعب السوري، بينما يموت الأطفال والشيوخ بسبب الجوع والبرد، ونتوجه للمنابر والمنصات الإعلامية على اختلافها، ونتبادل إلقاء التهم والمسؤوليات على المتسبب في المأساة السورية، دون النظر إلى آليات حلها، والسعي فورا إلى تجنيد كل الإمكانيات الدولية لإنقاذ الإنسان السوري أو الليبي أو اليمني أو الفلسطيني أو العراقي؟
إن الموقف الروسي واضح كل الوضوح بشأن حل الأزمة السورية وغيرها من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط. فبالنسبة لسوريا تحديدا، أصبح الطريق ممهدا للحل بعد القضاء على الإرهابيين، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار يشمل جميع الأراضي السورية. وهناك قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينبغي الالتزام به، وتنفيذه بحذافيره، وهو ما تسعى إليه روسيا، بينما تحاول الإدارة الأمريكية عرقلته حتى الآن. ولو كان السيد جيفري والإدارة التي يمثلها جادين في إنهاء المأساة السورية، لكان من الممكن استعادة الأمن والاستقرار وإنقاذ التدهور الاقتصادي في فترة لا تتعدى 3-6 أشهر، وهو ما يتعين القيام به، بدلا من وضع شروط إعادة الإعمار وتقديم المساعدات، التي تكررها واشنطن لسنوات.
إن الوضع في سوريا كان ولا يزال خطرا للغاية، لكن كثيرا من الأوضاع تغيّرت، وأكرر أن أهم ما حدث بالدرجة الأولى كان القضاء على التنظيمات الإرهابية، وتغيّر مواقف الكثير من الدول الإقليمية بشأن الأزمة السورية، فلم تعد كثير منها تتدخل في الشأن الداخلي السوري، كذلك أوقف البنتاغون برنامجه التدريبي لتدريب وتسليح قوات المعارضة السورية عام 2018، وهناك تنسيق وتصميم وعزيمة روسية إيرانية تركية، لا تنقصها سوى الإرادة الأمريكية والتعاون من جانب جامعة الدول العربية لبدء عملية الانتقال السياسي في سوريا، ومنح الفرصة لجميع أطياف الشعب السوري لتقرير مصيره واختيار من يحكمه.
(روسيا اليوم)