” لمحة موجزة عن حياة عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ”
عبد الحميد درويش من مواليد قرية القرمانية التابعة لناحية الدرباسية في محافظة الحسكة عام 1936م وهو ينتمي إلى عائلة معروفة بمكانتها الاجتماعية في المنطقة تنحدر في أصولها إلى قبيلة آزيزان التي حكمت منطقة بوطان لفترات تاريخية متعددة وهي عائلة وطنية بعيدة عن التعصب القومي والديني , بل كانت متفتحة ولها علاقات واسعة مع الأوساط العربية والمسيحية , حيث لجأت العديد من العوائل المسيحية إليها لتحتمي بها وتجد الملاذ الآمن . وساعدهم على بناء حوالي 70 دكاناً يزاولون فيها معظم المهن التجارية و الصناعية . درس الابتدائية في الدرباسية عام 1946م بعد جلاء فرنسا بعدة أشهر ثم انتقل إلى القرية بعد فتح مدرسة فيها . حصل على الشهادة الابتدائية خلال 4 سنوات بدلاً من خمسة و ترفع إلى الصف السادس ومن ثم انتقل إلى مدينة الحسكة لإكمال دراسته , وهناك تعرف على مجموعة من الشباب الكرد الدارسين , وكانوا أعضاء في الحزب الشيوعي وتأثر هو أيضاً بالفكر التقدمي , حيث كانوا ينشطون بين صوف الطلاب . انتقل إلى حلب حيث درس في المعهد العربي الإسلامي وحصل على الشهادة الاعدادية وبعد ذلك سافر إلى دمشق للدراسة وسجل في الثانوية البطرياركية للروم الكاثوليك .وكان قد تعرف على الشاعر الكبير جكر خوين وفي نفس العام تعرف على السيدة روشن بدرخان زوجة الوطني الكبير جلادت بدرخان وعلى عثمان صبري وتوطدت العلاقة بينه وبين الشاعر الكبير جكر خوين في أعوام 1952-1953م , ثم تعرف على الشاعر هزار حيث كان ملاحقاً من النظام العراقي وكان يسكن في ( تربه سبي ) عند آل حاجو . وفي عام 1955م أسس جمعية ثقافية مع عثمان صبري – ومحمد صالح درويش- وعبد المجيد درويش – وحمزة نويران وغيرهم … وفي عام 1956م أسس مع عثمان صبري وحمزة نويران أول تنظيم سياسي كردي باسم / حزب الديقراطيين الأكراد / وتم كتابة المنهاج باللغة الكردية بمساعدة الدكتور نورالدين ظاظا و السيد جلال طالباني حيث كان متواجداً في دمشق و السيد عبدالله اسحاقي من كردستان إيران . وفي عام 1957م في 14 حزيران تم الإتفاق مع السادة / رشيد حمو – خليل محمد – شوكت حنان / على اعتبار هذا التاريخ هو ميلاد الحزب , وتغير اسمه إلى ( الحزب الديوقراطي الكردي في في سوريا ) . بدأ حياته الساسية وترك الدراسة بعد أن كان طالب السنة الثالثة في كلية الحقوق . وخلال مسيرته النضالية تعرض مراتٍ عديدة إلى الملاحقة و السجن والاعتقال , حتى أن أهله لم يسلموا من التعذيب بسببه , حيث اودع سجن غويران بالحسكة ولاقى التعذيب الجسدي و النفسي . ذهب إلى كردستان العراق عدة مرات لتوطيد العلاقة مع الثورة الكردية …. المرو الأولى : كانت في عام 1961م تحت وطاة الظروف الامنية و المادية الصعبة , حيث دخل العراق من قرية ( كلي ) التقى خلالها مسؤولي الحزب الديقراطي الكردستاني لتقديم الشكر لهم حول موقهم ومساندتهم لنا . المرة الثانية : حيث تشكل وفد برئاسته ومعه كل من خالد مشايخ وحسن بشار , وهذه المرة للمصالحة بين قيادة الثورة برئاسة السيد البارزاني وجماعة المكتب السياسي يترأسهابراهيم أحمد وجلال طالباني , وقد قابلوا السيد البارزاني لهذا الموضوع في عام 1966م . في المرة الثالثة : لحضور المؤتمر الثامن للحزب الديمقراطي الكردستاني , حيث كان المؤتمر في ناويردان عام 1970م . كما تم حضور المؤتمر الوطني في نفس العام تحت إشراف البارزاني ولتوحيد شقي الحزب في سوريا . ذهب مع السيد عبدالله اسحاقي إلى بيروت عام 1964م لاطلاع الرأي العام العالمي و العربي ومنظمات حقوق الإنسان و الهيئات الدولية على حقيقة الأوضاع التي يعيشها الشعب الكردي . عمل رئيس تحرير مجلة الكادر التي كان يصدرها الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد وكتب فيها العديد من الدراسات و المقالات وألقى كلمة مطولة عند تخرج كوكبة من الدارسين باعتباره كان مديراً للمعهد . ونذكر في هذا المجال أن المرحوم ملا مصطفى البارزاني كان يكن له محبة وتقديراً ويجد فيه سياسياً ناجحاً , وظهر ذلك في الؤتمر الوطني عام 1970م عندما قال ” لا أسمح لأحد أن يتهجم على عبد الحميد باسمي ” . سافر إلى اوروبا لحضور مؤتمر أتحاد الطلبة الكرد في تشيكوسلوفاكيا . وعمل على توحيد الحركة الكردية والكردستانية : عام 1977م اجتماع في بيروت مع الأحزاب الكردية والكردستانية للغاية نفسها . ميثاق العمل الوطني بين حزبنا و الحزب اليساري و الحزب الديمقراطي السوري . أصبح رئيساً للجنة التعاون و التنسيق بين الأحزاب التالية عام 1981م : الحزب الديمقراطي التقدمي – الاتحاد الوطني الكردستاني – الحزب الاشتراكي الكردستاني “تركيا” –الحزب الديمقراطي الكردستاني”أيران” حيث سافر لهذا الموضوع إلى أيران , ثم كردستان العراق وعاد عن طريق أفغانستان . اعتمد في حياته السياسية على الموضوعية و العقلانية و الاعتدال السياسي و الصدق و الوفاء بالوعد و الاحترام و التواضع و المعاملة الطيبة و نكران الذات . ويتمتع بذكاء و حنكة سياسية , وحاور من الطراز الأول , يسمع كثيراً, قليل الكلام كثير العمل , يقدم كل ما لديه في سبيل قضية شعبه . لم يعرف اليأس يوماً ولا التعب , ولم يشتكي من سوء الحال , ومتفائل دوماً , يتمتع بصفات القيادة و القادة الكبار . لم يساوم على قضيته , شجاع , جريء , موضوعي جداً في تناوله للقضايا . وطني بامتياز حسب شهادة الكثير من الشخصيات العربية و المسيحية و العلوية , وحتى بعض رجال السلطة لم ينكروا هذا الشيء , على الصعيد الاجتماعي محبوب من الجماهير , وله علاقات وطيدة مع رؤوساء العشائر العربية و الشخصيات و الرموز الدينية المسيحية . عارض السياسات الشوفينية منذ انطلاقته السياسية ونادى بحل القضية الكردية ضمن إطار البلاد , لم يعرف التبعية السياسية , بل ظل مستقلاً برأيه حراً في آرائه . ساهم في بناء علاقات كردية – عربية , حيث قام بعقد العديد من الندوات وجلسات الحوار المفتوح و الطاولة المستديرة في دمشق . من الؤسسين الأوائل لإعلان دمشق المعارض . لعب دوراً بارزاً وأساسياً في وأد فتنة 12 آذار عام 2004م الذي قام بتدبيره جهات أمنية وشوفينية . كما لعب أدواراً بارزة من أجل لملمة صفوف الحركة الكردية مثل ( التحالف – و أخيراً المجلس الوطني الكردي ) . قادته بعد نظره السياسي أن يكون مظفراً حقيقياً و مأملاً أثناء الأزمات . وكان له رأي سديد وصائب قبل الثورة , حيث بعث رسالة إلى رئيس الجمهورية يذكره بأن تغيرات هالكة ستحل بالمنطقة و سوريا . وأثناء الثورة السورية طرح فكرة المؤتمر الوطني العام وحل الازمة سلمياً . ترك البلاد إلى كردستان العراق بسبب الظروف السياسية و ليقدم ما لديه من أجل قضية الشعب الكردي في سوريا . وقد لعب دوراً بارزاً في إيصال صوت الكرد إلى الكثير من المحافل الدولية و العربية و العالمية . كتب عنه العديد من الكتّاب و المثقفين العرب و الكرد , وتبين ذلك في كتاب عبد الحميد درويش في الذاكرة الوطنية – شهادات و آراء … لا يمكن أن نوفي حق هذه الشخصية الفذة و المناضلة ومؤسس أول تنظيم كردي في سوريا . وأن نلم بكافة جوانب حياته السياسية التي تمتد أكثر من 50 عاماً و المليئة بالنضالات و العذابات و المشقات و الصعوبات , إلا أننا بهذه الأسطر أردنا أن نتناول هذه الشخصية ونكسر القاعدة التي اعتمدنا نحن أهل الشرق أن لا نكرم أحياناً إلا بعد الموت . وأردنا أن نستلهم من مدرسته الوطنية و القومية و الأخلاقية الدروس والعبر والمواعظ . نتمنى له طول العمر وأن يعود سالماً إلى ربوع وطنه , والثورة السورية قد حققت أهدافها في الحرية والكرامة. لا ننسى أبداً بأن هذا المناضل الصلب قد تعرض للكثير من الحملات العدائية لتشويه صورته السياسية و الاجتماعية , هذه الحملات التي كان مديروها ومخططوها الجهات الأمنية و الشوفينية و أدوات تنفيذها العملاء و أذيالهم وضعاف النفوس وأصحاب المصالح و الذين كانوا يتاجرون بالقضية الكردية . ولم يتركوا إتهاماً إلّا و ألصقوه به سياسياً , اجتماعياً , أخلاقياً , دينيّاً .. لكنهم وبكل وسائلهم الدنيئة و الرخيصة لن يستطيعوا أن ينالوا من هذا المناضل الكبير . سيبقى عبد الحميد درويش مدرسة وطنية و قومية و أخلاقية يستلهم رفاقه و شعبه من —– . متأثرين بفكره السليم وسلوكه الإنساني العظيم وحنكته السياسية وتضحياته ونهجه في الحياة وسيظل شمعة مضاءة في سماء الكرد و الكردستان . ومنارة تضيء الدرب أمام الاجيال القادمة .