حياته:
.
ولِد المناضل الكوردي عبدي نعسان عام 1947م في قرية علبلور الواقعة غرب مدينة كوباني بمسافة 5 كم، وهو من عائلة كوردية وطنية، وقريته دمّرت بشكل شبه تام جراء استهدافها من قبل طيران التحالف الدولي إثر تواجد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في القرية أثناء الهجوم الإرهابي على المدينة وريفها في أواخر 2014م.
.
تعليمه:
.
درس عبدي نعسان مراحل تعليمه الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس كوباني، فسافر إلى مدينة اسطنبول في تركيا عام 1970م ومعه بعض النقود والقرآن الكريم وسجادة للصلاة، وذلك لإكمال دراسته هناك، فدخل كلية الصيدلة فدرس فيها إلى أن تخرّج صيدلانياً، وأسّس علاقات سياسية وثقافية واجتماعية من الوسط الطلابي القريب من حزب اليسار التركي والأحزاب الكوردية، حيث كان ينتقد اليسار التركي بسبب ديكتاتوريته وشوفينيته تجاه الشعب الكوردي. ألف كتاباً لتعليم اللغة الكوردية أثناء عمله السياسي مع الشخصيات الوطنية والمناضلة.
موسيقياً كان يستمع دائماً لعمالقة الأغنية الكوردية شفان برور ومحمد عارف الجزراوي ومحمد شيخو، حيث يستمع لأغانيهم القومية والفلكلورية بشكل يومي.
.
حبّه للوطن والفقراء:
.
كان يحب شعبه وكوردستان حباً لا يوصف، ويساعد الفقراء قولاً وفعلاً بإعطاء الدواء مجاناً للمحتاجين الذين ليس لديهم ثمن الشراء.
.
آزاد قادر يقول على لسان والده خالد قادر وهو شقيق الشهيد عبدي نعسان الذي كان جالساً في أحد الأيام في صيدليته:
.
“بينما كنت جالساً في صيدليته، كان يقلب صفحات بعض الكتب وهو خلف طاولته، فدخل عليه أحد أبناء بوزان بَـك المعروف بقصوره وجاهه وغناه، فطلب منه دواءً، فلم يتحرّك من وراء طاولته وردّ عليه بعدم توفير هذا الدواء في صيدليته. وبعد ساعة وأكثر دخل عليه فقير من إحدى القرى وطلب منه نفس ذاك الدواء الذي طلب منه ابن بوزان بَـك، فقام ودخل الغرفة الخلفية وأتى له بالدواء دون أن يأخذ منه أي شيء، فاستغربت وسألته بعين محمرّة: “لماذا فعلت هذا يا أخي؟ لماذا لم تعطِ الدواء لابن بوزان بَـك وأعطيته لهذا الشخص؟”. فقال: “أنا أتيت بهذه الأدوية لأجل هؤلاء الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة، فهذا الفقير يحتاج لهذا الدواء، لأنه فقير وليس لديه القدرة على شرائه من مدينة أخرى، بينما ابن بوزان بَـك يستطيع أن يشتريه من أيّ مكان يريد)”.
.
أما “عزيز حوران“ وهو مناضل سياسي من منطقة برجم في ريف كوباني الغربي عمل في صفوف حزب اتحاد الشعب الكوردي تحدث عن الدور الذي لعبه الشهيد عبدي نعسان من خلال عمله في صيدليته ديرسم فقال: “صيدليته كانت عبارة عن جمعية صغيرة للفقراء والمحتاجين، وذلك من خلال تقديم الأدوية لهم دون أي مقابل، وكان الجميع ينادونه بـ (عبدي صيدلي) وذلك لحبه واحترامه واهتمامه بزبائنه والفقراء والأصدقاء”.
نضاله:
.
كان من أحد مؤسّسي حزب الشغيلة الكوردي، وقبلها كان عضواً في المكتب السياسي للحزب اليسار الكوردي، حيث كان من الذين ساهم في الحراك الثوري في الجامعات التركية عندما كان يدرس هناك في كلية الصيدلة، وعند عودته إلى كوباني كان يبثّ روح الثورية والنضال في نفوس الشباب، حيث بدأ بمناهضة الكثير من العادات القبلية والعشائرية في كوباني وريفها، ودعا إلى الاهتمام بالتاريخ والأدب الكورديين، وواجه الأجهزة الأمنية البعثية وعملائها بجرأة فائقة وصلابة غير محدودة، لذا كان الكثير من أبناء المنطقة يعتبرونه الشخصية الاستثنائية.
.
يقول المناضل الكوردي (مصطفى بكر بافي بروسك) أحد أصدقاء الشهيد القدامى والقيادي السابق:
.
“معرفتي بالصيدلي الشهيد عبدي نعسان كانت في عام 1971م، حيث زرته في قريته علبلور مع رفيقيّ في القيادة المرحلية أحمد بكي ومحمد علي ناريكو، كان عبدي من عائلة اجتماعية بسيطة متواضعة، عرفته صديقاً مخلصاً بكل معاني الكلمة، يمارس السياسة بأخلاق الثوّار والأبطال المخلصين، إذ كان يسلك السبل الشريفة للوصول الى أهداف صحيحة ناجحة، شعاره في الحياة “العمل المنظّم المستمرّ والعلم”، كان يميل للحزب اليسار الكوردي جناح (أوصمان صبري)، ويحترم ويتابع نشاطات اليمين الكوردي جناح (عبد الحميد حاج درويش).
في عام 1978م دعاني للعودة إلى صفوف الحزب اليساري الكوردي بقيادة عصمت فتح الله، فسرعان ما استهوتني الفكرة عدّت إلى صفوف الحزب في عام 1979م، وحضرت مؤتمر الحزب الذي انعقد في قريته علبلور، وانتخبت لعضوية اللجنة المركزية إلى جانب عبدي نعسان وعبد الباسط سيدا وصبغت فتح الله وآخرون، وفي عام 1982م وبعد مشاورات عديدة مع رفاقنا أسّسنا حزب “الشغيلة الكوردي“ مع عبد الباسط سيدا وصبغت فتح الله. كانت حياة عبدي نعسان مفعمة بالنضال الثوري، حيث كان يملك شخصية قيادية وروح وطنية وأفكار جريئة صلبة بكلّ معاني الكلمة، ويعمل لتهيئة نفسه لمشروع كوردستاني في طور التبلور السياسي، يقرأ كلّ الكتب المتعلقة بالقضية الكوردية صفحة وراء صفحة، وكلما أراد أحد الانتساب إلى صفوف الحزب كان لا بدّ أن يمرّ بالامتحان الذي عمل عليه المرحوم كشرط للانتساب، فالشرط الأول على المنتسب أن يلمّ بالتاريخ والجغرافية الكوردستانية، والثاني أن يتعلم الأفكار الماركسية ـ اللينينية ويعمل وفقها ويؤمن بها، والشرط الأخير تعليم اللغة الكوردية واجب عليه أن يتقنه كتابة وقراءة، وهذا الامتحان كان محدّداً بستة أشهر، وإن لم ينجح فيه كان يقوم بإعادته له، لدرجة أن البعض كان يخاف ويحسب منه ألف خوف وحساب”.
.
علاقته بأوجلان:
.
الشهيد عبدي نعسان لم يكن يعرف عبد الله أوجلان القيادي في حزب العمال الكوردستاني مطلقاً أثناء دراسته في اسطنبول وعمله الثوري والوطني مع رفاقه الكورد من تركيا وسوريا، فأوجلان دخل إلى مدينة كوباني عبر الحدود السورية ـ التركية في شهر تشرين الأول عام 1979م تحت الاسم الحركي (إسماعيل)، هرباً مع بعض من رفاقه الثوريين من قمع النظام التركي وديكتاتوريته، واختار منزل الشهيد مكاناً للمكوث فيه نحو أربعين يوماً، لأنه كان من المشتغلين بالحركة الكوردية ومن قيادات حزب الشغيلة الكوردي، ومعروفاً بنزاهته وإخلاصه لقوميته وشعبه، وعبدي بدوره حماهم وأمّن لهم الاستقرار وراحة البال في زمن كان استبداد النظام السوري شديداً على السياسيين والمثقفين الكورد؛ إلا أنه لم يكن يخاف منه، ولكن بعد أن شقّ أوجلان طريقه مع النظام السوري فقد انقطعت العلاقة بينهم، لان الشهيد كان ضدّ تلك العلاقة، وضد التعامل مع النظام السوري الدموي، التي قال وقتها بأن هذه العلاقة ستكون البذرة الأولى للتشرّد السياسي الكوردي في سوريا ومأساة شعب يعشق قضيته ويتمسّك بحقه ووطنه.
.
.
وبعدها بسنوات أسّس أوجلان بين كورد سوريا قاعدة حزبية مع بعض من الأصدقاء والشخصيات، أحييت فكره السياسي، وزودت الحزب بمقاتلين وكوادر عديدة.
.
اغتياله:
.
اغتيل الشهيد عبدي نعسان في يوم الأحد تاريخ 11 أيار من عام 1985م الساعة الخامسة مساء في صيدليته بثلاث رصاصات وضعت بين كتفه ورأسه لتصل ثلاثتها إلى قلبه مباشرة بحسب تقرير طبي من أحد أطباء مدينة كوباني، اغتياله كان لدوافع انتقام عقلية العشائر المتخلفة وللأسباب السياسية، وقد نفذها أعداء الكوردايتي (تأكيداً على كلام بافي بروسك)، وتعاون الرجعية المحلية مع الأجهزة الأمنية البعثية، وبتواطؤ وتوجيه من أحد الفصائل الكوردية على اغتياله تحت ذريعة الثأر العشائري، لذلك كانت حادثة اغتياله من حوادث الاغتيال السياسي في سوريا.
.
.
إدريس سالم