كانت المياه تتنقط من فوهة الابريق الفخاري القديم وهو ينزل الدرج من الطابق الرابع , و على الرغم من وجود مصعد في البناية التي تم انشائها مؤخرا ألا إنه كان يفضل الأستمرار في عادته القديمة وهي النزول عبر الدرج , أنه رجل قديم الطراز عنيد صلب كالصنديد تملئ أيديه الشقوق والخطوط التي كانت تختصر لك قصة معاناته في الحياة …… نعم إنه أبا مجد المحبوب من سكان البناية جميعا يعيش مع زوجته التي كان يحب أن يلقبها بالثرثارة لكثرة ثرثرتها ونقلها للأخبار , احد أبنائهم يخدم في الجيش النظامي اما الأخرفكان في صفوف الثوار كان يقيم آلاف الصلوات كل يوم كي لا يصيبهما مكروه ابني يقاتل ضد ابني ؟؟؟؟؟؟ مقولته الشهيرة التي كان يرددها كل يوم آلاف المرات والتي كانت تختصر قصة وطن يقتل فيه الأخ أخاه ليس لشئ وأنما لاختلاف ادلجتهما,,,,,, أياك أن تذر التراب على ثيابك هذه المرة ونظف حذائك جيدا قبل الدخول ما أن تلامس الشمس رأسه الأبيض وهو يتجه الى الحديقة متجاوزا مدخل البناية التي كان معتادا أن يسقي اشجارها ويعتني بأزهارها بعد كل يوم من صلاة الفجر حتى تصتصبح به زوجته بتلك الجمل التي ظلت ترددها منذ أنتقالهم للعيش هناك ألا أن أبا مجد لطالما كان يضحك في قرارة نفسه ويهمس ,,,هه ثرثارة ,,, وتمضي زوجته قدما لن تصمد للحظة إذا ما قصفها النظام لن يتجرأ أحد على المساس بها مادمت حيا يرد عليها
كانت الحديقة في حالة يرثى لها حين انتقلا للعيش هناك القمامة تملئ المكان الأشجار شبه ميتة الأزهار زابلة لا تكاد تراها وهي محاصرة من قبل الأعشاب الضارة إلا أن عناده وأصراره قد جعلت منها حديقة مثالية في الحي فقد اعتنى بها جيدا حتى أصبحت الأشجار تثمر ورائحة الأزهار تملئ المكان كل ربيع وانشئ فيها عدة ألعاب للأطفال كي يلعبوا فيها بدلا من اللعب على الشارعكان محبوبا من قبل جميع الأطفال ولم لا و قد انشأ لهم مدينة صغيرة جميلة من محض خياله بالإضافة الى ملاعبتهم واللهو معهم حين كان يضجر من الأخبار التي كان يستمع إليها كل يوم عبر جهاز الراديو الصغير الذي كان بحوزته
سيئة…. سيئة…. سيئة ….
لا يوجد خبر واحد جيد
كلها مزرية قصف مدينة في الشمال وتدمير بلدة في الجنوب ومجزرة في الشرق وهجرة في الغرب كان دائما يتراود الى ذهنه صورة ولديه وهما يتقابلان في المعركة ترى هل سيقتل احدهم الأخر كلا كلا فهم اخوة ومهما اختلفت عقيدتهم وولائهم إلا إنهم في النهاية اخوة كان يواسي نفسه بتلك الجمل وهو يتأمل المستقبل الذي فيه الأمان والأستقرار والحرية , فجأة اصبح يشعر بشئ غير طبيعي صوت ضجة ممزوجة بصرخات نابعة من قلوب محروقة ثم اصبح الضجيج يزداد اكثر فأكثر نظر الى الأفق عاليا وإذا بحوامة تابعة لقوات النظام تتطاير منها القذائف في كل مكان نظر للأطفال برعب شديد وخوف يملئ عينيه أهربو صرخ بأعلى صوته لدرجة ذعر الأطفال لصوته وبات كل طفل يركض في اتجاه والدموع تهطل مثل امطار الربيع من اعينهم إلا ان سرعة القذيفة كانت اسرع منهم تلك التي سقطت بالقرب من ابا مجد بعدة امتار والتي نسفت الحديقة ومن فيها كان الأوان قد فات حين ادرك بإن زوجته كانت على حق في كل كلمة قد لفظت بها الا ان الاوان قد فات على الندم ….. لم تفارق البسمة شفتيه وهو يودع حديقته الجميلة ومستذكرا كلام زوجته
لقد كانت على حق كانت هذه اخر جملة رددها ابا مجد في نفسه قبل ان يلفظ انفاسه .
فيس بوك
https://www.facebook.com/suliman.hasan.16
سليمان حسن
بلجيكا