كوردستريت || الصحافة
في ظل تركيز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الحالي بصورة أساسية على عدد من القضايا الداخلية الملحة المختلفة، تتراوح ما بين حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة ومواجهة جائحة كوفيد19-، هناك قلق متزايد إزاء سعى عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاستغلال الموقف لإعادة بناء هياكلهم الأساسية الإرهابية في أنحاء الشرق الأوسط.
ويقول الكاتب البريطاني كون كوفلين إن هناك دلائل متزايدة في دول مثل العراق، وأفغانستان، وليبيا ، على أن قيادة داعش تسعى لأن تنهض من هزائمها الكارثية التي واجهتها في السنوات الأخيرة وتعيد من جديد بناء قوتها القتالية.
وأضاف كوفلين محرر الشؤون العسكرية والخارجية بصحيفة” تليغراف” البريطانية ، وزميل معهد جيتستون الأمريكي أن الدليل الأكثر دموية على القوة الجديدة للجماعة في أفغانستان اتضح عندما اتهم المسؤولون الأمريكيون داعش بتنفيذ الهجوم الوحشي على مستشفي للولادة في العاصمة كابول والذي أسفر عن مقتل 24 شخصا، من بينهم عدد من الأمهات والأطفال حديثي الولادة.
وقال كوفلين في تقرير نشره مؤخرا معهد جيتستون إن حالات الفوضى التي تزداد عمقا في ليبيا نتيجة الحرب الأهلية الضارية هناك، أثارت أيضا المخاوف من أن جماعة داعش تسعى لاستغلال الوضع لإعادة بناء قوتها العملياتية في الدولة المحورية في شمال أفريقيا.
ولمواجهة مثل هذه المحاولة نفذت الطائرات الأمريكية المسيرة سلسلة من الهجمات العام الماضي ضد مواقع داعش في الصحراء الليبية، وما زال مسؤولو المخابرات الغربيون يشعرون بالقلق إزاء احتمال قيام الجماعة بزرع خلايا نائمة في بعض المدن الكبرى في ليبيا.
وحتى الآن يتمثل القلق الأكبر بالنسبة للمسؤولين الأمنيين الغربيين في احتمال قيام جماعة داعش بإعادة بناء هيكلها الأساسي في العراق، الدولة التي أعلن فيها زعيم داعش السابق أبوبكر البغدادي على الملأ إقامة ما يسمى بخلافته في حزيران/ يونيو. 2014
وبحلول الوقت الذي لقى فيه البغدادي حتفه خلال عملية للقوات الخاصة الأمريكية في محافظة إدلب شمال غرب سورية في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، كان قد تم القضاء على تنظيم داعش نتيجة الحملة العسكرية الفعالة للغاية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ، والتي أسفرت عن تدمير الخلافة.
ومنذ ذلك الوضع السيء للغاية لداعش، رصد مسؤولو الأمن العراقيون عودة ظهور نشاط ترعاه جماعة داعش في العراق في الشهور الأخيرة، مع تركيز معظم النشاط في المحافظات الواقعة شرق و شمال بغداد. وفي شهر نيسان/ إبريل فقط، نجحت الجماعة في القيام بــ108هجمات في العراق، بما في ذلك هجوم على مقر للمخابرات في كركوك. وفي مطلع شهر أيار/ مايو الماضى قتل مسلحو داعش ما لا يقل عن 10 من عناصر الميليشيا العراقية في هجوم منسق على قاعدتهم في مدينة سامراء بوسط البلاد.
ويعتقد مسؤولو التحالف أن هناك أوجه شبه بين الأساليب التي تستخدمها جماعة داعش في نشاطها الحالي في العراق وتلك التي استخدمتها أثناء بداية حملتها في شمال العراق في عام 2013، والتي أسفرت في نهاية الأمر عن سيطرة الجماعة على مساحات كبيرة من البلاد.
وتظهر الثقة المتزايدة لدى قيادة داعش في العراق في رسالة عبر الانترنت نشرها القائد الجديد للجماعة أبو ابراهيم القرشي في نهاية آذار/مارس الماضي، والتي قال فيها بشكل مشئوم” ما تشاهدونه هذه الأيام في المنطقة مجرد دلالات على التغيرات الكبيرة التي سوف توفر لنا فرصا أكبر مما كان لدينا في العقد الماضي”.
ويقول مسؤولو الأمن العراقيون أن عدد مقاتلي داعش في العراق يتراوح الآن ما بين 2000 و3000، من بينهم حوالى 500 من المسلحين الذين شقوا طريقهم إلى العراق بعد هروبهم من السجون في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه مقدرة قوات الأمن العراقية على التعامل مع تهديد داعش صعوبات بعد انخفاض قوة الجيش العراقي بنسبة 50 في المئة في عدد العسكريين المتاحين نتيجة لجائحة كورونا.
وقد وفر هذا لداعش القدرة على تغيير مسار تركيز هجماتها من القيام بأعمال ترهيب محلية ضد مسؤولي الحكومة إلى القيام بمهام أكثر تعقيدا، من بينها شن هجمات بعبوات ناسفة بدائية الصنع، و القيام بعمليات إطلاق نار ونصب كمائن ضد عناصر الشرطة والجيش .
وأدت قوة داعش المتزايدة في العراق إلى أن تستأنف قوات التحالف الهجمات الجوية ضد أهداف الجماعة في البلاد. وفي الشهر الماضي نفذت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية سلسلة هجمات ضد شبكة من الكهوف في شمال العراق كان مقاتلو داعش يستخدمونها كقاعدة لهم، وأسفرت الهجمات عن مقتل ما بين 5 و10 من الإرهابيين.
و يقول كوفلين إن مصادر الأمن الغربية تعتقد أن هناك عددا من العوامل تفسر عودة ظهور داعش في العراق. فبغض النظر عن استغلال نقص القوة العاملة في صفوف قوات الأمن العراقية بسبب جائحة كورونا، استغل قادة داعش أيضا الشلل السياسي الذى شهدته البلاد في أعقاب موجات الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة.
ومن المؤكد أنه ينبغي أن تكون عودة ظهور داعش في العراق بمثابة جرس إنذار لإدارة ترامب وهى تراجع الالتزام العسكري الأمريكي تجاه العراق في أعقاب تعيين رئيس المخابرات العراقية السابق مصطفي الكاظمى الموالى للغرب رئيسا للوزراء.
ويؤكد كوفلين أن سبب قدرة العراق على إجراء الانتخابات يرجع في المقام الأول للتضحيات الهائلة من جانب القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف بعد الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، وهو إنجاز لا يمكن أن تسمح إدارة ترامب بالمساس به من خلال عودة ظهور داعش .