كوردستريت|| وكالات
تحدث تقرير في موقع “بوليتيكو” الأميركي، الجمعة، بعنوان “واشنطن تريد من أوروبا شراء أسلحة أميركية.. الاتحاد الأوروبي لديه أفكار أخرى”، عن رغبة واشنطن في أن “يستثمر القطاع الدفاعي الأوروبي في الشركات الأميركية”، بينما يأمل قادة الاتحاد الأوروبي، في المقابل، تعزيز صناعاتهم الدفاعية الخاصة.
وأشار التقرير إلى أنّه “عُقدت قمة تلو أخرى، وفي كل مرة يحصل الأوروبيون على رسالة عامة واضحة من واشنطن بشأن ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، لكن يوجد رسالة أخرى سرية يحصلون عليها في الكواليس، وهي ضرورة أن يكون هذا الإنفاق الإضافي على الأسلحة الأميركية”.
وأشار تقرير “بوليتيكو” إلى أنّه “يبدو أن القادة الأوروبيين يقاومون”، إذ قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في براتيسلافا، الشهر الماضي، إنه “يجب علينا تطوير قاعدة تكنولوجية وصناعية دفاعية أوروبية حقيقية في جميع البلدان المهتمة، ونشر معدات ذات سيادة كاملة على المستوى الأوروبي”.
ومع ذلك، شهد الحلف ثمانية أعوام من الزيادات المطّردة في الإنفاق. ففي عام 2022، ارتفع إنفاق الدول الأوروبية بنسبة 13% إلى 345 مليار دولار، وهو ما يقرب من الثلث، أعلى مما كان عليه قبل عقد من الزمن، وكان كثير منه ردّ فعل على الحرب في أوكرانيا.
ويبرز السؤال الآن بشأن كيف سيتمّ إنفاق هذه الأموال، إذ تريد الولايات المتحدة التأكد من أنّ الدول الأوروبية، التي تنفق بالفعل نحو نصف مشترياتها الدفاعية على المعدات الأميركية، لا تقوم بأيّ تحوّل جذري نحو إنفاق مزيد من هذه الأموال في الداخل الأوروبي.
هل تستطيع أوروبا تسليح نفسها بنفسها؟
وفي المقابل، يأمل بعض القادة الأوروبيين أن يحدث ما لا تريده واشنطن، وهو الإنفاق على الصناعات العسكرية الأوروبية، وليس الأميركية، لكنّ السؤال مفتوح عما إذا كانت الصناعات العسكرية في القارة يمكنها فعلاً تحقيق ذلك.
وتساءل ماكس بيرغمان، مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، عن الاتجاه الذي قد يسلكه الاتحاد الأوروبي، وهل يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي سينفصل عن الناتو، وما سيكون عليه شكل التأثير في السياسة الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة.
وأوضح بيرغمان أنّ “التوترات الحالية في بروكسل تدور حول إذا كان يجب أن تقتصر السياسة الدفاعية الجديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي على شركات الاتحاد الأوروبي، وهو موقف يقوده ماكرون ومفوّض السوق الداخلية تييري بريتون، وهو فرنسي كذلك. ويؤكد ذلك شكوك الدول بشأن الحمائية الأوروبية، عندما يتعلق الأمر بالسماح للشركات الأميركية بالمنافسة على عقود الاتحاد الأوروبي”.
وقال بريتون، الشهر الماضي، إنّ “خطتنا هي تقديم الدعم المباشر، بأموال الاتحاد الأوروبي، من أجل الجهود المبذولة لتكثيف الصناعة العسكرية لدينا، وهذا من أجل أوكرانيا وأمننا”.
لكن هناك حقيقة غير مريحة لمؤيدي الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، فعندما يتعلق الأمر بالسلاح، فإن أوروبا لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة.
الأسلحة الأميركية “جذابة”
بينما تتمتع الشركات الأوروبية بخبرة عميقة في مجال التصنيع العسكري، من مقاتلة رافال الفرنسية إلى دبابة ليوبارد الألمانية، ونظام الدفاع الجوي البولندي المحمول، بيورون، فإنّ حجم صناعة الأسلحة الأميركية، فضلاً عن ابتكاراتها التكنولوجية، أمرٌ يجعلها جذابة بالنسبة إلى أوروبا.
والعنصر الأكثر شيوعاً اليوم هو مقاتلة لوكهيد مارتن، “أف – 35″، وثمنها 80 مليون دولار أميركي، لكن هناك أيضاً زيادة فورية في الطلب على العناصر الجاهزة، مثل الصواريخ المحمولة على الكتف وقذائف المدفعية.
وكشف تقرير صادر عن معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” أنه “بعد الحرب في أوكرانيا، تريد الدول الأوروبية استيراد مزيد من الأسلحة بصورة أسرع”.
وتشتري مجموعة من الدول الأوروبية صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وهي من إنتاج شركتي “رايثيون” و”لوكهيد مارتن”. ووقّعت بولندا هذا العام صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لشراء 116 دبابة من نوع “أبرامز أم-1 أيه-1″، وبالإضافة إلى اتفاقية أخرى بقيمة 10 مليارات دولار لشراء أنظمة الصواريخ عالية الحركة، التي تنتجها شركة “لوكهيد مارتن”.
وتشتري سلوفاكيا مقاتلات “أف – 16″، بينما تجري رومانيا محادثات لشراء طائرات “أف – 35”.
وتثير هذه الصفقات مخاوف في أوروبا بشأن ما إذا كان في إمكانها إبعاد نفسها عن مورّدي الدفاع الأميركيين. ففي أحد الأمثلة، تشعر فرنسا وألمانيا بالقلق بشأن نيات إسبانيا، التي تبدي اهتماماً بطائرات “أف – 35” الأميركية، بينما تشارك في مشروع تطوير المقاتلة النفاثة الأوروبية المستقبلية.
ضغط الحرب في أوكرانيا
لكنّ الحاجة إلى إعادة ملء مخازن الأسلحة ومستودعاتها، ومواصلة شحن المواد إلى أوكرانيا، أمر ملحّ. وبعد عقود من الانكماش الصناعي الدفاعي، تواجه صناعة الدفاع في القارة صعوبة في التكيف مع الزيادة في الطلب، كما يشير موقع “بوليتيكو”.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية إنّ “حلفاءنا وشركاءنا الأوروبيين لم يشهدوا شيئاً من هذا القبيل”، في إشارة إلى ضخامة الإنفاق بسبب الحرب الأوكرانية.
وفي المدى القريب، تعني قضايا القدرات والإرادة السياسية أن التغيير الخطابي في الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي من غير المرجح أن يُحدث تأثيراً كبيراً في السياسة الصناعية العسكرية الأميركية.
وبينما شهدت الأشهر الثمانية عشر الماضية ارتفاعاً هائلاً في ميزانيات الدفاع العسكرية، أعلنت ألمانيا إنشاء صندوق خاص، مموَّل عبر الديون، بقيمة 100 مليار يورو. ومن المقرَّر أن يصل الإنفاق الدفاعي لبولندا إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بينما تواجه مشاريع الصناعات العسكرية على مستوى الاتحاد الأوروبي رياحاً معاكسة كبيرة.
وتقول الشركات الأوروبية إنها في حاجة إلى مهل زمنية أطول وعقود طويلة الأجل من أجل القيام بالاستثمارات المطلوبة. وفي نهاية المطاف، تعني الطفرة الدفاعية العالمية أنه يجب أن يكون هناك كثير من الإنفاق العسكري، على الأقل في المدى القصير، بحيث تسارع الدول إلى إثبات قيمتها لحلفائها في الناتو والاتحاد الأوروبي، بينما لا يزال التهديد الروسي حاداً.
(الميادين)