النزعة الإنشقاقية في المجتمع الكردي

آراء وقضايا 06 يوليو 2018 0
النزعة الإنشقاقية في المجتمع الكردي
+ = -

كوردستريت || المقالات

.

التجارب الكردية في تشكيل الأحزاب ضمن أطر الحركة الكردية تكاد تنفرد بخاصيتها في الإنقسامات إلى درجة أن هذه الإنقسامات أصبحت تنتج إنقسامات أكثر و تتفقس منها الأحزاب أكثر من الأفكار لا بل أن الفكرة الوحيدة التي أنتجتها النخب السياسية الكردية و الذي زاد و ساهم في نزول الحالة السياسية إلى الحضيض و ركود المشهد السياسي الكردي هذه الفكرة كانت اللجوء لتشكيل أحزاب جديدة و التي تنم بعد صراعات طويلة على المناصب الحزبية و في حال الفشل يلجأ القسم الآخر إلى تشكيل بديل حزبي أخر و كانت العدالة في هذا الأمر أن هذه الظاهرة شملت كل الأحزاب سواء اليمينية أو اليسارية أو ما تسمى بالحيادية أي بمختلف توجهاتها الأيديولوجية( النزعة الإنشقاقية لدى المجتمع الكردي).

.

عندما ننظر إلى هذه الظاهرة الإنشقاقية منذ التجربة الأولى في نشوء الحزب الأول في عام 1957 كان أول مظهر لهذه الإنقسامات هو تقسيم الأعضاء أنفسهم إلى يميني و يساري و حيادي و بعد إحتدام الصراع فيما بينهم لجأ كل منهم إلى تشكيل حزب له و سماه بأسماء مختلفة و لكن الصفات الثلاثة بقيت في ذاكرة الجماهير و من المفارقات أن النزعة الإنشقاقية كانت منتجة و فعالة و كانت تستقطب الجماهير لكل منهم.

و بما أنه لم يكن هناك و لا يوجد زعيم بمفهوم الزعامة و القيادة لكي يستطيع أن يوحد جميع تلك الطاقات و الأفكار في بوتقة واحدة فتشكلت الممارسات الإنشقاقية لدى الأحزاب السياسية و توارثتها الأجيال و الملفت للنظر أن هذه النزعة حصلت بعد الولاء للثورة الكردية بقيادة الأب الروحي للكرد ملا مصطفى البارزاني.

.

و مع مرور الزمن و تعدد الإنشقاقات داخل الحركة الكردية و كثرة تشكيل الأحزاب حتى أصبحت عائلية فبدأت الملامح الأسطورية و البحث عن القائد مختفياً من على الساحة الكردية لتأخذ مكانها الوجاهة و المنصب و المركز هو المهيمن على ( مؤسسة) الحزب و حيث تتمركز القاعدة الشعبية لذلك القيادي على سلوكيات جديدة تتمثل بالإستهتار بالقيادي الآخر في الحزب الآخر فعملت الإتهامات فعلها و المناورات و المؤامرات على البعض الصفة الأبرز مما تم ترسيخ فكرة الإنشقاقات و النزاعات و الخلافات داخل الأحزاب و خاصة الذين كانوا يتصدرون الإنشقاقات كانوا من الفئات الإجتماعية التي تملك تراكمات و خلافات و التأخير في الوصول إلى المناصب العليا داخل كل حزب من الأحزاب و خاصة القيادات القديمة التي كانت تشكل العائق الأكبر بسبب الخرف الذي أصاب ممن كانوا يديرون دفة ( مؤسسات) الحزب مما أدى إلى مزيد من الإنقسامات و ظهر الصراع جلياً بين القيادة و تشكلت فرق الموالين لها و المعارضين و ظهرت حالات الثأر و الإنتقام و تلفيق تهم الخيانة التي كانت تلقى جزافاً و خروجاً عن الإجماع الوطني و أدى إلى نشوء أحزاب موازية داخل كل حزب و ظهرت مفاهيم جديدة وسط الحركات الإنشقاقية بأنهم ينادون بالإصلاح و الآخرون يقفون عائقاً ضد هذا الإصلاح بحجة المحافظة على القيم و المبادئ و إعتبروا الخروج عنها خيانة و تم التصدي لها بالأساليب الدنيئة و الرديئة و تكررت تلك السيناريوهات مع كل حركة إنشقاقية وبقيت الأوضاع كما هي مع تغيير أسماء ( الممثلين) السكرتير.

.

 و أخذت الصراعات الشخصية بين القيادات و إختلافهم في رؤية الأزمات و ظهرت طبقة الموالين (العميان) و طبقة المثقفين و كانت الغلبة دائماً للذين كانوا يسيرون خلف الآخرين( تحت شعار معاهم معاهم) مما أثر تأثيراً كبيراً على الأجيال التي أتت فيما بعد لإستكمال الممارسة السياسية.

إن ظاهرة نشوء الخلاف و صناعته كانت في أغلب الأحيان قبل المحطات الحزبية الهامة مثل الكونفرانسات و المؤتمرات ثم الإنتقال بها إلى شخصنة الأمور و الخلافات و تحميل الطرف الآخر ما آلت إليه الأمور و نعت بعضهم البعض بكلمات نابية و كل طرف يبرز محاسنه مع التركيز على مساوئ الطرف الآخر و بعد أن يتم التغيير حتى و إن تم تبقى الأمور على ما كانت عليه و تستمر نفس الخطابات دون الإقتراب من أي شئ من النقاط التي كان يثيرها المختلف و هذا ما كان يجعل منه مادة دسمة لكي يكون سبباً أساسياً لأزمة جديدة .

.

و بسبب قصر النظر و ضيق سعة الصدر و إنعدام الصبر خلال الصراع يلجأ الجميع إلى حسم الموضوع من خلال شرعنة غير الشرعي و تشكل هياكل موازية و التبشير بنتائجها سلفاً كمن يريد بيع بضاعته و تنتهي هذه الوعود إما نحو الأسوأ أو الإنشقاق و بدل وضع الأصبع على الجرح و تعيين الخطأ و العمل على تصحيحه فإن الإنجاز الجديد يهدف إلى تدمير القديم و السعي إلى إزالته من الواقع و هذا مرده إلى غياب و إنعدام العقلية التنظيمية و عدم إستخلاص الدروس و العبر من التجارب السابقة و هكذا دارت و لا تزال تدار الصراعات إلى ما لا نهاية.

.

إن الإنشقاقات في الحركة الكردية التي حصلت كانت دوماً تمر قبل إنعقاد المؤتمر و تنفذ في المؤتمرات بسبب النشاط الكثيف من قبل الإنشقاقيين في تلك الفترة و وضع المبررات السياسية و التنظيمية لها لتنفجر في اللاشعور الجماعي من خلال تصريح أو بيان حيث يتم تجريم القيادة و التكلم بكثافة عن أخطاء و سلبيات القيادة و نقلها من المستوى العادي السياسي و الإداري إلى المستوى الذي يلامس فيه الأخلاق وصولاً إلى الخيانة مما يؤدي إلى تفجير الكيان الحزبي عبر إنشقاق أو إنشقاقات برؤوس متعددة و هناك  يعمل كل طرف على إزالة الطرف الآخر و محوه من الوجود و إلغائه سياسياً و إجتماعياً و يظهر الإنتقام و البغض دون أن يدروا بأنهم يدمرون الإنسان ذاتياً و خلق فتنة كبيرة بين أبناء الشعب الكردي بسبب الإنقسامات السياسية و الحزبية و تدوم إلى ما لا نهاية.

.

و من أهم المميزات التي يتميز بها المنشقون هو توجيه أنظارهم إلى منطقة ما و العمل ضد أية حلول أو أفكار منطقية تحد من عمليات الإختلاف في وجهات النظر كما يقوم المنشقون بتقديم الأعذار و التبريرات التي ينتجونها من مخيلتهم الذاتية للتهرب من مسؤولية فشلهم لأنهم تسببوا في تشكيل أزمة بسبب عدم إحترام النظام الداخلي لحزبهم و قاعدة الحزب و تكون حجتهم دائماً في ذلك هو ذهنية القيادة و سلوكياتها التسلطية و الإقصائية و الديكتاتورية، و إذا ما أصر المنشقون على رأي ثبتوا عليه و يقومون برش البهارات عليها و صبغها بمجموعة من القيم مثل الخيانة و الوفاء و المرتزقة و الخارجين عن القانون و تصل إلى مستوى أكثر توسعاً و تؤخذ من زاويةالثبات و الإصرار على التمسك بها.

.

ينهل المنشقون من خطاب تبرير الفساد و التوريط و الدخول في معارك وهمية مما يشكل شللاً تاماً في مؤسسات الحزب و يسيطر الإحباط على نفوس المناضلين و تتراخى هممهم كما إن المخلصون سوف ينفضون من حولهم و يبتعدون عن اليأس الذي أنتجه بعض القياديين و سوف تكون نتائجها كارثية و تتحول هياكلهم إلى مجمعات للكذب و الدجل و البوح بالغرائز الهمجية و التلفيقات بدل الإتزان و تتكون لديهم أفكاراً بأن الممارسة السياسية هي حرب وجود و قتال مصالح و ليس نضال من أجل الأفكار أو المشروع كما يدعون لأن ولائهم لبعضهم مؤقت، و في هذه الظروف التي نمر بها اليوم و الفضاء الأعلامي الواسع نجد بأن ميلاد الخلافات و النزاعات و الإنشقاقات أصبحت ضمن الممارسات الإعلامية و التي أصبحت مادة مستهلكة تخضع لقوانين الدعاية الإستهلاكية لتحقيق الإشباع الذاتي من أجل طموحات المنشقين الذين يحولون أنفسهم إلى رموز إجتماعية و نجوم و ينسجون علاقات جديدة من أجل حسم معاركهم المستقبلية.

.

مروان سليمان

06.07.2018

آخر التحديثات