بالرغم من كل الخيبات التي عودتنا عليها سياسة الولايات المتحدة في الحقبة الماضية، وبشكل خاص نحن السوريين، فهناك أكثر من سبب للتفاؤل بنتائج المحادثات الامريكية السعودية الأخيرة في المملكة. فمن جهة ما كان لزيارة باراك أوباما للرياض أي معنى إن لم تأت للتعبير عن تطور في الموقف الأمريكي من الملفات العديدة التي لم تخف السعودية خلافها مع الإدارة الأمريكية حولها. ولا قيمة لمثل هذا التطور إن لم يأت ليلاقي تساؤلات العرب وقلقهم، ويسعى إلى تقديم أجابات مقبولة عنها.
وفي ما يتعلق بالقضية السورية التي أصبحت من دون إرادة السوريين بؤرة الأزمة الشاملة والمتعددة الأبعاد التي يعرفها المشرق العربي، ومن ورائه منطقة الشرق الأوسط بأكملها، لم يعد يخف على أحد أن العامل الرئيسي في تشجيع نظام الأسد على الاستمرار في الحرب والاعتقاد بأن في متناوله حسم النزاع لصالح إعادة تأهيله لحكم سورية وتثبيت أركان النظام الدموي لعقود طويلة قادمة، هو موقف الإدارة الأمريكية الرافض للانخراط بأي شكل إلى جانب الشعب السوري في انتفاضته من أجل الحرية وتأمين الحقوق الاساسية، وذلك بصرف النظر عن التبريرات التي لم ينس أوباما أن يشرحها للرأي العام العالمي في مقابلته مع شبكة “سي بي اس” التلفزيونية الاميركية، في روما، قبيل توجهه الى السعودية.
كان من الممكن لهذا الموقف أن يعبر عن خيار أخلاقي عميق يقوم على رفض اللجوء إلى السلاح لحل المشاكل السياسية لو تعلق الأمر بحرب خارجية بين دولتين، أو بحرب اهلية يجدر بالدول الأجنبية التوسط لإطفائها بدل استغلالها وصب المزيد من الزيت عليها. لكن الأمر كان غير ذلك في سورية تماما، حيث ولدت الكارثة من رفض نظام مدجج بالسلاح ومتمرس بالعنف القيام بالحد الأدنى من الاصلاحات للرد على مطالب ثورة شعبية سلمية، واعلانه الحرب على شعب أعزل، واستخدامه كل الاسلحة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، لكسر إرادة السوريين وإخضاعهم لإرادته بالقوة، وأكثر من ذلك فتحه الباب لكل التدخلات الأجنبية، لتعزيز قواته وموقفه العسكري، بما في ذلك استدراج المنظمات الإرهابية الدولية.
هكذا تحولت الحرب من نزاع سياسي على السلطة محصور داخل حدود الدولة السورية إلى صراع على ابتلاع سورية وضمها إلى ما يسمى بالهلال الأخضر أو الهلال الشيعي الذي لم يخف الايرانيون في أي وقت دفاعهم عن فكرته وتمسكهم بتحقيقه. في هذه الحالة، “تعفف” الأمريكيين عن الانخراط بشكل أو آخر في المواجهة لم يعد يعني التمسك بالحلول الدبلوماسية ورفض الحرب، وإنما تخلي واشنطن يشكل كامل عن التزاماتها الدولية وتركها الشعب السوري يغرق في الدم، وأبعد وأكثر من ذلك تواطئا علنيا ورسميا من قبل أعظم قوة دولية مع الدولة الغازية التي تسعى بكل الوسائل اللاشرعية واللاقانونية إلى بسط نفوذها على المشرق والحاق دوله بها، من العراق إلى سورية إلى لبنان.
كيف لا تشعر المنطقة العربية كلها، والحالة هذه، بمخاطر التخلي الاستراتيجي وترك الشرق الأوسط لنظام لم يستثمر منذ نشوئه إلا في وسائل القوة والتفوق وتكديس الاسلحة وامتلاك السلاح النووي والسيطرة والاستتباع، بعد أن ترك شعبه فريسة الجوع والحرمان؟