كوردستريت || بيانات
التقرير السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، عن شهر شباط 2022
معلوم أن الحرب الروسية الأوكرانية تتصدّر المشهد السياسي في الوقت الحالي، حيث الاهتمام الدولي العارم بهذا الحدث التاريخي الهام الذي قد يحدث تحوّلات نوعية في العلاقات الدولية، وقد تنتصر روسيا عسكرياً في حربها مع أو كرانيا، إلا أن المعطيات في معظمها تشير إلى خسارتها اقتصادياً وسياسياً، فهي الآن في حصار دولي، لا يقف إلى جانبها إلا قلة قليلة من الدول ذات التحالف الوقتي، حتى الصين لم تعلن وقوفها بوضوح إلى جانب روسيا، فالعقوبات الاقتصادية والمالية المتتالية من جانب الغرب عليها قد أنهكها، هذا إلى جانب الدعم الغربي غير المحدود لأوكرانيا بالمال والسلاح ما يجعل روسيا في حرب استنزاف قد تكون طويلة الأمد، فيما لو لم يحل الإشكال بالحوار والتفاوض المستبعدين حتى الآن بسبب الشروط الروسية القاسية التي تتجاوز القوانين الدولية وتحمل انتهاك سيادة الدولة الأوكرانية، ما يجعل تلك الشروط عصية على القبول أو الأخذ بها في حل الأزمة واستتباب الأمن والاستقرار في أوكرانيا..
المهم في الأمر، أن الصراع بين روسيا والغرب بدا يحتدم، ويأخذ منحىً استراتيجياً لا رجعة عنه بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية هذه المرة دون الجانب الأيديولوجي، وأن الاصطفاف الدولي قد يغدو واضحاً دون مواربة، والحرب الباردة تتجدّد بعد عقود من الاختفاء، ولاشك أن هذا الصراع سيلقي بظلاله على مختلف بقاع العالم ولاسيما بؤر التوتر والأزمات الدولية والإقليمية، ومنها الأزمة السورية، تجلّى ذلك في التحرُّكات السريعة والتعزيزات اللازمة للجانبين الأمريكي والروسي، ومن المتوقع تراجع ثقل هذا الأخير في سوريا بسبب انشغاله بالأزمة الأوكرانية مع تزايد دور التحالف الغربي وخصوصاً امريكا، وقد يتلكأ من جديد دور هيئة الأمم المتحدة في هذا الاتجاه رغم جهود ومساعي المبعوث الدولي إلى سوريا السيد «غير بدرسون» من أجل انعقاد الدورة السابعة للجنة الدستورية.
تركيا، قد يضيق المجال أمامها في استمرار ازدواجية العمل السياسي بين الجانبين الروسي والغربي، رغم قيامها بدور الوساطة في الأزمة الأوكرانية، ما يعني عليها حسم الأمر في الوقوف إلى جانب حلفائها التقليديين ” أمريكا ، أوربا .. ” ذلك لأمرين أساسيين الأول كونها عضواً في حلف الناتو، والثاني صعوبة التّواصُل في هذه الأجواء مع الجمهوريات ذات اللغة التركية والتي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق، هذا إلى جانب ضيق مجال تحرُّكها بعد هذه الأزمة، وفي سياق آخر تسعى تركيا إلى التّصالح مع عددٍ من دول المنطقة منها إسرائيل وبعض الدول العربية ” مصر ، السعودية، الامارات العربية ” على أمل تعويض بعض مصالحها الاقتصادية التي تضررت في الفترات السابقة، ما يعني أن تركيا تعيد حساباتها الإقليمية من جديد ..
إيران، ترى الفرصة سانحة لها على أكثر من مجال، فهي تقف مع روسيا في الأزمة الأوكرانية، وتسعى لتعزيز دورها في سوريا، وتستغل الصراعات الدولية في تسويف الملف النووي وتلعب على عامل الزمن من جديد على أمل الوصول لتحقيق مراميها في إنجاز السلاح النووي أو قبول شروطها في مفاوضات النمسا، ما يعني أن إيران ترى التطوُّرات قد تخدم مصالحها في هذه الفترة، لكن الوضع الدولي قد يختلف خلال فترة وجيزة، لأن دول الغرب ليست في ساحة الصراع المباشر مع روسيا في أزمتها مع أوكرانيا، وهي بالأساس تتعاطى مع القضايا الاستراتيجية بروية ووفق برنامج وخطط مدروسة لها حواملها وعوامل تحقيقها، ما يعني أن الظروف والتطوُّرات السياسية قد تكون متقلبةً لبعض الوقت، أو ربما تمتد مع امتداد المعارك في أوكرانيا لآجال أخرى، لكن الأوضاع الدولية الأخرى قد تأخذ سبيلها نحو الاستقرار من جديد.
العراق، مازال الصراع قائماً ومستمراً بين التحالف الثلاثي “الكتلة الصدرية، السنة، الكرد متمثلاً بـالحزب الديمقراطي الكوردستاني الشقيق، وبين الاطار التنسيقي، على مسألة رئاسة الجمهورية، وما تتبعها من رئاسة الحكومة والترتيبات الجديدة، وقد يستمر الصراع لأنه في جوهره صراع بين الجانب الوطني العراقي وبين الانتماء إلى خارج العراق وتحديداً الموالين لإيران، الصراع هو بين مساعي وضع العراق على الطريق الصحيح، وبين مَنْ يرى في ذلك ضرباً لمصالحه وأجنداته لأنه المستفيد من الفساد المستشري، ومن بقاء الميليشيات التابعة له التي تهدّد الأمن والاستقرار في البلاد على الدوام، لكن يبدو أن “التحالف الثلاثي” عازم على المضي رغم كل الصعوبات والعراقيل، وسيختار رئيس الجمهورية الأنسب وهكذا رئيس مجلس الوزراء رغم كل الأحابيل والدسائس غير الدستورية وفي مستقبل قريب.
إقليم كوردستان، إزاء وضع العراق والوضع الكوردستاني، ماتزال قيادة الإقليم تتصرّف بحكمة، ووفق الدستور العراقي والقوانين المرعيّة، في حرص شديد على التوافُق مع الجانبين العراقي والكوردستاني ودون إفراط أو تفريط بحقّ أحد من المكوّنات المعنية، ومن غير ما يكون على حساب أحد، ففي الجانب العراقي تعاملت بهدوء وإخلاص مع الحلفاء وهكذا مع الجانب الكوردستاني، ورغم ما لاقاه الحزب الديمقراطي الكوردستاني من محاولات الدّس والالتفاف على الدستور العراقي والقوانين بهدف إبعاد مرشحه لرئاسة الجمهورية إلا أنه تعامل برويّة ودون ضجر مع تلك المحاولات الفاشلة لأن أمدها قصير، وبالتالي لا يصحُّ إلا الصحيحُ، وهكذا تتغلب الحكمة دائماً على المساعي اليائسة باستمرار، وإن الدور الرّيادي يبقى هو الأقوى على تجاوُز الصعاب والعراقيل التي يفتعلها الخصوم والمناوئين معاً.
كوردستان الغربية، لاتزال الأوضاع المعيشية صعبة للمواطنين، وتزداد صعوبة مع زيادة أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية للحياة بارتفاع سعر العملات الصعبة مقابل الليرة السورية، وتدنّي القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة من المجتمع بسبب تزايُد البطالة، ونقص فرص العمل وحتى بالنسبة للعاملين فإن الأجور لا تتناسب البتة مع تلك الأسعار، وعلى أن هناك توجهاً أمريكياً برفع تداعيات “قانون قيصر” على مناطق نفوذها ولاسيما شرقي نهر الفرات، عسى أن تخفف الأعباء عن كاهل المواطنين، وعليه فإن المعاناة تتضاعف في مناطق (عفرين، سري كانييه، كري سبي) مع استمرار الانتهاكات والمظالم التي تمارسها الفصائل العسكرية التابعة لتركيا رغم الجهود والمساعي القائمة للحد منها.
هذا إلى جانب استمرار القوى التابعة لـ ب ي د لعمليات الخطف والاعتقال للإعلاميين والنشطاء التابعين للمجلس الوطني الكردي وأحزابه وتعذيب البعض منهم وإبقاء آخرين قيد الاعتقال التعسُّفي، ومن الجدير ذكره في هذا السياق هو اختطاف البعض من قبل مجهولين واحتجازهم لطلب الفدية التي تتجاوز إمكاناتهم وذويهم ودون حسيب أو رقيب..
أما جانب المساعي لاستئناف الحوار أو التفاوض من أجل التوافق الكردي فقد أصبح من الماضي بحكم غياب الأرضية المناسبة لذلك، ويبدو أن الوضع في هذا المجال سيستمر لو لم يتأثر بتداعيات التطوُّرات الجديدة بعد تفاقم الأزمة الأوكرانية وقيام التحالف الدولي ولاسيما أمريكا بدور جديد في هذا الصدد ..
المكتب السياسي
للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
قامشلو 10 / 3 / 2022