الدول الكبرى والمتوسطة.. وما بينهما

آراء وقضايا 24 أبريل 2025 0
الدول الكبرى والمتوسطة.. وما بينهما
+ = -

كوردستريت|| #آراء وقضايا 

بقلم محمد جواد الميالي/ العراق

 

ترتكز رؤية الدول الكبرى على مفاهيم القوة الشاملة والنفوذ العالمي،وهي تُعنى بتأمين مصالح استراتيجية، تمتد إلى ما وراء الحدودالوطنية، إذ تعتبرها عنصرا أساسيا للحفاظ على الهيمنة في النظامالدولي، الذي يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية والسياسية.

في السنوات الأخيرة، برزت الفجوة بين رؤية الدول العظمى للمصالحالمشتركة الاستراتيجية، وبين الدول المتوسطة التي ترتكز سياساتهاعلى المصالح المشتركة قريبة المدى.. وهذا التباين لم يقتصر علىالأسس النظرية فحسب، بل تجلى عمليا في التحالفات الإقليميةوالمواقف السياسية، التي اعتمدتها بعض الدول في سباقها، نحودخولالعظمةفي النظام العالمي، وهذا ما يلاحظ مثلا في سياقالأزمة السورية.

ان التحولات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلالالعقدين الماضيين، أبرزت تباينات جوهرية بين استراتيجيات الدولالعظمى والدول المتوسطة، في سعيها لتحقيق مصالحها الوطنيةوالإقليمية، وتجلت بوضوح في كيفية تعامل هذه الدول مع الأزماتالإقليمية، كالأزمة السورية والتحالفات التي نشأت أو تفككت نتيجةلذلك.

دول مثل روسيا والولايات المتحدة والصين، لديها استراتيجيات قائمةعلى توسيع نفوذها العالمي، مستخدمةً مزيجا من الأدوات العسكريةوالاقتصادية والدبلوماسية، وتسعى فيها لتشكيل النظام الدولي بمايتوافق مع مصالحها، معتمدةً على تحالفات استراتيجية وتخطيططويلة الأمد، في المقابل تميل الدول المتوسطة، مثل تركيا وايران، إلىالتركيز على مصالحها الإقليمية والداخلية، معتمدةً على تحالفات مرنة،وتكتيكات توازن بين القوى العظمى، بهدف تحقيق أكبر قدر منالمكاسب، مع تقليل المخاطر المحتملة، وأن تكون بخطى قريبة منمصاف الدول العظمى.. على الأقل هذا ما تحلم به، لكن الحدثالسوري كان هو الملف الفيصل؟!

مثل التحالف الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا، نموذجا معقدًاللتفاعلات بين الدول العظمى والمتوسطة، بالنسبة لروسيا وإيران، كانالحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد مسألة استراتيجية، تهدف إلىتأمين نفوذهما في المنطقة، روسيا من جانبها، سعت إلى الحفاظ علىوجودها العسكري، في البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدة طرطوس،بينما رأت إيران في سوريا حلقة وصل حيوية لدعم حلفائها في  لبنان،أما تركيا فرغم دعمها المبكر للمعارضة السورية، وجدت نفسهامضطرة للتعامل مع تعقيدات الواقع الميداني، خاصة مع تصاعدالتهديدات الأمنية على حدودها، وتنامي النزعة الانفصالية الكردية،وهنا سيظهر السؤال: لماذا خانت تركيا حلفائها في سوريا؟

مع قرب تغير الإدارة الأمريكية وتولي ترامب الرئاسة، شهدت السياسةالخارجية الأمريكية تحولات، أثرت على حركة الحلفاء الإقليميين، فبينماسعت إدارة بايدن إلى إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، وشراء ذممبعض الدول متذبذبة القرار، مما دفع تركيا إلى إعادة تقييم علاقاتهامع روسيا وإيران، ودعم تركيا لأحمد الشرع، المعروفبأبو محمدالجولانيقائد هيئة تحرير الشام، كجزء من استراتيجيتها لتحقيقتوازن جديد في سوريا، هذا التحول في الموقف التركي يعكس طبيعةالدول المتوسطة، التي تسعى للتكيف مع المتغيرات الدولية والإقليميةبما يخدم مصالحها الوطنية، ويعبر عن نظرة قاصرة وقصيرة لا تمتبصلة لمفهوم الدول العظمى، وهو الفخ الامريكي الذي سقطت به ادارةاردوغان، التي ربما ستنهار في القريب الآجل لعدة اسباب اهمها:

داخليا تواجه تركيا تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة، وتشهدالبلاد أزمة اقتصادية خانقة، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم،وتراجع قيمة الليرة التركية، مما أثر سلبا على معيشة المواطنين.

سياسيا يتصاعد التوتر بين الرئيس رجب طيب أردوغان والمعارضة،خاصة في المدن الكبرى كإسطنبول، تجلى ذلك في تظاهرات اجتاحتالمدن المعارضة، بعد اعتقال زعيمهم امام اوغلو، وهو ما اعتبرتهالحكومة محاولة لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

هذه التحديات الداخلية سوف تؤثر على استقرار حكومة أردوغان، ممايفتح المجال أمام تغيرات محتملة في القيادة السياسية، بالإضافة إلىذلك، فإن الاضطرابات الداخلية في تركيا سوف تنعكس علىسياساتها الخارجية، بما في ذلك دعمها للفصائل المسلحة في سوريا،وقد يواجهالجولانيتراجعا في الدعم التركي، مما يؤدي إلىإضعاف موقفه في الصراع السوري.

بناءً على ما سبق، يتضح أن الدول العظمى تعتمد على استراتيجياتطويلة الأمد، تهدف إلى تعزيز نفوذها العالمي، بينما تركز الدولالمتوسطة على تحقيق مكاسب إقليمية، مع مراعاة التوازنات الداخليةوالخارجية، وتركيا كنموذج للدول المتوسطة، تسعى للتكيف معالمتغيرات الدولية والإقليمية، إلا أن التحديات الداخلية قد تحد منقدرتها على المناورة، وتؤثر على استقرار تحالفاتها وسياساتهاالخارجية، وخيانتها لتحالفاتها السابقة، ربما ستعجل بسقوطهاكحكومة اردوغانية الفكر..

آخر التحديثات