الجلاء – دروس وعبر*

آراء وقضايا 01 مايو 2017 0
الجلاء – دروس وعبر*
+ = -

كوردستريت – أحداث بعيون الكتاب

الدكتور كاميران حاج عبدو

منذ واحد وسبعين عاماً والشعب السوري يحتفل ب “عيد الجلاء – جلاء أخر جندي فرنسي من سوريا”. هذا العيد الذي ما زالت حقيقته باقية في أذهان كل السوريين، إذ أنه جاء ثمرةً لنضالات السوريين – كافة السوريين – على إختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية.. فيوم هَبَّ السوريون جميعاً لنصرة بلدهم آنذاك لم يكن في بال أحد منهم أن يسأل عن قومية أو طائفة أو دين أو مذهب أو أي انتماء آخر مهما صغر أو كبر، ويومها كان السوريون جميعاً صفاً واحداً وفي خندق واحد لمواجهة الانتداب الفرنسي سواء في شمال سوريا حيث ابراهيم هنانو، أو في الساحل السوري حيث الشيخ صالح العلي، أو في جنوب البلاد حيث سلطان باشا الأطرش، أو في دمشق حيث يوسف العظمة… إذ وحد السوريون قواهم ورصوا الصفوف وشدوا العزيمة وكان قراراهم الوحيد تحرير سوريا من الانتداب الفرنسي وبناء الدولة الوطنية، فكان لهم ما أرادوا، وحققوا نصراً تاريخياً سُجل بحروف من ذهب في سفر الزمان… لكن الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم لاحقاً، بدءاً من الوحدة ومروراً بعهد الانفصال ووصولاً إلى حكم البعث، فشلت في خلق هوية وطنية جامعة تجمع السوريين بمختلف مكوناتهم، بل وشوهت أيضاً حقيقة تضافر جهود المكونات السورية صانعة الجلاء، وألغت حقائق التاريخ والجغرافيا، ومارست سياسات التعريب وإلغاء الآخر المختلف، وطبقت مشاريع عنصرية وشوفينية بحق الشعب الكردي أهل ابراهيم هنانو ويوسف العظمة وأحمد باراڤي ومحو إيبو شاشو وغيرهم من أبطال مقاومة الانتداب…

واحد وسبعون عاماً مضت على الجلاء، منها أربعة وخمسون عاماً تحت نير حكم البعث الذي اختزل الدولة والمجتمع السوريين في أيديولوجيته وحزبيته التي لم تُبقي للجلاء من معنى، ولَم تبقي من معاني للوحدة الوطنية التي أرادها الأبطال الميامين صانعو الجلاء، بل جعلتنا أكثر حاجة إلى جلاءٍ آخر يُحَرر الإنسان السوري ويُرْجِعَ له حريته وكرامته وحقوقه؛ إلى جلاءٍ يحرر الانسان والعقل السوريين من فكرة الحزب الواحد والقومية الواحدة والقائد الأوحد، ويعيد لسوريا رونقها التعددي.

اليوم وبعد ستة أعوام مضت على ثورة الشعب السوري، التي حُوِّرَت فيما بعد إلى حرب طائفية إقليمية أججتها المصالح الدولية لتصبح كارثة إنسانية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها من الحرب الكونية الثانية، نحتاج إلى النهل من معين الماضي وحقيقة تعددية سوريا القومية والدينية والطائفية التي اجتمعت في بوتقة الوطن وصنعت الجلاء لترفع عالياً راية الوطن السوري الجامع.. نحتاج ولو بعد كل هذه السنوات من القتل والدمار والتشرد والهجرة إلى جلاءٍ فكري نتحرر به من الحقد واللاتسامح والتعصب.. نحتاج التسلّح بقيم التعددية والعيش المشترك والتسامح والمحبة… حينها – وحينها فقط – سنتمكن نحن السوريين من التعاضد والتماسك والتوحد مجدداً حول برنامج سياسي ومشروع نضالي شامل يهدف إلى جلاء الاستبداد والإرهاب والفكر التكفيري السلفي، وبناء دولة ديمقراطية محورها الإنسان وكرامته وحقوقه الأساسية، ونظامها فيدرالي يؤمن الحرية والمساواة لكافة مكوناتها القومية والدينية.

معاً من أجل جلاءٍ جديد..
معاً من أجل بناء وطن سوري لكل أبناءه ومكوناته..

(شارك هذا الموضوع على التواصل الاجتماعي)
آخر التحديثات