الإنسانُ العادي

آراء وقضايا 30 ديسمبر 2017 0
الإنسانُ العادي
+ = -

الإنسانُ العادي

بقلم الكاتب زانا ابراهيم

فَلنبدأ من مَرحلةِ الطُفولة ولِنقُل الطفلُ العادي “حالياً” اللذي هو طفلٌ يَنشئ في أُسِرةٍ كاملةٍ (على الأغلب) بحيثُ أن أفرادَ عائلتهِ يعيشونَ مَعهُ في المنزلِ ولا يَموتُ أحدُهُم بِقَذيفة هاون عَشوائية أو رَصاصةِ قناصٍ أو يَرى نُجومَ الصباحِ تَحتَ التَعذيبِ في السُجونْ

هذا الطفلُ العادي يُفترضُ أن يَكونَ تلميذٌاً في المدرسةِ بدلاً من أن يَبيعَ العِلكة عند إشاراتُ المرورِ أو يعملَ في المَصانعِ لساعاتٍ طويلةٍ وهو قاصِر تحت سِن الثامنة عَشَر لكي يُساعِدَ على تَأمينِ لُقمة العَيشِ لأُسرَتهِ ولا يَغرقَ تحت الدُيونْ هذا إن وافقَ أحدِهم أن يدينه بعضَ المالِ

عندما يَكبرُ هذا الطِفلِ ويُصبحُ شاباً يُفترضُ أن يَرتادَ الكُلية ويُتابعَ دِراسَتِه بَدلاً من أن يَفُر من الوَطنِ كي لا يَتم إلقاءُ القَبضِ عَليهِ وَزجِه في المَحرقةِ التي يَتدَفئُ بِها تُجارُ الحُروبِ أو أن يَتِم إختطافُه من قِبل مَجهولينْ

هذا الإنسانُ العادي عِندَ تخرُجِه من الكُليةِ يَتِم تَعيينُه كَموظَفٍ في الحُكومَةِ بِحَيثُ يَذهبُ لِعَملِه ويَعودُ لمَنزلهِ في بيئةٍ آمنةٍ.. مُعززٌ مُكرمٌ..

بَدَلاً مِنْ أَن يَبقى في الشَوارِعِ دونَ عَملٍ أو تَعيينٍ حُكومي ويُضطَر لِلعَملِ في سوقُ الخُضارِ كَـعاملٍ وبِراتبٍ سيء وإستِغلاليٍ هذا إن تَوفَر له هٰكَذا عَملٍ قَبلَ أن يَقصِدَ القارةُ العَجوزْ ويَصِلها بِسَلام أو يَغرقَ في البِحارِ أو يَتعَرضَ لمُلاحَقةِ العِصاباتِ المُتاجِرةِ بالأعضاءِ البشَريةِ إن لم يَتِم إلقاء القَبضِ عَليهِ مِنْ قِبٙلِ حَرَسُ الحُدودِ وإعادَتِهِ إلى نُقطة الصِفرْٙ

بإختِصار الإنسانُ العاديْ هوَ الَذي حالَفَهُ الحَظ وَولِدَ في بِلادٍ بَعيدَةٍ عَنْ الشَرقُ الأوسَطْ الفَوضَويْ

نَحنُ هُنا إبتَلَينا بِأَشياءٍ مِنها مِنْ صُنعِ أَيدينا
ومنها ما تَمَ إضافَةُ بَعضُ البَهاراتِ الأجنَبيةِ إلَيها

نَحنُ هُنا نَدفَعُ ثَمنِ الحُروبُ القَوميةِ والنِزاعاتُ الحِزبيةِ (الحُروبُ السياسيةِ) وَنَدفَعُ ثمَنِ الحُروبْ والصِراعاتِ الدينيةِ والمَذهَبيةِ الَتي هي بالأَساس تابِعة أيضاً للحُروبُ السياسيةِ حَيثُ إنَهُ تَمَ تَسييسُ كُلْ شَيء تَقريباً

نَحنُ هُنا لا نَستَخدِمُ عُقولَنا ولا نؤمِنُ بالتَغييرِ ومُتَعَصِبونْ لأَفكارِنا البِدائيةِ
وكَذلِكَ مُتَعَصِبونْ لأشياءٍ أمتَلَكناها بالصُدفة

أَقصِدُ أنَنا كَـمُجتَمَعاتْ نَدفَعُ ثَمنُ جِهلِنا بالدَرَجة الأولى….

آخر التحديثات