كوردستريت|| #آراء وقضايا
هند زيتوني| سوريا
وأنت تنظر بعينك المجرَّدة إلى هذه الأرض التي تغرقُ بالموت، تبدولك الحياة كتاباً مغمَّساً بالدم له نسخ عديدة موزَّعة على جميع المدن،فنحن ما زلنا نكرِّر الأخطاء وتبتلعنا الغصَّة، بتنا الآن نشبه الحقائبالمغلقة التي يرميها أحدهم في النهر ثم يلتقطها عابر ما…
أغلب قراراتِ الحياة تأتي بلا تخطيطٍ مسبق، أو بسبب اندفاعصبياني، ولذا نعيشُ خيبات كثيرة نودّ لو لم تحصل. الغريب فيالأمر أنَّ هذا العالم البائس الذي يحترق في أوكرانيا ويجوع ويبادفي فلسطين المحتلَّة ويعاني من المجاعات والقتل والخوف وندرة المياهوالكهرباء، في اليمن والسودان وسوريا ولبنان، لا أحد يكترث لأنينهولا أحد يهتمُّ بذبحه وتجويعه ولا حتَّى قتل أطفاله الخدّج.
فالغرب مشغول جداً بتردِّي القوى العقلية للرئيس الأمريكي، المُسَّن: جو بايدن والذي أصبحَ يشردُ أحياناً في المؤتمرات ويغادر، ويعادإحضاره لحلبة العهر والسياسة، والغرب مشغولٌ أيضاً بقضيَّةستورمي دانيالز، الممثِّلة الإباحيَّة التي تسبَّبت باتِّهامٍ جنائيٍّلترامب– الرئيس الجمهوري السابق– وسبَّبَت له فضيحة (بجلاجل)على محطَّة سي بي إس، وقد أعطته لقب: “تايني” إشارة إلى صغرعضوه الذكري.
الغرب مشغولٌ جدَّاً الآن؛ بمؤخرة كيم كارداشيان وخصرها الذينحتته حتى أصبح كخصر لعبة باربي وهي تمشي على السجادالأحمر بزهو وكأنها حرَّرت العالم!
الغرب مشغولٌ بتزويد الأسلحة المحرَّمة دولياً لجميع البلدانالمتحاربة، حيث يرسل الصواريخ، المسيَّرات والقنابل والطائراتوطعاما للجنود. الجندي في إسرائيل يكلفهم آلاف الدولارات شهريا،ولولا دعم أمريكا له لتوقفت الحرب من اليوم الأول.
العالم مشغول بمبارايات (Copa America) وأسعار العملاتالمنهارة والمرتفعة… أمَّا الشرق، فحدِّث ولا حرج… فهو مشغولٌدائماً بالحصول على آخر آيفون، وهو يتابع على السوشال ميديا،تنهُّدات هيفا وهبي وجسدها وهي تغنِّي بوس الواوا ومريام كلينيكوهي تغني فوتت الجول، والمغني الصاعد حمّو بيكا، وبرنامج رامزجلال وآخر حلقاته؛ رامز جاب من الآخر، ذلك البرنامج التافه المثيرللجدل. المسلسل الذي كلَّف الملايين في وقت يتضوَّر فيه أبناء العربمن الجوع في كلِّ مكان، ويموت الأطفال عطشاً وجوعاً لندرة الماءوالحليب!
في الوقت الذي صار يأكل فيها الشعب العربي من القمامة أحياناً، ويبحث فيها عن مورد للرزق ببيع العلب البلاستيكية، العرب الأثرياءربما مشغولون بشراء آخر السيَّارات الصينيَّة الأكثر مبيعا فيالعالم؛ سايك موتور، بايد، وشانجان والتجارة بها، مشغولونبالصين التي غزت العالم وربما تكون هي يأجوج ومأجوج التيذُكرت في القرآن، في هذا الوقت الذي يُباد فيه البشر بكلِّ الأساليبالمتوحِّشة في غزَّة، وفي مناطق كثيرة من فلسطين المحتلَّة منالصعب أن نشرح ما آلت إليه الظروف من شظف العيش والضيقوالهروب إلى عالم أكثر رحمة، حتى ولو استعنَّا بكتاب علماللسانيات الحديث لنعوم تشومسكي يبدو لي أنَّ الإنسان كانيجب أن يُخلق بجناحين ليطير بهما إلى أيِّ مكان يحبُّه لا بذراعينعاجزين حتى للوصول إلى حنجرته التي يبست من البكاء، وكأنَّهكُتب علينا أن نعيش معلَّقين في منتصف الأشياء، لا نحُبُّ ما يحدث،ولا يحدُث ما نحُب، كما قال الكاتب أحمد توفيق.
والذي يؤلمني حقَّاً بأنَّنا هنا في الولايات المتحدة الأمريكية كمعلِّماتفي المدارس العامة والخاصَّة يطلبُ منَّا عندما ندخل الصَّف أن نبدأاليوم بتدريس الطلَّاب في المرحلة الابتدائيَّة عن ظلم هتلر والمجازرالتي ارتكبها في ألمانيا ضد اليهود، يجب علينا أن نذكِّرهم بالمحرقةاليهوديَّة، التي قام بها النازيون، وكان علينا أن نقسِّم الصف إلىفريقين تفصل بينهما أسلاك شائكة، قسمٌ محاصر ومجوَّع ينتظرالموت في غرف الغاز وكأنه في أوشفيز بولندا في أحد محتشداتبيركانو. والقسم الآخر ينتظر وهو خائف من ذلك المصير، أنا أطالبكلَّ المثقفين والمدوِّنين أن تُسجَّل هذه المجازر في فلسطين المحتلَّةالتي حدثت وما زالت تحدث الآن، وتدوين كلِّ الجرائم والصورلتحفظ في الأجهزة الإلكترونية الحديثة وترسل بشكل أقراص مدمجةلكلِّ البلاد وتنقش على الحجر.
أطالب وبشدَّة، أن توثَّق تلك المحرقة الفلسطينيَّة التي حدثت بدايةمن اليوم التالي للسابع من أكتوبر الماضي والتي ما تزال مستمرةحتى الآن! في ملفات لتوزيعها للعالم وفي أوشفيز تحديداً ليتمَّعرضها وتدريسها في كلِّ الصفوف ليعرفوا أساليب الإبادة الدنيئةالتي تقوم بها البلاد التي تدَّعي التحضُّر والإنسانيَّة والحرِّيَّة وهيفي الواقع شيطان يمارس القتل والموت والتجويع وحرمان الناس منحقِّهم الطبيعي في الحياة وإجبارهم على العيش في ظل ظروف لاتليق بالحيوانات.
هذا العالم النَّاعم المتحضِّر، الأنيق والجميل، الذي يرفع القططوالكلاب بطائرات الهليوكوبتر إلى المشافي الخاصة لعلاجها، اذاتعرضت للإصابة أو الدهس، هذا الذي يدَّعي الديمقراطية والحريةوالحضارة وبأنَّ له أياديَ بيضاء تساعد في شتَّى أصقاع الأرض،هو الذي يبيد البشريَّة والنباتات والأشجار والحيوانات، إنهالإحساس باللاجدوى الذي يجتاحنا الآن… ونحن نشعر أنأوجاعنا تخرج من ثقوب القلب، وأصواتنا تلهج في السماء، فحسبمبدأ إدلر: كلُّ الناس يستطيعون أن يتغيَّروا؛ فهل سيحصل التغييرذات يوم؟ هل سيصحو الضمير؟
في النهاية لن نتذكَّر كلمات الأعداء بل صمت الأصدقاء وخذلانهمكما قال مارتن لوثر كينغ.