.
– عفرين : هي منطقة جغرافية تقع كمدينة بنواحيها السبع و قراها ال / ٣٦٦/ كتقسيم إداري في أقصى الشمال الغربي من سوريا ، بمساحة تمتد الى / ٣٨٥٠ كم٢ /من مساحة المحافظة الإدارية حلب . و يبلغ عدد سكّانها وفقاً لرقم إحصائي يعود للعام /٢٠١٠/ /٥٢٣،٢٥٨/ نسمة.
وعفرين كتركيبة سكانية هي ذات صبغة كردية تكاد تكون خالصة ، فالكُرد نسبتهم تفوق ال/٩٨%/ من مجموع السكان .
.
– الديموغرافيا أو علم السكان : و هو علم إحصائي إجتماعي حيوي من شأنه دراسة الخصائص السكانية لرقعة جغرافية معينة كمّاً و نوعاً ( العدد ، الكثافة ، التوزيع ، النمو ، النمو ، الحجم ، الهيكلية ، التنمية ، التعليم ، التغذية ، الثروات ، الولادات ، الوفيّات ، الدخل )
– التغيير الديموغرافي : و المقصود به هو ذاك التحوّل الذي يطرأ على البنيان و القوام السكاني لرقعةٍ جغرافية ، ناجماً عن فعلٍ أو أفعال إراديّة من قِبل جهةٍ ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد إرادتها في ذاك التحوّل .
.
و يظهر عادةً في صورتين أساسيتين :
الصورة الأولى : تتمثّل في رغبة جهة ما حكومية غالباً و بشكلٍ ممنهج و مخطّط و وفق تدبّرٍ و فكرٍ مسبق على إرغام غير مباشر لسكان منطقة ما على النزوح من مناطقهم ، و تأخذ عادةً طبيعة مبطّنة أو غير مباشرة كما أشرنا و أيضاً يكون للعامل الزمني دور في الموضوع ، و يتم سلوك هذا السبيل بآليات مختلفة سواءً خدمية أو سياسية أو إقتصادية أو غيرها التي من شأنها التضييق على سكان تلك المنطقة بالقدر الذي يكفل نزوحهم إلى أماكن أخرى .
الصورة الثانية : و هي الأكثر خطورةً و بشاعة فتتمثّل في ممارسات تنفّذها حكومات أو قوى عسكريّة أو شبه عسكريّة أو مجموعات متعصّبة تجاه مجموعات عرقيّة أو دينيّة أو مذهبية أو أي مجموعات مشابهة ذات تميّز أو خصوصية ما ، بهدف إخلاء أرض معينة من ناسها و إحلال مجاميع سكانية أخرى عوضاً عنها ، أو ما يمكن تسميته بالتهجير الجماعي قسراً و قهراً دون رضا المهجّرين أو دون سندٍ قانونيّ لذلك .
التغيير الديموغرافي في عفرين :
.
يمكننا تسليط الضوء على هذا الموضوع من خلال تقسيمه إلى ثلاث مراحل أو حقب زمنية تمتد لما يقارب النصف قرن ، عاشته عفرين و لم تزل تبعاً لخضوعها و تبعيّتها السياسية .
– مرحلة ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا ( ما قبل آذار ٢٠١١ ) .
– المرحلة الممتدة ما بين اندلاع الأحداث و حتى الإجتياح التركي و الفصائل العربية المسلّحة التابعة له لعفرين
– مرحلة ما بعد الإجتياح التركي و الفصائل المسلحة ( ما بعد آذار ٢٠١٨) .
أولاً : حقبة ما قبل إندلاع الأحداث في سوريا ( قبل آذار ٢٠١١) :
أو التي يمكن تسميتها بمرحلة حكم البعث العربي و نظام الأسدين الأب و الإبن ، حيث سعت الدولة السورية ممثلةّ بألأسدين و نظام البعث العربي الحاكم في هذا التوجّه ، أي نحو إحداث تغيير ديموغرافي في عموم سوريا و إستهداف المكوّن الكردي أو المناطق ذات الأغلبية الكردية بصورةٍ خاصّة .
و لعلّ ما يميّز تلك الحقبة الزمنية هي إتخاذها طابع الخبث و الدهاء إن جاز التعبير ، و لا سيما في عهد الأسد الأب الذي كان يدرك صعوبة و مخاطر إحداث هذا النوع من التغيير ، إلا أن ذلك لم يمنعه من العمل على ذلك و بصورة غير مباشرة كما أسلفنا القول و تحت حجج و ذرائع مختلفة .
وكان نصيب المكوّن الكردي هو الأكبر من ذلك التغيير ، سواءً عبر توزيع العوائل العربية التي تضرّرت من عمليات غمر أراضيها بمياه بحيرة سدّ الفرات على الشريط الحدودي التركي العراقي ذو الخصوصية و الوجود الكردي و إنشاء ما يسمّى بالحزام العربي ، أو سواءً عبر تهيئة الظروف و الأسس المستقبلية لذلك التغيير ، كإجراء عمليات المسح العقاري و تسجيل مساحات كبيرة من الأراضي و العقارات من خلالها بأسم الدولة و ملكيتها .
وقد شهدت عفرين تحديداً عدة مظاهر تستهدف بنيتها الديموغرافية في ذلك العهد ، لعلّ أبرزها مثالاً لا حصراً ما يلي :
1- التضييق الخدمي و الإقتصادي ، من خلال نقص خدمات الصحة و التعليم و غيرها ، و أيضاً سوء الدعم الحكومي للمنطقة إقتصادياً و تحديداً الدعم الزراعي كون عفرين تعتمد بصورة أساسية على الزراعة ولا سيما زراعة الزيتون ، و إنعكاس ذلك بدرجة واضحة على إنخفاض الإنتاج و أسعار المنتجات الزراعية ، و بالتالي على الواقع المعيشي ، ما أدّى إلى اضطرار نسبة كبيرة إثر كل ذلك للهجرة و النزوح بحثاً عن واقعٍ أفضل . و قد ظهرت نتائج ذلك بصورة جليّة في انتقال نسبة كبيرة منهم إلى حلب .
2- حالات التضييق الأمني على سكان المنطقة و تنامي دور و نفوذ المؤسسة الأمنية و الاستخباراتية على حساب الدور التشريعي و القضائي و سلطة القانون ، و ذلك تحت أعذار و حجج عديدة و مسميات غايتها الأساس إرهاب السكان و إقلاق راحتهم و حثهم على النزوح و الهجرة . بدليل أن عفرين كانت حقلاً لانتهاكات كافة الفروع الأمنية و المخابراتية ( أمن دولة ، عسكري ، سياسي ، جوّي ) ناهيك عن تجاوزات الجهات التنفيذية .
3- محاباة المكوّن العربي الضئيل في عفرين و منحهم امتيازات مقابل خلق عراقيل و معوقات أمام الغالبية الكردية تجسّدت بصفة أبرز في عمليات بيع و شراء العقارات مثالاً ، من خلال استغلال قوانين و مراسيم تشريعية ، كالقانون رقم /٤١/ لعام /٢٠٠٤/ و تعديلاته ، و المتعلّق بما يسمى بالترخيص الحدودي ، و وجوب الحصول على الترخيص اللازم لاتمام عمليات بيع و شراء العقارات ضمن المناطق الحدودية ، حيث ظهر بوضوح في الواقع العملي أن ذاك الترخيص و تلك الموافقة كانت تمنح للمشترين العرب لعقارات تعود ملكيتها للكرد ، و بالتالي استخدام ذلك كمنفذ لتغيير التركيبة الديموغرافية .
4- استملاك الأراضي كما أسلفنا الذكر عبر قوانين و قرارات الاستملاك الجائرة إلى جانب تسجيل العقارات بأسم الدولة دون سند قانوني سليم ، بدليل حيازة بعض المالكين لسندات تمليك عثمانية تثبت ملكيتهم و رغم ذلك جرى تسجيل تلك العقارات بأسم الدولة .
نضيف إلى ذلك مثالاً ، استملاك آلاف الهكتارات بتعويضات رمزية بدواعي إنشاء ما يسمى بسد ١٧ نيسان ( سد ميدانكي ) .
ثانياً : المرحلة الممتدة ما بين إندلاع الأحداث في سوريا لحين الاجتياح التركي و الفصائل العربية المسلّحة لعفرين . (من آذار ٢٠١١ الى آذار ٢٠١٨ ) .
شهدت هذه المرحلة أيضا نوعاً من تغيير التركيبة الديموغرافية لعفرين ، تجسّدت أكثر في حدوث عمليات نزوح كبيرة من مختلف مناطق سوريا نحو عفرين ، لا سيما تلك المناطق التي عاشت صراعات دامية و أجواء ساخنة و غير مستقرّة .
بالمقابل حظيت عفرين في تلك الفترة بنوع من الإستقرار و الأمان الذي ترسّخ شيئاً فشيئاً أكثر مع استلام حزب الاتحاد الديمقراطي الديمقراطي لزمام الأوضاع و إحداثها لهيكلية ما سمّي بالإدارة الذاتية الديمقراطية بنظام المقاطعات أو الكانتونات و اعتبار عفرين واحدة من ثلاث مقاطعات ..
و على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة لأعداد المتدفّقين على عفرين إلا أن بعض الأرقام التي ذكرتها بعض المنظمات المدنية و الحقوقية أشارت إلى أنّ نسبتهم تجاوزت الثلاثمائة ألف .
و لا بدّ لنا من لفت الإنتباه إلى حدوث هجرة عكسية مقابل ذلك التدفّق ، تمثّلت في خروج نسبة من سكان عفرين الأصليين و انتقالهم إلى دول الجوار و أوربا و غيرها ، وكانت غالبية تلك النسبة من الفئة العمرية الفتيّة و الشابة ، ذلك الإنتقال الذي كان لأسباب و اعتبارات مختلفة أهمّها : البحث عن العمل و مصادر الرزق و واقع معيشي و خدمي و تعليمي أفضل ، كما لا تخلو تلك الأسباب من الدوافع السياسية والفكرية.
ثالثاً : مرحلة ما بعد الإجتياح التركي و الفصائل العربية المسلّحة التابعة له لعفرين إلى يومنا هذا . ( ما بعد آذار ٢٠١٨)
هذه المرحلة التي تتكشّف بعض معالمها و مجرياتها بمرور الأيام تعدّ ربما المرحلة الأخطر و الاكثر حساسيةً في تاريخ عفرين ككل عبر العصور و لا سيما لجهة موضوعنا هذا ، مع وجود دلائل و مؤشّرات واضحة و فاضحة لعمليات تغيير ديموغرافي ممنهجة تعتبرها القوانين و الإتفاقيات الدولية جرائم تستدعي المنع و العقاب .
فلا يقتصر ذاك الوضوح للتغيير الديموغرافي على عمليات إسكان الغير من سكان الغوطة والقلمون و غيرها من مناطق سوريا في منازل العفرينيين فحسب ، و لا يقتصرعلى منع عودة النازحين و إغلاق المنافذ في وجههم كجرائم تطهيرو حرب و إبادة ضد الانسانية ، بل هناك جرائم أخرى كثيرة ضحاياها و أهدافها المكوّن الكردي في عفرين ، لعل أبرزها هو ما يحدث من عمليات نهب و سلب و تخريب و اعتقالات و تعذيب و انتهاكات فردية و جماعية مختلفة وموثّقة بحقّ المدنيين داخل عفرين و بث حالة من الذعر والهلع المقصود بغية إرغامهم قسريّاً على الهجرة و ترك منازلهم و أملاكهم و إيصال رسالة واضحة في ذات الوقت لمن نزحوا جرّاء الاشتباكات واثناء اقتحام عفرين إلى خارجها و ينوون العودة .
الحالة و الصورة تلك من الجرائم تجري كلّها بوضوحٍ تام كما ذكرنا و بتنفيذ وتدبّر و إشراف و رعاية تركية إلى جانبها الفصائل العربية المسلّحة التابعة للإئتلاف السوري المعارض .
.
في الوصف القانوني :
يتناول القانون الدولي مسألة التغيير الديموغرافي تحت مسمّيات التهجيرأو الإخلاء أو النقل القسري و يدرجها ضمن جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية .
حيث يعرّف التهجير القسري : بالإخلاء القسري و غير القانوني لمجموعة من الأفراد و السكان من الأرض التي يقيمون عليها ، و هي ممارسة مرتبطة بالتطهير و إجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصّبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معيّنة و أحياناً ضدّ مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لجهة بديلة أو فئةٍ أخرى .
و المواد / ٦ و ٧ و ٨ / من نظام روما الأساسي ( ١٧-٧-١٩٩٨) جاءت صريحة في اعتبار التهجير القسري جريمة حرب ، فصريح الفقرة ( د ) من البند الأول من المادة السابعة منه مثالاً تقول ( إن إبعاد السكان أو النقل القسري متى أُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أي مجموعة بشرية من السكان المدنيين يُشكّل جريمة ضدّ الإنسانية ) .
كما تُعرّف اتفاقيات جنيف الأربع و المؤرّخة / ١٢- ٨- ١٩٤٩/ و البروتوكولان الملحقان به لعام ( ١٩٧٧ ) جرائم الحرب : بأنها تلك الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلّق الأمر بالتهجير القسري .
و من الهام و نحن بصدد هذه الإتفاقيات أن نذكر ما ورد في المادة ( ٤٩ ) منها ، حيث حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص و نفيهم من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى إلا في حال كان هذا في صالحهم بهدف تجنّبهم مخاطر النزاعات المسلّحة .
عمليات التهجير القسري و الإبادة الجماعية تتطابق أيضاً كما سنلاحظ مع ما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة ( إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ) و التي تمّ إقرارها في ( ٩-١٢-١٩٤٨ ).
تلك الإتفاقية التي اعتبرت الأفعال الآتي ذكرها اذا ارتكبت بقصد التدمير الكلّي او الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعيّة و هي : ١- قتل أعضاء من الجماعة ٢- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة ٣- إخضاع الحماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليّاً أو جزئيّاً ٤- فرض تدابير تستهدف الحيلولة دون انجاب الأطفال داخل الجماعة ٥- نقل الأطفال من الجماعة عنوةً الى جماعة أخرى .
.
سنداً لكل ذلك و بإسقاط أو مقارنة تلك المواد و القوانين و الإتفاقيّات مع الواقع أو الوقائع و الأحداث في عفرين حتى لحظة إعداد هذا الموضوع نرى أنّها مطابقة و متطابقة ، و أنّ ما يحدث يمكن اعتبارها جرائم واضحة و مستمرّة ضمن الإطار الذي تناولته تلك المواد و الاتفاقيات ، و الأغرب من كل ذلك برأينا هو أن التثبّت من تلك الجرائم و حقيقتها و جمع الأدلّة و حقيقة ما يجري في عفرين ككل ، ليست بالأمر الصعب أو المهمّة الشاقّة متى توفّرت النيّة و الرغبة الدولية عبر أطرافها و جهاتها و منظماتها و مؤسساتها المختلفة .
فقد بات لزاماً و وجوباً على تلك الجهات الدولية أو الأممية تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية و الإنسانية قبل كل شيء تجاه ما يجري .و إجراء تحقيقات عادلة و نزيهة و شفافة بمعايير القانون الدولي ، وإحالة تلك الملفّات و التحقيقات ومرتكبي تلك الجرائم أصولا الى المراجع المختصة و على رأسها محكمة الجنايات الدوليّة.
.
تناولنا بإيجاز شديد موضوع التغيير الديموغرافي و التهجير في عفرين مقارنةً بالأحداث على الأرض و مقارنةً بما يحمله التغيير الديموغرافي بحدّ ذاته كموضوع شائك و متشابك ذو تفاصيل كبيرة و كثيرة ، و نأمل أن تتاح لنا الفرصة في مناسبات قادمة للوقوف أكثر على هذا الموضوع و مواضيع أخرى .
ألمانيا – نيسان ٢٠١٨