
كوردستريت || مقالات
.
نادية محمود
اختتم مقتدى الصدر تغريداته حول “الآفات” منتقدا انتشار الباعةالمتجولين والجنابر في الطرق قائلا ان “انتشار الباعة المتجولينو(الجنابر) والعربات يسبب ازدحاما واضرارا بالطريق وجمالالمنطقة“، و ” ان كان تقصيرا من الحكومات الا ان لقمة العيش لاتكون على حساب الضرر العام“.
واذن ان كان ل“لقمة العيش” اهمية، وان الصالح العام يجب ان يؤخذبه فما هو حل الدولة للمسألة؟
من الواضح ان موضوع باعة البسطيات يقض مضجع الاحزاب،والحكومة، ومحاربتهم اصبحت سياسة ثابتة. دفاعا عن اصحابالمحلات، الذين يرون في اصحاب البسطيات الذين يبيعون باسعاراقل من اصحاب المحلات، بانهم منافسين لهم ويريدون طردهم منالسوق. مصطفة الحكومة والاحزاب والميلشيات مع اصحاب المحلات،تاركة الالاف المؤلفة من العاملين في هذه المهنة في مهب غاراتالاحزاب والميلشيات والبلدية وقيامهم بتدمير البضاعة الصغيرة التييعتاش عليها هؤلاء الباعة.
.
لا قانون بلديات ولا قانون لتنظيم باعة الشارع، بل تصريحاتاعتباطية وتصرفات فردية، واجتهادات من قبل اناس لا يقبلوا بوصفهمباقل ” قادة للمجتمع“، الا انهم بدون سياسة وبدون قانون وبدونتنظيم، وبدون ان يزعج اي منهم نفسه بالتفكير والاقرار بان عمل باعةالشارع واصحاب البسطيات، جاء ليبقى، وانه مهما فعلوا ومهما دمرواومهما صادروا من بضاعة، فان الالاف المؤلفة ستعود للعمل فيه لانهامصدر معيشتها الوحيد الذي لا بديل لهم عنه. لم يكلف احد نفسه منالحكومة والاحزاب للاقرار وللاعتراف بان باعة الشارع ليست ظاهرة“مشوهة للجمال، وضرر للصالح العام” في مدن لم تشهد اساسا اياعمار، بل تعيش في مزابل مثل مدن العراق في الجنوب، في مدن لمتعمر فيها لا مجاري مياه ولا تعبيد طرق. واذا افترضنا جدلا بان كانهنالك اضرار ب“الجمال” فانهم باعتبارهم في السلطة، عليهم القيامبالتخطيط والعمل على ضمان” الجمال” – الذي لم يره احد– وبينحاجة الناس للعمل.
يجب ان تقر هذه الاحزاب اولا وقبل كل شيء بحق وشرعية وجود هؤلاءالباعة، كمصدر معيشة لهم، وبدون اي مساس بهذا الحق. لانه حقللاستمرار بالعيش. ليس هنالك دولة في العالم تخلو من هؤلاء الباعة،الا انه دائما يجري تنظيم عمل باعة الشارع بقوانين، ووضعت لهمحقوقا، وباحترام تام لمهنتهم وانسانيتهم. ان البيع في الشارع هو عملونشاط اقتصادي، لن ينتهي ابدا بالهجمة على اصحاب البسطيات.
.
لم تكلف الحكومة واحزابها نفسها بتشكيل اية هيئات او لجان لتنظيمعمل العاملين في هذا القطاع. في الوقت الذي يجب على الحكومةنفسها ان تقر وتنظم عمل باعة البسطيات. ان تقوم بتخصيص اماكنلهم، ووفق البقعة الجغرافية للمنطقة التي يعمل ويريد باعة الشارعالعمل فيها. وايجاد المؤسسات اللازمة لادارة وتنظيم وحماية عملالعاملين في هذا القطاع. وان تقوم الحكومة بتخصيص الكادرالبشري لتنظيم عملهم، بما فيه اشراك البائعين انفسهم في عمل هكذامؤسسات. بتسجيل هؤلاء الباعة، بتنظيم نشاطهم، تنظيم شروطعملهم و توضح وتحدد حقوقهم وواجباتهم، ومحميين بالقانون، ولديهمكامل الحق بالاعتراض على اي سلوك او اعتداء او تجاوز عليهم، ورفعدعوى على اي شخص يتعرض لكرامتهم ولمهنتهم ومحاكمته.
كل ما فعلته الحكومة هو بدلا من ان يشرعوا قانونا ونظاما لتنظيم عملهذه الفئة من الكادحين قاموا قبل ثلاثة اعوام فقط بطرح مسودة قانونواردات البلديات، الذي سعوا لاسلمة المجتمع من خلاله عبر حشرقانون لحظر بيع المشروبات الكحولية في ثنايا المسودة التي لاقترفضا واسعا لها، ثم تم وضعها على الرف.
هذا ليس للقول، اننا نعيش في بلد يحكمه القانون على الاطلاق،فالقوانين تشرع لكي لا تنفذ في العراق، بل لا يتلفت اليها ولا يلتزم بهااحد. انظروا الى قانون تجريم ” الدكة العشائرية” واعتبارها عملاارهابيا. قبل ان يجف حبر القانون تواجهت عشيرتان في البصرةوقصفت بعضها البعض، مدفعيا، واستخدمت تقنيات عالية، منهاطائرات التصوير! انظروا الى قانون العمل 137 لعام 2015، والذييجرّم فيه التحرش الجنسي في اماكن العمل، والحال يكاد لا يخلوامكان من هذه الانتهاكات، دون ان تمس شعرة من رأس منتهك! فوجوداو عدم وجود قانون لا يغير من الامر شيء. والامثلة كثيرة.
.
ولكن هنا نتحدث عن باعة او اصحاب البسطيات في العراق، والذيبلغ عددهم وحسب احصائيات 2015 “46 الفاً و41 ” بائعا متجولا،وتشكل “نسبة العاملين من الاناث 1%. لا نعلم مدى دقة تلكالاحصائيات، الا انه من المؤكد ان تعدادهم الان – في عام 2019- معتوجه كل عام وجبات جديدة من الخريجين الى سوق العمل في ازدياد!
الا انه ورغم هذه النسبة الكبيرة وبدلا من المضي الى وضع تنظيموقانون لعمل باعة الشارع او باعة البسطيات او الجنابر، ينظر “قائدالاصلاح“- اضافة الى امانة بغداد، والحكومة ذاتها– الى وجود هذهالفئة من العاملين على انهم ” سبب في الازدحام، ويضرون بالطريق،ويسيئون الى جمال المنطقة“!! ويلجأون من اجل تحسين جمالالمدينة، الى تحطيم عربات الباعة، وبضاعتهم وسحقها واتلافها وتركهافي الشوارع مضيفين الى جمال المدينة” جمالا اخر“! وسط ذهولوحنق وغضب الباعة والمتبضعين.
لم يتركوا لاصحاب البسطيات وباعة المفرد الا سبيلا واحدا لا غير، الاوهو سبيل تنظيم انفسهم من اجل تثبيت حقهم في مزاولة المهنة التيتوفر لهم سبيل عيش،وان يوحدوا جهودهم وعبر مدن العراق كافة مناجل اسماع صوتهم للحيلولة وايقاف هذا التدمير المتواصل لعملهمولبضائعهم، والهجمة على سبيل العيش المضني والوحيد الذييمتلكوه.
.
نادية محمود/ دكتوراه في علوم سياسية