مجلة الفورن بوليسي الأمريكية , الخميس 5 أبلول 2013
ترجمة : تمر حسين ابراهيم
وسط هذه الإانقسامات الإقليمية المتزايدة، فتحت صفحة جديدة للكرد أحد أكثر المجموعات العرقية معاناة في الشرق الأوسط.
تحول ميزان القوى الإقليمية مكنَ الكرد من ممارسة قدر أكبر من التحكم بمصيرهم. في حين لا يمكن التنبؤ بالمستقبل ، فمن المعقول تماما أن يحافظ كرد سوريا على الحكم الذاتي في شمال شرق سوريا عندما تهدأ الأمور في النهاية.
لكن الحرب الدائرة بين الجهاديين والمقاتلين الكرد للسيطرة على شمال سورية – صراع غير معروف بالقياس مع المعركة الدائرة بين الأسد وبقية الثوار السوريين ،من المرجح أن تؤدي إلى كارثة إنسانية كبرى لكرد سورية قبل تعزيز أية مكاسب سياسية.
سد الفراغ
بعد اندلاع الأزمة السورية واجه الكرد، الذين يشكلون 9٪ من سكان سوريا، معضلة صعبة. فالإنضمام الى القوى الثورية والتحالف مع النظام شكلَ مخاطر فادحة نظرا لطبيعة الصراع الغير متوقعة. في حين ادعى بعض النقاد أن الكرد وقفوا مع النظام في النّهاية ، هذا التحليل يبسط جدا المشهد المعقد.
سبق “الربيع الكردي” الربيع العربي في سورية ، حيث بدأ في عام 2004، عندما قتل الكرد المناهضون للأسد في القامشلي الذين احتجوا ضد النظام القومي العربي الذي لعقود من الزمن جرّد المزارعين الكرد من الأراضي و استولى على الأراضي الكردية، ومنع تعليم اللغة الكردية . مع هذا لم تسفر الأحتجاجات التي تعرض لها الكرد ضد نظام الأسد عن تحالف بين الجيش السوري الحر والأقلية الكردية. دفعت علاقة الجيش السوري الحر مع تركيا، و ارتباط الفصائل المتمردة المؤثرة مع شخصيات إسلامية وقوميين عرب ، العديد من الكرد للخوف من اطاحة النظام البعثي على يد القوات التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين.
سحبت الحكومة السورية معظم قواتها الأمنية من المناطق ذات الغالبية الكردية في تموز 2012، تحت ضغط من التمرد المتزايد في بقية أنحاء البلاد ، وترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حكومة الأمر الواقع الإقليمية. انسحاب الأسد كان مدفوعا بثلاثة حسابات استراتيجية. أولا، سعى الجيش السوري لتعزيز موارده نحو معارك في دمشق وحلب. ثانيا، أراد الأسد تسليم أنقرة ردا متبادلا بسبب الدعم التركي للمتمردين السوريين و الجيش السوري الحر. وبالنظر إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي تابع لحزب العمال الكردستاني و الذي شن هجمات ضد الدولة التركية من الأراضي السورية في ظل السنوات الأخيرة من حكم حافظ الأسد، أرسل النظام البعثي رسالة واضحة إلى أنقرة من خلال توفير ملاذ آمن للمجموعة التابعة لحزب العمال الكردستاني على عتبة باب تركيا. ثالثا، سعت دمشق إلى تقسيم المعارضة أكثرمن خلال تعزيز ولاء بعض الفصائل الكردية للنظام البعثي.
ومنذ ذلك الحين أصبح هناك بشكل اساسي هدنة بين الجيش السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي. و على مدى عام 2013، كان حزب الاتحاد الديمقراطي هدفا لهجمات مستمرة من الجهاديين السلفيين المصممين على إسقاط نظام الأسد وحرمان الكرد العلمانيين سياسيا من أية غنائم للصراع. عندما اشتدت المعارك بين حزب الاتحاد الديمقراطي والميليشيات التابعة لتنظيم القاعدة ، تزايد بوضوح الأسس العرقية، وقد ظهرت بالفِعل مسألة فراغ السلطة.
طوال الأسبوع الأول من أغسطس، وردت أنباء عن مقتل 450 مدني كردي في البلدة الحدودية تل أبيض على يد جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. في هذه الأثناء، قصف جهاديون آخرون البلدة الكردية رأس العين. وشن الجيش السوري الحر أيضا هجمات على حزب الاتحاد الديمقراطي على خلفية أن المقاتلين الكرد موالون لنظام الأسد. لكن مع هذ ا فقد قدمت بعض الجماعات العربية في كردستان سوريا دعمها الكامل لحزب الاتحاد الديمقراطي، خوفا من أن المتطرفين الإسلاميين قد يسيطرون على المنطقة. أجبرت الحرب المستعرة بين الاسلاميين و الكرد في شمال شرق سورية على نزوح 35 ألف من اللاجئين السوريين الى كردستان العراق في منتصف شهر آب. بعد ذلك بوقت قصير، أعلن مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق أنهم كانوا “مستعدين للدفاع ” عن كرد سوريا.
في حين يشكك الكثير من المحللين أن يدخل مقاتلوا البشمركة المدربون بشكل جيد التابعون لإقليم كردستان العراق الى سوريا للقتال نيابة عن حزب الاتحاد الديمقراطي، لكن التدريب العسكري والدعم المالي الذي تقدمه حكومة إقليم كردستان العراق لحزب الاتحاد الديمقراطي تؤكد على شمول السياسات الكردية لبرزاني . الدافع المُرجّح لبرزاني ينبع من الشك في وقوع حرب مستقبلية مع الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان ، وفي هذه الظروف يمكن أن توفر كردستان سوريا عمقا استراتيجيا. في هذه الأثناء، وضعية حزب الاتحاد الديمقراطي وَجها لِوَجه مع المقاتلين الجهاديين زادت قوة بسبب العمق الاستراتيجي المقدم من كردستان العراق. اذا استمر العنف بالأنتشارفي شمال شرق سورية، فإن الحدود بين كردستان السورية والعراقية قد تختفي في نهاية المطاف.
الربيع الكردي
في حين أن معظم كرد سورية هم من المسلمين السنة، فإن سياساتهم العلمانية الثابتة تضعهم في مواجهة بعض الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة التي تسعى لإقامة إمارة إسلامية في سورية. المخاوف العرقية،التي تشمل عداء المتمردين الواضح لمبدأ تقرير المصير الكردي ، يفاقم الانقسام. هناك تقارير أن مقاتلي القاعدة قطعوا رؤوس الكرد وأصدروا دعوات لإبادتهم، سيزيد هذا من توسع قاعدة الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي من العلمانيين الكرد.
بما أن غالبية احتياطيات النفط والغاز في سورية موجودة في شمال شرق سورية، فالغنيمة كبيرة لكلا الطرفين. فالعواقب الجيو- سياسية لإنشاء منطقة الحكم الذاتي الكردية أو الدولة الكردية المستقلة في شمال شرق سورية أمر معقد. من وجهة النظر التركية، فإن إدارة حزب العمال الكردستاني لكردستان السوري ستشكل عائقا رئيسيا بالنظر إلى احتمال أن يستفيد حزب العمال الكردستاني من المنطقة لشن هجمات ضد الدولة التركية (خاصة إذا فشلت محادثات السلام الجارية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني و استمرحكام دمشق وأنقرة في السلطة على المدى القريب اوالمتوسط).فالمسؤولون الأتراك قلقون بطبيعة الحال من احتمالية أن تطالب الأقلية الكردية في تركيا بمزيد من الحكم الذاتي من أنقرة مستلهمين من نظرائهم الكرد في سورية. و هذا ما كان بعد حرب الخليج، خشيت تركيا من دولة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق، إلا أن حكومة إقليم كردستان أصبحت في نهاية المطاف واحدة من أقرب حلفاء تركيا في الشرق الأوسط.
بالنسبة لتركيا لتشكل تحالف مماثل مع أي دولة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتي في سورية، فينبغي لمحادثات السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني أن تنجح (وهو احتمال مستبعد في المدى القريب)، أو يكون هناك منافس لحزب العمال الكردستاني يكون بصف تركيا و الذي سيستلم السلطة في شمال شرق سورية (هذا الأستنتاج أيضا مستبعد بالنظر إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو أكثر تسلحا من منافسيه الكرد). في الوقت الحاضر، دعمت أنقرة المليشيات الجهادية في شمال سورية، ليس فقط لإضعاف نظام الأسد، لكن أيضا لإضعاف حزب العمال الكردستاني – حزب الاتحاد الديمقراطي- لكن، تركيا تلعب لعبة خطرة، حيث أن إنشاء دولة كردية يقودها حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي على طول الحدود قد تكون أقل عدائية من إمارة إسلامية يديرها تنظيم القاعدة على الجانب الآخر من الحدود. في الوقت الراهن تحاول تركيا الرهان على الطرفين معا .
تشكل المعركة الجارية بين القوات الكردية و فروع تنظيم القاعدة في سورية تحديا صعبا للولايات المتحدة. فهي حذرة في استعداء تركيا حليفتها في الناتو ، فواشنطن لديها مصالح ثابتة في بقاء الدولة السورية في حقبة ما بعد الأسد، لذا هي تعارض دولة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتي أو مستقلة في شمال شرق سورية. لكن، ليس لدى الولايات المتحدة أيضا مصلحة في سيطرة مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة على منطقة تقع على العتبة الشرق أوسطية لحلف الناتو.
قد تستفيد واشنطن بالتأكيد من حلفاء إضافيين في المنطقة. ونظرا لتوجهها الأمريكي كحكومة إقليم كردستان التي يرأسها برزاني، فإن من الحكمة لإدارة أوباما إقامة علاقات مع كرد سورية، و هكذا ستجري الأمور لصالح الكرد على المدى الطويل. إذا قررت الدول الغربية تقديم المزيد من الأسلحة المتطورة للمتمردين الاسلاميين لتستخدمها ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في نهاية الأمر وهذا يمكن أن يعكر علاقة واشنطن مع دولة كردستان السورية المستقلة في المستقبل. هناك أدلة قليلة على أن الدول الغربية فكرت بتسليح المتمردين.
سعى كرد سورية مثل نظرائهم العراقيين إلى التحرر وسط الفوضى والعنف في بلادهم. من وجهة نظرهم، فقد وعدوا بدولة كردية مستقلة من قبل القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى ، ولكنهم لم يحصلوا عليها. بعد مرور ما يقارب القرن فقد أحسوا بفرصة حقيقية لمزيد من الحكم الذاتي، وربما الاستقلال. لأجيال، كانت تحالفات الكرد متقلبة نظرا للتطورات الجيو- سياسية المتغيرة في المنطقة وحاجتهم للأستفادة من التوترات الناشئة في الحكومات المضيفة لهم.
يعاني كرد سورية في الوقت الراهن القليل مما نقل عن أزمة إنسانية وسط انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من تنظيم القاعدة و عقود من الطغيان في ظل حكومة الأسد. على المدى الطويل قد يحقق الكرد حلمهم في مزيد من الحكم الذاتي أو الاستقلال في نهاية المطاف. إذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن أن نتذكر الربيع الكردي بدقة أكبر من “الربيع العربي”. – دانييل واغنر –
http://fpif.org/kurdish-syria-different-war