طقوس الحج عند الإيزيديين “عيد جما / جماهي”
كوردستريت نيوز || المجتمع
تشترك الأديان المختلفة في هدفها بـ هداية البشر إلى طريق الحق والابتعاد عن الشر، ولكل دين طقوسًا خاصة تميزه عن غيره من الأديان، ورغم أن بعض الطقوس والعادات الدينية قد يجدها بعضهم غريبة، يجدها آخرون مقدسة وتعبر عن انتماءهم الديني، وعلى الإنسان احترام خصوصية الأديان المختلفة، وطقوسها وشعائرها، ونبذ الأنانية التي يرى كل في نفسه سيداً والباقي عبيداً.
وكما أن لكل دين أعياده وطقوسه، للديانة الإيزيدية أعياد وطقوس خاصة به، ومنها “عيد جما” أو الحج.
وكلمة “جما” مشتقة من كلمة “جه م – cem” وهو اسم عشب مقدس في اللغة السنسكريتية، ونتيجة للاضطهادات المتلاحقة التي تعرض لها أتباع الديانة الإيزيدية، أقدموا على تغيير العديد من طقوسهم العريقة وألبسوها ثوباً عربياً إسلامياً، والتضحية بالثور الذي يتم في هذا العيد لدى الإيزيديين هو نفس الطقس الذي كان الميترائيون يمارسونه.
و”جما”، هو موسم الحج، حيث يتوافد الإيزيديون من كل مكان إلى “لالش النوراني”، ويسمى العيد الكبير، ومدته سبعة أيام من 23 أيلول شرقي ولغاية 30 منه، ويكون العيد يوم 1 تشرين الأول شرقي، أي يبدأ من 6 تشرين الأول وحتى 12 منه حسب التقويم الميلادي، ويعتبر هذا العيد من أكثر الأعياد غنىً بالطقوس المقامة فيه وهي:
زيارة كافة المزارات الموجودة في وادي لالش، ويجب أن يدخل الزوار إلى المزارات حفاة لا يحملون سوى أشيائهم الضرورية، وذلك تقديراً واحتراماً لصاحب المزار، ويجب على كل إيزيدي أن يُعمّد بماء كانيا سپي “العين البيضاء المقدسة”، لأنه وبحسب الديانة الإيزيدية، أثناء طوفان نوح غطت المياه الآسنة والمالحة كل شيء، وعندما وصلت سفينة نوح إلى لالش، كانت مياه هذا النبع العذبة تخرج إلى سطح الماء بلون صافٍ وشفاف، وكان نوح عليه السلام ومن معه يشربون من هذه المياه المباركة.
أداء رقصة “السما Sema” مساء كل يوم عند “مزار الشيخ آدي” مصحوبة بالأقوال الدينية ويرافقها أصوات الدف والشبّابة، أي الموسيقى الدينية، وطقس “السما Sema” يكون بدوران رجال الدين “حصراً” حول شعلة النار المقدسة “çeqilto چقلتو” وعلى أنغام “الدف والشبّابة”، ويستمر الكل بالدوران ثلاث دورات بكل خشوع وبخطوات بطيئة جداً مع رفع اليد اليُمنى على الصدر وتنزيلها في كل خطوة متناسقاً مع المسير وإيقاع النغمات، ويكون الدوران عكس عقارب الساعة، وهنالك سبعة أنواع من السما تختلف كلمات وموسيقى كل نوعٍ عن الآخر أما الحركات فهي متشابهة.
“القباغ Qebax”, وتعني التضحية بالثور، ويقام هذا الطقس يوم الأربعاء، وتشارك فيه ثلاثة عشائر إيزيدية هي “القائدية والماموسية والترك”، وبإيعاز من الأمير يطلقون الأعيرة النارية على دفعتين، الأولى من على سفح جبل عرفات، والثانية عند باب مزار الشيخ آدي، وبعدها ووسط جموع الحجاج تقوم نفس هذه العشائر بنقل ثور أو عجل من مزار الشيخ آدي إلى مزار الشيخ شمس حيث يذبح هناك ويعمل منه “سماط Simat”، ومصاريف السماط تجمع من التبرعات التي يقدمها الحجاج إلى المزارات، ويوزع السماط على الحجاج، ويجب أن يحصل كل شخص على قطعة لحم مهما كانت صغيرة، كي يأكلونها مع بعضهم بكل محبة، حيث تختفي كل العداوات فيما بينهم.
في يوم الخميس يتم نصب “Berê şibakê” ويسمى بـ “تخت إيزيد Textê Êzîd”، أو كرسي الشيخ آدي، وهذا التخت يتكون من 81 حلقة دائرية “9*9” مصنوعة من النحاس، حيث تربط هذه الحلقات ببعضها فوق سجادة خاصة، ويتم تثبيت الحلقات والسجادة بخشبتين لتصبح على شكل مستطيل له أربعة مقابض، يُشبه التابوت الذي يُحمل عليه الموتى ويسميها الإيزيديون “darabest”، ويُعتقد أن الشيخ آدي كان يجلس عليه, ويسمونه “berê şibakê”، ويتم تحضيره بوجود أمير الإيزيدية وبابا شيخ والمجلس الروحاني وحامل المشعل “çeqilto” وحاملة البخور وتكون من الفقرا “وهنّ اللاتي نذرنّ أنفسهنّ لخدمة مزار لالش، كالراهبات عند المسيحية”، ويتم كل ذلك على وقع إنشاد التراتيل الدينية وبمصاحبة نافخ الناي وناقر الدف، ثم يُحمل على الأكتاف من داخل مزار الشيخ آدي وسط هتافات وتكبيرات الحجاج وطلبهم الرحمة والمغفرة من الله، إلى عين ماء قريب يسمى “آڤا كلوكى -Ava kelokê” ليعمّد هناك ويعاد إلى مكانه ثانية.
“پري سواركرن -perî siwarkirin ” أي تنصيب البريات، والبري عبارة عن قطع من القماش الملون تنقل على رؤوس بعض الحجاج وتوضع على قبور الأولياء أو على مقاماتهم بعد أن تُعمّد بماء العين البيضاء “kaniya sipî” وتتم هذه المراسيم في اليوم الرابع من العيد، وكل هذا يتم على أنغام الدف والشبابة.
يقوم سادن معبد الشيخ آدي بشكل خاص، وسادنو المزارات الأخرى في وادي لالش بتحضير أكلة السماط لمدة سبعة أيام ليتناولها الحجاج، وأيضاً يوقد السدنة الشموع والقناديل في كافة المزارات.
يمنع الصيد في هذا الأسبوع ويمنع قطع الأشجار، والكواچك “جمع كوچك”، هم وحدهم يجمعون الحطب من جبل عرفات مرتين في اليوم من أجل طهي السماط.
والمميز في هذا العيد أنه، بعد انتهاء مراسيمه وطقوسه ومغادرة كل الزوار للوادي المقدس، تدخل عائلة من منطقة الشيخان بنسائها ورجالها، بشيبها وشبابها، بمثقفيها ورعاتها وفلاحيها وأطبائها ومهندسيها، مزودين بما يلزم لأمور التنظيف، ويبدؤون بحملة تنظيف الوادي المقدس من الأعلى إلى نهايته، وترفض هذه العائلة مشاركة أي شخص آخر من أي عشيرة أخرى، وهم يعتبرون هذا العمل شرفاً كبيراً حظوا به دون غيرهم، وبعد تنظيف الوادي المقدس تقوم هذه العائلة بالطواف على كافة المزارات، ثم يعودون إلى بيوتهم على أمل العودة في العيد القادم.