كوردستريت|| الصحافة
قالت صحيفة “ناشينال إنترست” إن تركيا يمكن لها أن تحدّ من النفوذ الإيراني المتطرف بالعراق؛ لما لها من قوة إقليمية ومكانة على الساحة الدولية، مشيرة إلى أن التنافس الذي كان سابقاً بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية على العراق يمكن أن يتجدد اليوم بين أنقرة وطهران.
وتابعت الصحفية الكندية، تانيا جودزوسيان، التي غطّت حربي أفغانستان والعراق، بمقال لها في الصحيفة، بأن الأسابيع الأخيرة شهدت العديد من السجالات فيما يتعلق بفك الارتباط الأمريكي التركي في شمال سوريا، خاصة أن واشنطن أعلنت نيّتها الانسحاب دون إتمام مهمة هزيمة “داعش”، ما يعني إمكانية أن تقوم روسيا وإيران بمحاولات لسد الفراغ، ومنح هذا القرار الأمريكي الفرصة لتركيا لتوسيع نفوذها في المنطقة أكثر.
.
وبالنسبة إلى العديد من مراقبي الشرق الأوسط، تقول الكاتبة، فإن الساحة تُركت مرة أخرى لمنافسين تاريخيين؛ تركيا وإيران.
وتتابع: “لقد كان هناك العديد من الدعوات من أجل دفع تركيا لمشاركة أكثر قوة في المنطقة، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003، دعا العديد من الدول العربية تركيا من أجل دور أكبر في المنطقة؛ وذلك لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي، غير أن تلك الدعوات سرعان ما كانت تتبدد، بسبب تدهور العلاقات التركية مع دول الخليج العربية”.
ولكن يبدو أن هناك اهتماماً جديداً بمثل هذه الدعوات لدفع تركيا لأداء دور أكبر، خاصة في المجمعات السنية المهمّشة في العراق، بحسب الكاتبة.
.
وجاء قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا ليضعف أكثر نفوذ أمريكا في العراق وليس في سوريا فحسب، كما تقول الكاتبة.
فهو يعني أيضاً إمكانية أن يُقدم ترامب على ذات الخطوة في العراق، ما يعني أنه قد يفسح المجال لتركيا لزيادة نفوذها بالعراق أيضاً، ولكن من سيكسب معركة القلوب والعقول في العراق، تركيا أم إيران؟ النفوذ الإيراني: تراجع أم نما؟
وتشير التقارير القادمة من العراق إلى أن النفوذ الإيراني يتراجع؛ فبحسب دراسات استقصائية فإن هناك انخفاضاً ملحوظاً في شعبية إيران لدى المجتمعات الشيعية العراقية، في حين تشير تقارير أخرى إلى أن نفوذ طهران في العراق لم يزد فقط، بل إنه أصبح وجوداً راسخاً، وفي كلتا الحالين فإن هناك إجماعاً على أن إيران هزمت أمريكا في معركة النفوذ في العراق، كما تقول الكاتبة.
.
الأحزاب السياسية، حتى تلك التي تظهر بمظهر الرافض للوجود الإيراني في العراق، ومنها التيار الصدري، تقبل بهذا الوجود كبديل للهيمنة الأمريكية، ليبقى السؤال؛ ماذا ترك ذلك للنفوذ التركي؟
وفي ظل هذا التشويش بالساحة العراقية فإن بمقدور تركيا التقدم للقيام بدور مفيد من خلال جارٍ أقل عدوانية وبديل مناسب للوجود الأمريكي؛ فبحسب مصادر رفيعة المستوى في أنقرة، فإن جزءاً من الاتفاق الأمريكي التركي حول سوريا يتضمّن تفاهماً بأن تحاول تركيا تهدئة أجندة إيران التوسعية في المنطقة، ما يعني أن بإمكان الاستراتيجية التركية للتعاون الدبلوماسي أن تكون مفيدة كثيراً، كما ترى الكاتبة.
ويقول سليم كاراوسمان، السفير التركي السابق في بغداد وطهران، إن المطالبة بتوسيع الدور التركي يمكن أن تنطوي على مخاطر أمنية أكبر؛ فهو من شأنه أن يثير مخاوف إضافية في المنطقة، ولمواجهة هذا التيار المناوئ فإن على صناع القرار السياسيين في تركيا أن يستغلوا القوة الناعمة لتركيا بدءاً من العراق، وأعتقد أن هناك قبولاً عراقياً للدور التركي، خاصة أن تركيا أظهرت صدقاً في التعامل مع قضايا العراق الحساسة فيما يتعلق بالوحدة السياسية والسيادة.
.
وعلى عكس الغرباء الإقليميين، يُنظر لتركيا على أنها محايدة وكبيرة بما يكفي لتكون ذات نفوذ، ولكنها في ذات الوقت صغيرة بما يكفي لعدم المواجهة، كما تقول الكاتبة.
وتتابع: “من خلال الجهود الدبلوماسية التي تؤدّيها تركيا فإنها يمكن أن تساعد في إعادة إعمار العراق، فضلاً عن أن أنقرة كانت تملأ في الآونة الأخيرة مركزاً لحل كل الصراعات في المنطقة، سواء في البلقان أو سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا أو القوقاز، فلقد سبق أن أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في نوفمبر الماضي، استعداد بلاده للتدخل في حل النزاع الروسي الأوكراني”.
وبالنسبة إلى إيران، فإن تركيا ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية شهدت تحسّناً كبيراً العام الماضي، وتجسّد هذا التعاون الوثيق في عملية أستانة، والسماح لتركيا بشراء النفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية، ما يمنحها نفوذاً في طهران.
.
وعلى العكس من هذه السياسة الهادئة التي تنتهجها تركيا، فإنها قد تضطر لخسارة الكثير إذا ما اختارت المواجهة، كما يقول سياسي عراقي مقرَّب من حزب الدعوة الشيعي، مبيّناً أن إيران لن تبقى ساكتة إذا ما قرّرت تركيا أداء دور أكثر عدوانية في العراق، ولدى إيران الكثير من المليشيات الموالية لها في بغداد، وبما أن السلطة بيد الشيعة بالعراق فإن تركيا لن تكسب سوى الخسائر المستمرة سياسياً واقتصادياً، وربما حتى أمنياً؛ إذا ما قرّرت مواجهة النفوذ الإيراني.
ومن جهته اعتبر ضياء الأسدي، الممثل السياسي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، أنه سيكون من غير الحكمة لجوء تركيا لفكرة مواجهة إيران في العراق، وما يمكن أن تقوم به تركيا هو دور الوسيط لحل المشكلات.
وتقول الكاتبة إن من المجالات المفيدة التي يمكن لتركيا أن تتنافس فيها وتتعاون التجارة والاستثمار؛ فهي تتمتّع بوجود كبير في قطاع البناء بالعراق، وخاصة في المدن التي دُمّرت بفعل الحرب على “داعش”، وقد أبدت أنقرة استعدادها للمساعدة في إعادة إعمار تلك المناطق، حيث سبق لوزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، أن أعلن عن حزمة ائتمانية بقيمة 5 مليارات دولار للشركات التركية العاملة في العراق.
.
وأيضاً سيكون قطاع الدفاع، بعد انسحاب القوات الأمريكية، ساحة كبيرة ومهمة لتركيا من أجل الدخول إلى العراق؛ فالقوات العراقية ستحتاج لمجموعة كبيرة من المعدات، والمعلومات الاستخبارية، والمركبات، والأنظمة، والأسلحة، ومعدات الجنود الفردية، وهي كلها اليوم تُنتَج في تركيا بكفاءة عالية وسعر أقل، كما تشير الكاتبة.
.
ويرى العديد من المحللين أن تركيا تمتلك فرصة مثالية لتكون بديلاً من النفوذ الأمريكي في العراق، خاصة في ظل تعزيز علاقاتها مع إيران، فموقعها الجغرافي وثقلها الدبلوماسي وتجارتها المتنامية، كل ذلك يسمح لها بتعزيز علاقاتها مع بغداد، ومن ثم يمكن زيادة التأثير بطريقة تُسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لصالح كل من تركيا والعراق، بحسب الكاتبة. (الخليج اونلاين)