كوردستريت|| الصحافة
تحدث الكاتب رامي الشاعر في مقالة بـ” زافترا ” عن التهديدات التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال مقابلة بثّتها قناة “إي بي سي نيوز”
وجاء في المقال: استدعت الخارجية الروسية يوم أمس السفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أناتولي أنطونوف، إلى موسكو للتشاور، وتقييم آفاق العلاقات مع واشنطن.
تأتي هذه الخطوة الاستثنائية بعد تجدد الاتهامات الأمريكية الموسمية لروسيا بما أسماه تقرير الاستخبارات الأمريكية الجديد بـ “جهود روسية للتأثير على انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة لصالح دونالد ترامب”، وهو ما علّق عليه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال مقابلة بثّتها قناة “إي بي سي نيوز” ABC News التلفزيونية، بأن بوتين “سوف يدفع الثمن”.
ورداً على سؤال المحاور ما إذا كان الرئيس الأمريكي يعتقد أن بوتين “قاتل”، أجاب بايدن بالإيجاب!أعتقد أن بايدن بذلك يعلن بداية الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والذي يأتي بالتزامن مع الذكرى السنوية السابعة لإعادة توحيد شبه جزيرة القرم الى روسيا، وفشل مشروع المعارض الروسي، أليكسي نافالني، ومجهودات واشنطن الهيستيرية لوقف مشروع “السيل الشمالي-2”.
وجاء الرد من موسكو بخطوة دبلوماسية استثنائية، تسبق مباشرة سحب السفير، وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية.إقليمياً، يأتي ذلك كله عقب جولة ناجحة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى منطقة الخليج، زار فيها الإمارات والسعودية وقطر، وصفتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بـ “أكثر من مثمرة”، حيث لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت معمّقة، طالت مجمل العلاقات الثنائية بين روسيا وهذه الدول، وكذلك التوجهات والإجراءات العملية على صعيد القضايا الدولية والشؤون الإقليمية.
في هذه الزيارة، استمعنا جميعاً إلى تصريح وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، حول ضرورة التعاون والعمل الإقليمي لبدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها، ولمسنا بصيصاً من الأمل فيما رآه آل نهيان من أن “التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون قيصر”، وطرحه لفتح حوار مع الإدارة الأمريكية بهذا الشأن.
إلا أن النشاط الدبلوماسي الروسي، فيما يبدو، قد أثار حفيظة الإدارة الأمريكية، وأخرجها عن طورها بعد أن أخرجها عن حصافتها الدبلوماسية، بتلك التصريحات التي خرج بها الرئيس الأمريكي، دون أن نعلم ما إذا كانت تلك التصريحات، التباس في الإدراك لدى الرئيس، يشبه ذلك الذي أصابه منذ أيام، حينما عجز عن تذكّر اسم وزير دفاعه، أو أنها تصريحات مدروسة ومقررة سلفاً مع فريق إدارته.
لقد انتهجت واشنطن سياسة “فرق تسد” في منطقة الخليج، ونجحت في إحداث شرخ في العلاقات بين دول الخليج، استمر زهاء 4 سنوات، استثمرته الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وجودها في المنطقة، ورفع درجة حرارة التصعيد الكلامي وغير الكلامي ما بين دول المنطقة وإيران، وما تلا ذلك من توسيع القواعد العسكرية الأمريكية في قطر والإمارات.
كذلك استثمرت واشنطن مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، كورقة تهديد وضغط صالحة للاستخدام من قبل الإدارات المتعاقبة، حينما تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بأن السعودية تخالف إرادتها، أو تعارض مصالحها ومخططاتها الدولية أو الإقليمية أو حتى المحليّة، حيث نجحت الإدارة السابقة في الحصول على عقود بمئات المليارات من الدولارات، وها هي الإدارة الحالية تعاود استخدام نفس الورقة، بمجرد أن تم استعادة الوحدة الخليجية، وانهاء الخلاف الخليجي. اليوم يعود إلى الواجهة اتهام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ويرفض بايدن أي علاقة معه مكتفياً بالتعامل مع الملك، بينما تلمّح واشنطن لاتخاذ عقوبات ضد الأسرة الحاكمة.
تظن الإدارة الأمريكية أن استعادة العلاقات الطبيعية بين دول الخليج كانت نتيجة للجهود الدبلوماسية التي كان من أبرزها زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى المملكة العربية السعودية، والجولات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية، سيرغي لافروف، إلى المنطقة، واستقبال أمير قطر في موسكو.
بل واعتبرت الإدارة الأمريكية أن لقاء مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، ثم لقاء لافروف بولي العهد السعودي، تحدٍ للموقف الذي اتخذته الإدارة الجديدة بعزل ولي العهد السعودي دولياً.
ثم تبع ذلك اتهام بوتين بأنه “قاتل”!لقد وصف النائب الأول لرئيس مجلس الاتحاد الروسي، أندريه تورتشاك، تصريح بايدن بأنه “غلبة للجنون السياسي” في واشنطن.
وأشار إلى ثقة الروس ببوتين، والتي بلغت درجة من المستحيل أن تصل إليها شعبية الرئيس الأمريكي، وقال إن تلك التصريحات “تحدٍ لروسيا كلها”.بالفعل، يرقى ذلك التصريح إلى اتهام روسيا وليس بوتين بالقتل.
لمجرد أن روسيا قادرة على دحض أوهام الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط وأوروبا.
هيستيريا أمريكية معلنة وصريحة تدهس في طريقها مصالح دول الخليج، ومصالح أوروبا، في سبيل العجرفة الأمريكية، وأوهام القوة لإمبراطورية آفلة.
في العقل الأمريكي، ليس من حق دول الخليج أن توازن علاقاتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وليس من حق أوروبا أن تفكّر في مصالحها الاقتصادية البحتة، واحتياطات الغاز لديها، ومستقبل أمنها ودفئها بعيداً عن ألعاب السياسة ومشاريع التقسيم. فلا الخليج ولا أوروبا مسموح لهم بذلك. ولنا في زيارة عميد الدبلوماسية الأوروبية، جوزيف بوريل، إلى موسكو الشهر الماضي أسوة.
حينما يقول الرجل حديثاً في موسكو، ثم يعود إلى أوروبا، ليصدر بيان الاتحاد الأوروبي على لسانه بحديث آخر، وقد اكتسب لكنة أمريكية واضحة.ما يثير غضب الأمريكيين أيضاً هو صعود أهمية “أستانا” و”سوتشي” على حساب جنيف، حيث يبرز اتفاق وقف إطلاق النار ومناطق التهدئة في سوريا وكأنه توسع للدور الروسي في سوريا، مقابل صفقات تهريب النفط، والسلاح التي حكمت على سوريا لسنوات بمقاومة تنظيمات إرهابية لا حصر لها ولا عدد، في ظل حدود مفتوحة، وأبواب أسواق مفتوحة على مصراعيها للبشر والتمويلات.
وكادت أن تعصف بالدولة السورية، وتزيلها من الوجود.لهذا تعتبر الإدارة الأمريكية أن الاتفاق الجديد للتنسيق بين روسيا وتركيا وقطر، والذي يمثّل بادرة أمل لعودة سوريا إلى محيطها العربي، وقبله صيغة “مسار أستانا” بين روسيا وإيران وتركيا، وصفقة منظومة الصواريخ الدفاعية “إس-400” إلى تركيا، وتدشين وحدة الطاقة الثالثة لمحطة “أك كويو” النووية جنوبي تركيا، وخط أنابيب “السيل التركي”، وغيرها من علامات التقارب بين روسيا وتركيا، تعتبر هذا كله بمثابة اختراق لحلف الناتو بشكل عام، ويتعارض بشكل خاص مع سياسة الحلف في خلق تصدع سني شيعي، يقف على جانبي الصراع فيه دول الخليج وإيران.
من هنا يكتسب الحديث عن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني “بشروط جديدة أشمل” معناه وجوهره، ومن هنا تكتسب شيطنة البرنامج النووي الإيراني، والدور الإيراني في الأزمات الشرق أوسطية، منطقها وتبريرها. ومن هنا أيضاً تصبح فزاعات “الخطر الروسي” على جمهوريات البلطيق وأوروبا، و”التدخل الروسي في شرق وجنوب أوكرانيا”، واضحة المعالم والأهداف.لقد أصبحت كل الأهداف الغربية مهددة وصعبة التحقيق، سواء ما حدث ويحدث على الحدود الغربية لروسيا في بيلاروس وقبلها وبعدها أوكرانيا، أو ما أصاب مشروع المعارض الروسي، أليكسي نافالني، في زعزعة استقرار الداخل الروسي، من فشل.
يأتي ذلك كله في يوم الذكرى السابعة لإعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا. الخطوة التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن روسيا دولة عظمى ذات سيادة، تدافع عن مصالحها القومية وأمنها الاستراتيجي بكل القوة والحسم، ولديها ما يكفي ويفيض في الدفاع عن كيانها ووجودها، حيث يقف على رأس مواردها تماسك المجتمع الروسي، متعدد الديانات والثقافات والأطياف، وصلابة الإنسان الروسي القادر على المرور بأصعب المحن، دون أن يطال ذلك أرضه أو مستقبل وطنه.
لم تمارس روسيا العدوان أو الإرهاب يوماً، وإنما دافعت دائماً عن حدودها ومصالحها. لهذا يبدو اتهام “الكاوبوي” الأمريكي بالقتل مضحكاً. ربما لا يدركون في الولايات المتحدة الأمريكية معنى الدبلوماسية العريقة التي لا تقوم على استغلال الشعوب ومواردها، والاستثمار في الجرائم والتهريب والإرهاب العابر للقارات.
(روسيا اليوم)